النوبة ليست حضارة مفقودة
مها بسطاوي عوض
تعرف مملكة علوة أيضا باسم ألوديا، وهي مملكة نوبية قامت في العصور الوسطى، ضمن الممالك النوبية الثلاث، التي قامت بعد سقوط مروي، عاصمة مملكة كوش النوبية، وتقع حاليا جنوب ووسط السودان، وعاصمتها سوبا، وسقطت هذه المملكة على يد تحالف الفونج والعرب، وتم إعلان قيام مملكة سنار الإسلامية على أنقاضها.
كانت مملكة علوة من أغنى الممالك النوبية، بسبب اتساع أراضيها، وخصوبة تربتها، وكثرة أمطارها، وكان لها مبانٍ عظيمة، وكنائس كثيرة، وجيشًا عظيمًا، وكثرت بها مناجم الذهب، وبسبب ذلك سيطرت مملكة علوة على منطقة واسعة من سودان وادي النيل، ومع أنها مملكة شاسعة مترامية الأطراف، بعيدة عن الأراضي المصرية، وعن شرقي السودان، إلا أن العرب كانوا يؤمونها، ويعتقدون أن النيل ينبع من هناك، وأن في جزيرة علوة الفيلة والخرتيت. ولقد ازداد تدفق القبائل العربية في السودان، وكانت أولى محاولات بعض القبائل العربية كربيعة وبني جعد وبني عكرمة هي الاستيلاء على دنقلة عاصمة مملكة المقرة، أما مملكة علوة فلم تهاجمها القبائل العربية طوال الفترة من "القرن الأول الهجري إلى القرن السابع الهجري"، ولكنهم أقاموا في أراضيها، واختلطوا بأهلها، واعتنق أغلب السكان الأصليين الدين الإسلامي، وحدث تزاوج بين العرب الوافدين مع أهل البلاد الأصليين في سوبا، لكن ملوكها تمسكوا بنصرانيتهم.
أما عن استيلاء العرب علي مملكة علوة المسيحية؛ فقد جاء تدريجيًا، لأن مملكة علوة تألفت من عدة ممالك صغيرة خاضعة للملك الكبير في سوبا، وهذه الممالك الصغيرة انتقل سلطانها إلى أبناء القبائل العربية، التي استقرت في جهات متعددة من علوة، وأمام ضغط القبائل العربية اضطر ملك علوة أن ينقل مقر حكمه- في أوائل القرن السابع الهجري- من مدينة "سوبا" إلى مدينة "كوسه" أو "كوشه"، واتخذها عاصمة له، وبذلك فقدت سوبا مركزها القديم كعاصمة لمملكة علوة وبدأت تضمحل تدريجيًا، واجتمع العرب تحت مظلة شيخ قبيلة القواسمة الشيخ عبد الله جماع- خاصة شعبة العبدلاب- الذي علم بتدهور مملكة علوة، وزعيم الفنج عمارة دُنقس، وكونوا جيشًا موحدًا لإقامة حكم عربي إسلامي عرف في تاريخ السودان الوسيط باسم "الحلف السناري"، وانطلق الجيش نحو سوبا عاصمة مملكة علوة، ودخلوا في معركة مع جيش النوبة، انتهت بالقضاء عليهم، وإنهاء مملكة علوة النوبية، وخراب عاصمتها، وعرفت هذه المعركة محليًا بـ"خراب سوبا"، وبعد ذلك تولى عمارة دُنقس المُلك، وأصبح عبد الله جماع وزيره. وكان هناك اتفاق على أن يكون المُلك في عمارة وأبنائه، وأن تصبح الوزارة في يد الشيخ عبد الله جماع وذريته، وأقام عمارة في عاصمته سنار التي أصبحت مقر حكمه ومارس سلطانه من هناك.
ومما سبق يتضح أن الحلف بين العبدلاب والفنج هو السبب المباشر لسقوط مملكة علوة أو ألوديا النوبية.
تلك حلقة من حلقات تاريخ النوبة المنسي، عن مملكة من أهم الممالك، وفي الحلقات الأخرى سوف نتحدث عن تاريخ مملكة أخرى من ممالك النوبة.
- باحثة في تاريخ النوبة
جوجل نيوز
