عاجل
الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
إهدار دماء.. طبيب!

الهجرة غرام.. أم انتقام 9

إهدار دماء.. طبيب!

بعد أن أخذني هشام العيسوي على حين غفلة في زيارتي الأولى لعيادته واستسلمت ليد الجراح وأزال حسب رغبته، ونصيحته "الحسنة أو الخال" من على أنفي، وقتها كان هشام قد بدأ التبحر في دراسة وعلاج مرض السرطان القاتل من خلال أساليب غير تقليدية. وكان أول طبيب أسنان في إنجلترا يقوم بحملة واسعة ضد حشو الأسنان بالزئبق لما فيه من ضرر على صحة الإنسان.



في مكتبه جلسنا نتبادل القصص والحكاوى، وما فاتنا عبر سنوات مضت، الجلسة مختلفة فالعيسوي الآن من المشاهير في مهنته، لم يعد الشاب المبتدئ الزائر الدائم لروزاليوسف، المبهور بكتابها وصحفييها، وبعد أن أصبح صديقًا للكثير من الرموز السياسية والفنية، كان لا بد من الاستماع لحكاويه عنهم، وبالطبع كان لا بد من العُروج اولًا على النجمة سعاد حسني بصفتها مريضة، وصديقة مقربة له ولزوجته وابنائه، ولقد قام بعلاج أسنانها بالكامل، وعلاج اللثة وعمل ترقيع عظام وعدة عمليات وخلع كل الأسنان وتم تخييرها بين تركيب طقم كامل أو عمل زرع للأسنان ففضلت الزرع، وتم زرع عدد (22) سنة وقام الدكتور المصري عصام عبد الصمد بتخديرها في كل هذه العمليات. وقد أنهى عملـه معهـا قبل وفاتها بأسبوعين ولم يتبق غير أشـياء بسيطة. (ولم يتقاضيا أجرًا منها). كان الحديث عن سعاد حسني يحمل الكثير من الشجون. فهي إنسانة ظلمت في نهاية حياتها. وأتذكر أنني كنت في مؤتمر في القاهرة، وفوجئت بأن أحد الأساتذة يسألني عنها، وحذرني من التعامل معها، وزعم أنها مدمنة مخدرات. وعندما عدت إلى لندن حضرت شقيقة صلاح جاهين إلى عيادتي في لندن ومعها صديقة لها، وعندما قدمتها إليّ قائلة إنها سعاد حسني، دُهشت، إذ تغيّر شكلها تمامًا إلى درجة أنني لم أتعرف إليها. عندما وقعت الكشف عليها، لم أرَ دلالات على تناولها المخدرات، كانت سيدة خجولة جدًا، ومؤمنة جدًا. 

 

كأن أيضا الدكتور عبد القادر حاتم وزير الثقافة والإعلام المصري، أقربهم إلى قلبه وأكثر الشخصيات التي كان يعتز بها، روى له د. عبد القادر حاتم أنه دخل ذات مرة على الرئيس جمال عبد الناصر، فوجده مهمومًا، لأن الدودة أكلت القطن، المصدر الوحيد للدخل في مصر. رد عليه حاتم: "لا تقلق يا ريس، أنا كنت أجلس مع المستشار الألماني، وسألته: ماذا تفعل لو كنت مكاننا؟ فرد: أبيع شمس". ففهم منه ضرورة أن تنوع مصر مصادر دخلها، وأن تستغل ما لديها من جمال الطبيعة وكنوز أثرية في جذب السياحة. 

                                       أما الشيخ محمد متولي الشعراوي فكان من مرضاه، وأصبحا اصدقاء بعد اختلاف في الرأي وجدال حول قضية "الربا" وترجما معاني القرآن الكريم بالكامل إلى اللغة الإنجليزية.

                                             في الحقيقة احترت كثيرًا في تقييمي لشخصية الدكتور هشام العيسوي بعد عشر سنوات افترقنا فيها، بعد خلافات عائلية عادية بالمنزل، طموحات في مجالات مختلفة، انفعالي، كثير الجدل، يختلف كثيرًا مع الآخرين، شخص متمركز حول ذاته، وقد يفقد هدوءه، لم يعد العيسوي المرآة التي تعكس ما يجرى داخل المجتمع كقصَاص يلتزم الصدق في التعبير الحي والرسم الدقيق للمجتمع الشرقي في قصصه، استغربت دخوله العمل الديني، والمشاركة في خلافات فكرية عقائدية في مرحلة حرجة من تاريخ الدعوي ووحدة العمل الإسلامي، وانقسام الجماعة الواحدة وتشرذمها لأهواء وآراء سياسية.. 

حسم حيرتي ما رواه لي العيسوي.  

 

حدثني عن اختراقه مجال العمل الإسلامي في بريطانيا بعد أن عاش في بريطانيا عشرات السنين، يعمل ساعات طويلة، لا يعرف سوى عيادته ومنزله. في عام 1979، سافر إلى السعودية لأداء العمرة التي أطلق عليها اسم "عمرة الشكر". وبينما كان ينهي إجراءات الدخول إلى السعودية، سمع شيخًا سوريًا يقول حديثًا قدسيًا، لم يسمعه من قبل، وهو "من شغله ذكرى عن شكري، أعطيته أكثر مما يسألني"، انهمرت دموعه، وناجى ربه، قائلًا: "جئتك لأشكرك، فتعطيني أكثر مما لو سألت، لكن ليست لي حاجة في الدنيا، كل ما أريده أن أفهم كتابك، لأنني كلما قرأت التفاسير أجد أمورًا عجيبة، وبعض المشايخ يكفرونني، فيسّر لي أن أتعلم ديني". 

 

وفي العام التالي لأداء العمرة، كان يجلس مع مشايخ في لندن يقرأون القرآن، فسألهم عن تفسير سورة الفاتحة، لكنّ أحدًا منهم لم يجب بتعمّق، فقال: "الله الله يا مشايخ، أنتم شكلكم مش فاهمين زيي، فقالوا: فعلًا كده، نحن نحاول الاجتهاد". هنا بدأت رحل البحث والتدبر في القرآن الكريم، خصوصًا الفاتحة، ووضع كتابًا فيها باسم "القوة الخفية في سورة الفاتحة" باللغة الإنكليزية، استغرق العمل فيه 37 عامًا، كان خلالها يدرس ويفكر ويبحث.  

 

 

كان صديقا للكاتب الإيراني الأصل سلمان رشدي تسبب إصدار المرشد الإيراني آية الله الخميني فتوى بإهدار دم سلمان رشدي، في معاداة المثقفين الغربيين للإسلام، وأثرت بشكل سيئ جدًا في صورة الإسلام. وعلى الرغم من اختلافه الشديد معه في ذلك الوقت، فإنه دافع عنه، وقال إن الإسلام لا يهدر دماء أحد. وسعى بقدر الإمكان إلى إيضاح صورة الإسلام من فتاوى إهدار الدم والتكفير، لكنه فوجئ بهؤلاء يصدرون فتاوى تكفّره شخصيًا، وأفتى المرشد على خامئني بأنه ليس مسلمًا، وبالتالي فقد أهدر دمه أيضا. لكتابته مقالة مطولة في "تايمز" البريطانية، بدأ بقول الرسول محمد: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". هاجم نظام الملالى بقوة في تلك المقالة، وقلت إنهم لا يعرفون الإسلام الصحيح، أي الدين المتسامح، وإن الرسول لم يهدر دماء مسلم من قبل بسبب مقالة، وإن الإسلام يقول من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وإن رحمة الله وسعت كل شيء. 

 

بعدها أجرى العيسوي حديثًا مع صحيفة "إندبندنت" البريطانية، قال فيه إنه على استعداد للذهاب إلى إيران، وإلقاء محاضرة في جامعة طهران، ليؤكد فيها أن فتوى الخميني بإهدار دم رشدي تخالف الإسلام، وأنها فتوى خاطئة.

 

بعدها بأسبوع فوجئ العيسوي بصحيفة "كيهان" الإيرانية الرسمية، تصدر بمقال على نصف صفحة تحت عنوان "المشنقة في انتظار العيسوي". كان محمد عروق، وهو إذاعي مصري ضمن أعضاء الجمعية، وبينما كان يجلس مع شيخ آخر ذات مرة يتدارسان كيفية الرد، أجرى أحد أعضاء الجمعية اتصالًا هاتفيًا بعلي رفسنجاني رئيس وزراء إيران في ذلك الوقت، وتحدث معه حول الأزمة وموقف طهران منه، وفي الأسبوع التالي صدرت صحيفة "كيهان" بمقالة في نصف صفحة عنوانها "إيران في انتظار العيسوي، وترضى به حكمًا بين طهران ولندن".

 

مر أسبوع آخر، وفوجئ العيسوي باتصال من مدير إدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، يخبره بما ورد في "كيهان". قال له: "من أنا حتى أكون وسيطًا بينكم وبين إيران؟ دعاه إلى مكتبه لتدبير الزيارة، وقال إنهم سلكوا كل السبل للتهدئة مع إيران، وفشلت جميعها، ودعاه إلى السير في الوساطة. يومها وعده العيسوي بأنه سيكتب خطابًا إلى رفسنجاني من أجل حل أزمة إهدار دم رشدي، قال في الخطاب إن إيران حضارة عريقة، ولا يمكن أن يهزّها كتاب أو كاتب، وما تفعله طهران يسيء إلى الإسلام. طالبًا منه عدم قتل رشدي، والإعلان عن أن الحكومة الإيرانية ستحاكم أي شخص يقدم على مثل هذا الفعل، ولقي هذا الاقتراح قبولًا من الدولتين، وتم تفادي الأزمة.

 

                                             حكاية العيسوي مع إيران ونشاطه الديني لم يحكِها لي وحدي بل أدلى بها في أكثر من حوار صحفي ولقاءات إذاعية وتليفزيونية، وكيف أنه استطاع تكوين لوبي مصري إسلامي في أوروبا للدفاع عن الإسلام وتصحيح صورته المغلوطة لدى الغرب، من خلال تأسيس جمعيته "التسامح الديني". 

 

                                       فجأة تحول مسار العيسوي بعد سنوات طويلة في العاصمة البريطانية، إن السبب هو ابنته الراحلة يسرا، المصورة الفوتوغرافية للمغنية الأميركية بيونسيه، وقال إن ابنته "يسرا" تعرضت للإصابة بمرض السرطان، مشيرًا إلى أنها عانت كثيرًا من المرض، واستغرقت فترة تقاومه، إلا أنه انتصر عليها في النهاية وقتلها. ترك لندن وانتقل إلى مدينة سفاجا على ساحل البحر الأحمر بمصر، وبعد أن اشتغل طوال نصف قرن من الزمان في مجال طب الأسنان، تحول إلى دراسة وعلاج مرض السرطان القاتل من خلال أساليب غير تقليدية، حيث اقام مركز يسرا العيسوي لعلاج السرطان، لا سيما أن العلاج الكيميائي يعد أحد الأسباب الرئيسة في قتل المرضى، مؤكدًا أن العلاج الكيميائي علميًا هو أحد أسباب انتشار المرض في الجسم، وليس محاصرته والقضاء عليه. واعتمد العلاج بجهاز لتفتيت السرطان، وكشف العديد من البحوث الطبية أن العلاج الكيميائي يمكن أن يتسبب في انتشار المرض، ويسهم في جعله أكثر شراسة، ومنها على سبيل المثال دراسة توصل إليها العلماء في كلية ألبرت أينشتاين للطب في نيويورك، وتأكدوا فيها أن العلاج الكيميائي، بينما يعمل على تقليص الأورام، فإنه يفتح الباب أمام انتشارها في الدم والجهاز الدوري ومناطق أخرى من الجسم، ما يصعب معه العلاج، ويسرع في القضاء على المريض.

 

 

اعتمد العيسوي في علاجه لمداواة مرضى السرطان على جهاز اخترعه أستاذه طبيب الأسنان الألماني راينهولد فول، جهاز "الذبذبات الحيوية"، ويعمل على رصد حركة الخلايا السرطانية، ويقيس قوة الذبذبات التي تصدرها كل خلية، ويعمل على إصدار ذبذبات تمثل أضعافها، ما يؤدي إلى قتلها وتفتيتها نهائيًا، وخروجها ضمن فضلات المريض.

 

يستطيع الجهاز التعامل مع جميع الأورام السرطانية في الجسم، والتصدي لها وقتلها، يرصد ويتعامل مع نحو 40 ألف نوع من الفيروسات والبكتيريا في جسم الإنسان. هذا الجهاز يقوم بعمل سحري، لذلك تعرّض مخترعه لحرب شديدة من مافيا شركات الأدوية الدولية. لكن هناك مراكز طبية في الخارج تستخدمه، نظرًا إلى أنه قليل التكلفة مقارنة بالعلاج الكيميائي، فضلًا على أن نتائجه مضمونة، وليست له آثار جانبية، إضافة إلى أن فترة العلاج قصيرة جدًا، إذا لا تزيد على ثلاثة أسابيع. وجميع الحالات التي خضعت للعلاج به في مصر شفيت من السرطان تمامًا، ولم يعد إليها المرض مرة أخرى.

 

 

فجأة ومنذ خمس سنوات عاد لمصر ليموت على أرضها في هدوء، وتنتهي رحلة طبيب مصري، كرس حياته من أجل العلم، والبحث في دينه، ومحاربة التعصب الديني، فقدته كما فقده الكثيرون من مرضاه، ومحبيه ومريديه، في لندن، ليكمل المسيرة جيل آخر من المصريين في العاصمة البريطانية.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز