عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
يوم الشهيد
البنك الاهلي

"بوابة روزاليوسف" ترصد التفاصيل الكاملة عن حياة "الجنرال الذهبي"

اللواء عبدالمنعم رياض
اللواء عبدالمنعم رياض

تزامنًا مع احتفال مصر بيوم الشهيد الذي يتواكب مع الذكرى 54 لاستشهاد الفريق أول عبدالمنعم، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية يوم 9 مارس 1969، على الجبهة في حرب الاستنزاف، تنشر "بوابة روزاليوسف" التفريغ الكامل لفيلم تسجيلي يتناول قصة الفريق الراحل عبدالمنعم رياض من ولادته ونشأته في سبرباي، بمحافظة الغربية، حتى وفاته مرورًا بحياته العسكرية.



وبدأ الفيلم عرض ميلاده قائلًا: ولد عبد المنعم رياض، يوم الأحد الموافق 11 أكتوبر عام 1919، في قرية سبرباي التي تبعد خمسة كيلو مترات من طنطا.

وتعتبر سبرباي مسقط رأس الفريق عبد المنعم رياض، من أقدم قرى الوجه البحري، ويرجع تاريخ وجودها إلى العصر الفرعوني القديم، عصر الأسرات المتأخرة، ويقال إن اسمها مركب من كلمتين هيروغليفيتين "سبر" بمعني قصر، و"باي" بمعني الملك، فهي إذا كانت تسمي في العصور القديمة قصر الحاكم.

فقضي الشهيد عبدالمنعم رياض فيها أجمل أيام صباه، وتعلم في كُتاب الشيخ فتح وهو في الرابعة من عمره، وحفظ جزأين من القرآن الكريم وهما "عم، وتبارك"، وقرأ وكتب على لوح "الأردواز"، وارتبط بأرضها ارتباطا روحيًا فريدًا؛ ولم تنقطع زيارته لها طيلة حياته، وكان يفضل السفر لها بالسيارة عبر الطريق الزراعي، وكانت عيناه ترتاح للخضرة الممتدة على جانبي الطريق، ولرائحة الأرض التي على وشك الإثمار، ولرائحة الجندي المجهول من كد الفلاح وهو يعزق، ويعرق، ويقتلع النباتات الضارة التي تلتف حول المحصول.

وكان أخر أثر لقدمي الراحل عبد المنعم رياض على أرض "سبرباي" عمره شهران قبل استشهاده؛ حين غلبته أشواقه من بين مشاغله الجسيمة والعاجلة إلى "سبرباي" وأهلها؛ فذهب لزيارتهم وجلس بينهم ليستمتع بحديثهم عن محصول القمح التي نجح نجاحًا مبهرًا هذا العام؛ لكنه لم يعد إليها مرة أخرى، رما ليسمع حديثهم على مصر الشهيد، وثأر قرية سبرباي التي هو ثأر مصر كلها.

وعرض الفيلم التسجيلي صورة قديمة للقائمقام محمد رياض رب الأسرة التي اثمرت لمصر بطلها عبد المنعم رياض، وكشف الفيلم أن الصورة له قبل وفاته بشهرين عام 1931، وقد توفي القائمقام، المدرس بالكلية الحربية وترك أكبرهم عمرة ثلاثة عشر عامًا، وأصغرهم ستة شهور؛ وهم بالترتيب. الدكتور رياض وزير النقل والمواصلات سابقًا، الفريق عبد المنعم رياض، الدكتورة زاكية رياض أستاذ الفسيولوجي بجامعة عين شمس، وسميحة رياض، والدكتورة وداد رياض أستاذ الباثولوجي في جامعة الإسكندرية، وأخرهم أحمد رياض دكتور النساء والتوليد، وقد وفي عن عمر ناهز الـ 36 عامًا. 

مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية، أول حصة في أول يوم من السنة الدراسية لعام 1931/1932م، اختار الطالب عبدالمنعم رياض "تختته" بالقرب من السبورة، وتقد من المقعد الخالي من "تختته" طالب قدم نفسه إليه "عزيز صدقي"، وظل الصاحبان بعدها رفيقي الفصل الواحد و"التختة" الواحدة طوال السنوات الدراسية الثانوية.

الطالب عزيز صدقي كان ترتبه الأول دائمًا، أما عبد المنعم رياض بجانب تفوقه النسبي كان ترتيبه بين السادس والسابع، لاهتمامته الواسعة بالجمباز، وألعاب القوة، والكشافة، والخطابة في المناسبات الوطنية، حتى اشتهر بزعامته لمدرسة الخديوي اسماعيل.

وتناول الفيلم التسجيلي أيضًا جزءًا من لقاء مع الدكتور عزيز صدقي، رئيس مجلس الوزراء الأسبق للحديث عن رفيقه الراحل قائلًا: "عبدالمنعم رياض أكتر من أخ، وتزاملنا من الصف الأول الثانوي ولمدة خمس سنوات بناءً على الترتيب الأبجدي لأسمائنا، ثم فرقتنا الجامعة بعد التحاقه بالكلية الحربية والتحاقي بكلية الهندسة، ولم تكن هذه الفترة مجرد صداقة دراسة بل كانت أعمق من هذا، لأنه كان قريبا جدا لقلبي، بالإضافة إلى أنه كان خفيف الظل". واستكمل صدقي حديثه:" على مدى خمس سنوات تشاركنا أمالنا وأحلامنا معًا، وبعد ذلك لم تنقطع صداقتنا حتى توفاه الله".

وكشف الفيلم التسجيلي أن عبدالمنعم رياض كان من واحد من جيل ثورة الطلبة، التي اندلعت في خريف 1935، والتي أفاضت على مصر بجرعة وطنية منبهة، وكان طلائع هذه الثورة هم انفسهم الذين تقدموا بأوراقهم إلى الكلية الحربية، دفعة السادس من أكتوبر عام 1936، وكان من بين الـ 25 طالبًا اللذين تقدموا للكلية عبدالمنعم رياض، البالغ من العمر 17 عاما، وقد تم استثنائه كونه من أبناء الضباط؛ فقد كان سن القبول 18 عاما، وكان منهم "محمد أنور السادات، حسين الشافعي، الفريق محمد صادق، جمال سالم، يوسف السباعي، ثم لحق بهم جمال عبدالناصر في الدفعة التالية".

وقد اختار الملازم عبدالمنعم رياض المدفع سلاحًا، وطائرات العدو هدفًا، وقد وقع اختيار الكابتن "بيكي نيل" رئيس البعثة البريطانية التي جاءت لتنشأ أول تشكيل للمدفعية المضادة للطائرات في الجيش المصري عام 1938م، عبدالمنعم رساض على رأس تشكيل من الضباط المصريين ليدرسوا فرقة خاصة في المدفعية " م ط"، وفي تدريباته المشتركة مع القوات البريطانية، حيث ذاعت شهرته كضابط مجتهد، وسميت فرقته بـ" الطوبجي المصري"، وكانت القيادة البريطانية طوال الحرب العالمية أكثر استعانة بالطوبجي المصري في أليات المدفعية المضادة للطائرات من دون أسلحة الجيش المصري جميعها. كان عبد المنعم رياض محبًا للعلم، طواقًا للمعرفة، وكان يعرف اللغة الإنجليزية لدرجة الإجادة حتى عام 1951م، وفي عام 1952م أجاد الفرنسية على يد مدرسٍ خاص، والألمانية في عام 1953م، أما في عام 1954م انتهي من إجادة اللغة الروسية، وأصبح يطل على معارف الدنيا بأربعة عيون وتضاف إليها عين العربية الخامسة.

في الـ 20 من فبراير عام 1946م، أتم عبدالمنعم رياض بعثته الدراسية في مدرسة من المدفعية في "لارك هيل تاون" على الشاطئ الإطلنطي للجزيرة البريطانية، وعندما عاد إلى أرض الوطن أدخل الهندسة الوصفية على منهج الدراسية في مدرسة المدفعية، كما طلب فتح اعتمادًا خاص لتزويد مكتبة المدرسة بأحدث المراجع الدورية الأجنبية في فنون المدفعية، وفي صيف عام 1946م وفي حشد من حوالي 200 طالب من الرتب الصغيرة والمتوسطة، ألقى اليوزباشي عبدالمنعم رياض محاضرة عن الرادار وأهميته.

لم يكن عبدالمنعم رياض في أي صفًا من صفوف ثوار يوليو، ولم يكن عضوًا في جماعة الضباط الأحرار؛ ومع ذلك فقد كان ثائرًا من نوع خاص، أعطى الثورة كل عقيدته وإخلاصه منذ فجر يومها الأول، وسمعت به القيادة الجديدة كضابط مجتهد في مجاله، كله كفاءة وإخلاص لعمله، فسعت إليه وضمته إلى صفوفها وأصبح من من جنودها الأكفاء.

ما بين سنتي 55، و56 كان لعبدالمنعم رياض دور فني أساسي في صفقة الأسلحة السوفيتية الأولى، وامتد دوره بعد ذلك وتعاظم فيما تلي من صفقات.

وفي عام 1957، وصل عبد المنعم رياض إلى رتبة "أميرلاي"، وكان منشغلًا بسفريته إلى الاتحاد السوفيتي كمشرفًا عامًا على تنفيذ صفقات الأسلحة، وفي 22 فبراير عام 1958، كان ضمن دفعة كبار ضباط القوات المسلحة، اللذين حضروا دورةً دراسيةً عليا في أكاديمية فرونز مدتها 10 أشهر، وقد لقب في الأكاديمية بـ " الجنرال الذهبي" بعد أن أتم دراسته بتفوق وكان الأول على دفعته بتقدير ممتاز.

وكعادته دائمًا فقد ترك عظيم الآثر في كل البلدان التي زارها، وقد مدحه "المارشال أندرية جريتشكو" وزير الدفاع السوفيتي عند عبدالناصر بقوله "إن الجنرال رياض ليس عسكريًا من طراز فقط، إنني لم أصادق في حياتي جنرال غير سوفيتي يجيد اللغة الروسية مثلما يجيدها الجنرال رياض".

وكان اللواء عبدالمنعم رياض كان يعرف أرض سيناء أكثر مما يعرفها أي إعرابي فيها، وكان يبدأ عمله بدراسة مستفيضة في أراضي سيناء، ومن كلماته " أن الرمال تتحرك يومًا بعد يوم، ومدقات الطرق تندثر وتتغير معالمها، ففي مسارح الصحراء كل شئ يتغير مع ومضات الزمن بفعل عوامل التعرية الدائبة النشاط".

في 13 يناير عام 1964م، دعا الرئيس عبدالناصر الملوك والرؤساء العرب إلى أول مؤتمر قمة، وعقد المؤتمر بالقاهرة، وكان من أهم قراراته إنشاء قيادة عربية موحدة بقيادة الفريق أول علي علي عامر، وأن يرأس أركانها عبدالمنعم رياض، وانفتح رياض بأفكاره العسكرية من المحدود إلى اللامحدود، من الاستراتيجية المحلية للجبهة المصرية في مواجهة العدو الإسرائيلي، إلى استراتيجية واسعة تغطي كافة مسارح العمليات في دولة المواجهة الأربع مع إسرائيل، بالإضافة إلى دراسته الميدانية لطرق الاقتراب التي تربط بين دول المواجهة وبين باقية الدول العربية خلفها في العمق المحيط.

وتناول الفيلم لقاءًا مع العقيد متقاعد حسني مكي، السكرتير العسكري للشهيد عبد المنعم رياض، قائلًا:" كان أول لقاء بيني وبين الشهيد رياض، كنت حينها ملحق بالقوات الجوية وكنت سكرتير أول للفريق مدكور أبوالعز، وجاء اللواء عبدالمنعم رياض، وطلب مني الفريق مدكور تجهيز مكتب لـ"عبدالمنعم رياض".

واستكمل مكي:" بعد تواصلي معه لحضوره إلى المكتب وسماع تعليقاته إذا كان يريد إي تعديل في التجهيزات الخاصة بمكتبه، طلب مني فتح الشبابيك قائلا:"مش بحب التكييفات أنا بحب اشتغل في هوا ربنا" وطلب مني أيضًا إزالة السجاد العجمي من الأرض قائلًا: " عايز كليم أسيوطي مش بحب السجاد دا"، وتوالت تعليقاته على طاولة الاجتماعات قائلًا:" شيل ترابيزة الاجتماعات وهاتلي تربيزة 6 قدم زي بتاعت العساكر".

وأضاف مكي:" طلبت منه 24 ساعة، لتغيير المكتب كما يريد، وفي اليوم الثاني عندما دخل المكتب قال لي .. "انت كدا ريحتني". ما بين الـ 13 إلى 17 سبتمبر عام 1965م، انعقد مؤتمر القمة الثالث في الدار البيضاء وكانت من بين قراراته دعم القيادة العربية الموحدة.

ووصل الملك حسين الملك الأردني إلى القاهرة في الـ 30 من مايو عام 1967م، وطلب بنفسه الفريق عبد المنعم رياض قائدا لجبهة الأردن، ووافق جمال عبد الناصر فسافر رياض ووصل إلى عمان صباح الجمعة الثاني من يونيو عام 1967م.

في صباح الخامس من يونيو، وفي ثلاث طلعات متتالية هاجمت الطائرات الأردنية المطار الإسرائيلي وعادت إلى قاعدتها سالمة، بعد أن دمرت أربع طائرات إسرائيلية كانت حاسمة على أرض المطار، وكان هذا من أوامر الفريق عبد المنعم رياض.

وفي ظهر الأربعاء السابع من يونيو، سقطت القدس بعد مقاومة باسلة في ظل ظروف قاسية وأعطى الفريق رياض أخر أمر للقوات الأردنية الباقية، بالانسحاب إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن واتخاذ مواقع دفاعية جديدة. وفي يوم الأحد 11 يونيو عام 1967م، صدر قرار جمهوري بتعينه رئيسًا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، وتم إعلام الفريق رياض بالقرار في عمان، لكنه أرسل إلى القاهرة بطلب مهلة لبضعة أيام كي يعيد ترتيب أوضاع القوات الأردنية ويضع خطة دفاعية شاملة، لحماية الضفة الشرقية، ويوم 20 يونيو لنفس العام، وصل الفريق عبد المنعم رياض إلى القاهرة وتوجه فور وصوله إلى بيت عبدالناصر ليحلف اليمين على مسمع من القائد الأعلى من القوات المسلحة ويتسلم رئاسة الأركان تسلمًا فعليًا، وبدأ الفريق رياض الاستعداد لمرحلة جديدة من حياته وهي المشاركة في إعادة بناء قواتنا المسلحة، والصدع الذي أصاب قواتنا من جراء الهزيمة والاستعداد لحرب تستنزف موارد العدو المالية والبشرية، فعقد مؤتمرًا موسعًا لكل القادة كي يعرض تقديره للموقف، وتصدى لوضع الخطط الحربية التي هي الاختصاص الأصيل من لمدير عمليات رئاسة الأركان، وناقش مع مرؤوسيه كل شيء في الفكرة الاستراتيجية مع التدقيق في التفاصيل، كما اقترح أفكار جديدة بأن تتوسع القوات المسلحة في تجنيد حملة المؤهلات العليا، لأن الجندي المتعلم يستخدم سلاحه استخدامًا فنيًا صحيحًا ولا يستغرق تدريبه أكثر من ربع المدة اللازمة لتجنيد الأخرين، وهذا يخدم استراتيجيتنا في تكوين جيش قوي عالي الكفاءة في أقل وقت ممكن.

أشرف الفريق على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969 موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973. وفي صبيحة اليوم التالي قرر الفريق أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن قرب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترا، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق. ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي عبد المنعم رياض بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش متأثرا بجراحه.

ورغم استشهاد النسر فهذا لم يفت في عضد المصريين، مليون مشارك في جنازة عبد المنعم رياض في مقدمتهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، احتشدوا لوداعه وهم يرددون "بالروح بالدم هنكمل المشوار".    

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز