عاجل
الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محرر عسكري على خط النار (١)

محرر عسكري على خط النار (١)

أنهيت دراستي الجامعية في كلية الآداب جامعة القاهرة، قسم الصحافة عام ١٩٧٢، ثم التحقت بالقوات المسلحة لتأدية الخدمة العسكرية، وكانت التعليمات في ذلك الوقت أن حملة المؤهلات العليا يتم دفعهم بعد تدريبهم فور تخرجهم إلى التشكيلات الأمامية من جبهة القتال، وبالفعل بعد انتهاء تدريبنا ٤٥ يومًا في مركز تدريب المشاه بصحراء المعادي، حضر مندوبون عسكريون في شهر نوفمبر ١٩٧٢ ليتسلم كل منهم دفعة، وليصطحبهم بالقطار الحربي من كوبري الليمون بميدان رمسيس بعد منتصف الليل في اتجاه الجبهة، وكان القطار يتوقف عند نقاط معينة وتنزل كل مجموعة مع مندوبها، وكنت ضمن مجموعة تضم ثلاثين مجندًا من كليات مختلفة.



 

وصلنا إلى محطة جنيفة بعد مدينة السويس في قطاع الجيش الثالث الميداني، ونزلنا من القطار وكل منا يحمل مهماته (المخلة) على ظهره، سرنا في ظلام الليل الدامس وبرودة الطقس خلف المندوب لعدة كيلومترات حتى وصلنا إلى خندق أخبرنا المندوب أنه مسجد سنقضى فيه ما تبقى من الليل، وفي الصباح كانت المفاجأة أننا في اللواء الخامس بالفرقة ١٩ بالجيش الثالث الميداني، وعلى مرمى البصر الممر المائي لقناة السويس، وعلى الضفة الشرقية يرتفع العلم الإسرائيلي، بكينا جميعا لهذا المشهد المهين، شعرنا بأننا كنا طلاباً فى الجامعة لا ندرك خطورة الوضع على الجبهة، وكنا قد قمنا فى يناير 73 بمظاهرات ضد الرئيس السادات؛ لأنه أعلن أن هذا العام سيكون عام الحسم وأننا سنحارب إسرائيل ونحرر سيناء ثم تراجع، وقال إن هناك ضباباً في العلاقات الدولية، ولذلك انطلقت المظاهرات تحت شعار شارع الضباب.

 

 

 

الآن.. نحن على خط المواجهة مع إسرائيل، استقبلنا قائد اللواء مرحباً، ثم قال إن اللواء الخامس بالجيش المصري تعرفه إسرائيل بأنه اللواء الأحمر، لأنه أبلى بلاء حسنا في جميع المعارك التي خاضها، ونحن الآن نستعد للثأر مما جري عام ٦٧، مضيفاً: تشاهدون أمامكم قناة السويس وأرض سيناء الحبيبة، وسنضحي بدمائنا من أجل تحريرها.

تم توزيع المجموعة علي الكتائب الثلاث على شط القناة، ولما كنت الوحيد خريج قسم الصحافة استبقائي قائد اللواء مقاتل وعنصر توجيه معنوي بمقر قيادة اللواء، ثم تسلم كل منا سلاحه الآلي والذخيرة والقناع الواقي والمهمات القتالية، وتعانقنا نودع بعضنا، وكل ينطلق إلى موقعه وهو لا يدري إن كنا سنلتقي مجدداً أم لا.

الحياة على امتداد جبهة قناة السويس كانت صعبة جداً، حيث يتمركز الجيشان الثالث بقطاع قناة السويس، والثاني بقطاع الإسماعيلية، ويقيم القادة والضباط والجنود في خنادق تحت الأرض، أطلق عليها الجنود اسم قفص القرود، وهى التي شهدت إقامة عدد كبير من الجنود منذ عام ٦٧، وكانت الطائرات والمدفعية الإسرائيلية لا تتردد في قصفها بين الحين والآخر، حتى قبل الرئيس جمال عبدالناصر عام ٦٩ مبادرة وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز بوقف إطلاق النار.

كانت المبادرة فرصة لبناء حائط الصواريخ لمواجهة الطائرات الإسرائيلية وتأمين تحركات الأفراد وتنقلاتهم، ورغم صعوبة الحياة في ظل تلك الظروف فإن العزيمة والإصرار والاستعداد للتضحية كانت هي السائدة والمسيطرة على الجميع، الكل ينتظر لحظة العبور إلى الضفة الشرقية للقناة لتحرير سيناء مهما كان الثمن.

وستظل مراكز الدراسات العسكرية الاستراتيجية العالمية تدرس هذه الحرب والدروس المستفادة منها، وتغير في نظرياتها واستراتيجياتها على ضوء ما تحقق في هذه الحرب، وعملية الخداع الكبري التي نفذتها مصر باقتدار جعلها تحقق المفاجأة التي تعتبر أحد العناصر المهمة لتحقيق النصر في الحرب الحديثة.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز