عاجل
الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
باقي علي افتتاح المتحف الكبير
  • يوم
  • ساعة
  • دقيقة
  • ثانية
البنك الاهلي
"اطمئنوا.. البلد بخير"

"اطمئنوا.. البلد بخير"

في صباح السبت ١٢ فبراير ٢٠١١، بعد ليلة صاخبة، خرج فيها الآلاف للاحتفال بتنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك، وفيها أيضا من لم ينم، وهم كُثر، قلقًا وترقبًا لمصير بلدهم، الذي لم يكن واضحًا مع تعدد الوجوه التي طفت على الساحة وقتها وبدأت تفكر في حصد غنائم ما اعتقدته نضالًا من منصات الميدان، وفي ظل شعور عام يترقب فيه الجميع القادم، بعد إسناد مسؤولية حماية الدولة المصرية للمجلس العسكري لفترة انتقالية في ظرف صعب.



 

في صباح هذا اليوم، كنت قد بُلِغت مع مجموعة من الأصدقاء والزملاء الاعزاء للحضور صباحا بمقر أكاديمية ناصر العسكرية، لاستكمال فعاليات ومحاضرات دورة الإعلاميين والصحفيين، كانت ولاتزال تقدمها الأكاديمية في إطار دورها التوعوي والتدريبي الإعلاميين والصحفيين.

 

 ذهبنا مبكرًا لمقر أكاديمية ناصر، بعد توقف دام أسبوعين للدورة التدريبية بسبب حالة عدم الاستقرار في الشارع المصري وقتها، كانت أجواء الحالة العامة واضحه على وجوه الزملاء،  خليط من مشاعر القلق والحيرة والخوف من مستقبل مجهول مع مشاهد عدم الاستقرار السياسي والأمني، وقتها ذهبنا للأكاديمية، للبحث عن إجابات لتساؤلات حائرة لدى غالبية الزملاء، ومن الصعب الجزم بإجابة أو توضيح لها في هذا التوقيت، تساؤلات يلخصها استفهامين أساسيين: ماذا يحدث.. وماذا بعد؟

 

صحيح أن حالة الصمت والوجوم هي السمة العامة التي سيطرت على وجوه الزملاء الحاضرين في دورة الإعلاميين وقتها، لكن يكفي ما كانت تنطق بها عيونهم قبل ملامح وجوههم.. وهنا التقط المُحاضِر الذي هلّ على الحاضرين لأول مرة تلك الحالة، فلم يجد صعوبة في اكتشاف ما بداخل هذه الأعين الحائرة، ليبدأ محاضرته برسالة بعيدا عن موضوع حديثه، رسالة لا يمكن أن تُنسى، ليس فقط في هذا الظرف الصعب، وانما أبداً مع ذكرى أحداث هذه الأيام، ٢٥ يناير ٢٠١١.

 

كانت طَلِت هذا المحاضر مختلفة، جنرال عسكري صاحب كاريزما، مقاتل وقائد ذو شخصية قوية، تبدو عليه ملامح الخبرة والتمكن العسكري، لديه حِمية الوطني الغيور على بلده، فكان الانطباع من البداية أننا أمام محاضرة مختلفة، رغم أهمية كل ما سبقها.

 

بعد التحية، وقف الجنرال العسكري، ملوحا بقبضة يديه اليمنى، في إشارة للقوة والتمكن، قائلا بصوت حازم وحاسم:" اطمئنوا، البلد بخير.. اطمئنوا، البلد في أمان وفي حمايتنا".

 

شخصيا، لا استطيع أن أنسى تلك الكلمات، لا أستطيع أن أنسى صدى تأثيرها على مشاعري وقتها، لا أستطيع أن أصف القوة التي تحدث بها هذا الجنرال العسكري ليطمئن جميع الحاضرين على بلدهم، هي رسالة موجزة وكافية وحاسمة في توقيت صعب على الجميع.. صاحب هذه الرسالة كان اللواء أركان حرب محمود خلف، أحد أبطال حرب أكتوبر ١٩٧٣، وقائد قوات الحرس الجمهوري الأسبق ومحافظ الأقصر الأسبق، ومستشار أكاديمية ناصر العسكرية.

 

الرسالة التي استهل بها اللواء محمود خلف حديثه، كانت خير تقديم لهذه الشخصية العسكرية المميزة، كانت كفيلة لأن ينصت له الجميع لأكثر من أربع ساعات دون كلل، بل اجتمع المشاركين في هذه الدورة على حاجتهم لأكثر من محاضرة أخرى "للواء خلف".

 

لم تغب كلمات ورسالة اللواء محمود خلف طوال تلك السنوات، بل ارتبطت كثيرا بشخص "اللواء خلف" منذ هذا التاريخ، كان شعور الشغف يلازمني دائما لمتابعة محاضراته وأحديثه الصحفية والإعلامية، خصوصا مع قدرته على التحليل الاستراتيجي البسيط، وتقديره للأحداث والتطورات الإقليمية والدولية.

 

خلال محاضرته، بدورة الإعلاميين، لم يكتفِ اللواء محمود خلف، برسالة الاطمئنان للحاضرين، بل واصل بأسلوبه المميز البسيط والعميق، في استعراض معاني مهمة عن الاستراتيجية، ومفهوم الدولة، وقوى الدولة الشاملة، والأمن القومي المصري وعناصره وأبعاده.. قضايا وملفات جعلتني أشعر بمدى الفخر والتوفيق في الالتحاق بدورة الإعلاميين بأكاديمية ناصر العسكرية في توقيت فاصل بتاريخ الدولة المصرية، يناير ٢٠١١، ذلك أنها ساهمت في اقترابي أكثر لكيف تفكر وتخطط الدولة؟، وفي تشكيل وعي حول أبعاد وقضايا، كانت خير معين في استقراء أحداث وتطورات شهدتها مصر بعين مختلفة.

 

كل هذه الخواطر تذكرتها، مع نبأ رحيل، صاحب أول رسالة طمأنة لي بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، اللواء أركان حرب محمود خلف، في يوم الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣، ذلك المقاتل الوطني، الذي لم يغب يومًا عن ميدان الدفاع عن وطنه وبلده ومؤسساتها الوطنية.. رحم الله، الفارس اللواء محمود خلف، وربط على قلوب محبيه وتلامذته.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز