عاجل
الخميس 28 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
مصر اولا.. فلسفة وطنية وليست مجرد زيارة..  كرامة «المواطنة» ومكانتها.. فى 7 يناير!

مصر اولا.. فلسفة وطنية وليست مجرد زيارة.. كرامة «المواطنة» ومكانتها.. فى 7 يناير!

زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للكاتدرائية أثناء القداس للتهنئة بعيد الميلاد.. أصبحت بمثابة تقليد رئاسى ليس فقط لتعامل الدولة مع مواطنيها المسيحيين المصريين، ولكنها أصبحت تمثل قاعدة يتبعها المحافظون فى محافظاتهم، كما تمثل أيضًا فلسفة وطنية.. لا يمكن التراجع عنها، أو عدم القيام بها.. فهى ليست مجرد زيارة لأداء واجب التهنئة.. بقدر ما هى تعبير عن مسؤولية الدولة الإنسانية والحقوقية فى التعامل مع أبنائها.



نشاز غير وطني

نحتفل هذا الأسبوع ببداية سنة جديدة وبعيد الميلاد المجيد باعتباره عيدًا قوميًا للمواطنين المصريين جميعًا. قطعًا، نجد بعض الأصوات النشاز التي دائمًا ما تقرر أن تخرج عن السياق المصري الطبيعى سواء برفض الاحتفال برأس السنة الجديدة، وتعتبره تقليدًا بالمارقين فى الغرب وتشبهًا بهم، أو من يربط بينه وبين احتفالات ميلاد السيد المسيح. وفى كل الأحوال مرفوض الاحتفال بهما، وربما الاعتراف بهما أيضًا. ربما لا تعنى رأس السنة الجديدة شيئًا عند البعض، ويراها مظاهر غربية تمامًا.. تمهيدًا لرفض الاحتفال بعيد الميلاد، وإقرار شرعية عدم تهنئة أتباعه به. رغم أن مظاهر الفرح والسعادة بالعيد هى رد فعل إنسانى بالدرجة الأولى، وليس له علاقة بالإيمان بهذا الدين أو ذاك.

التزام وطني

حاول البعض اختزال زيارة التهنئة فى مربعات سياسية ضيقة سواء انتخابية أو سياسية أو طائفية. ولكن استمرارية تكرار الموقف بالتزامن مع الانتهاء من بعض المشكلات التي كانت على رأس الأزمات الطائفية مثل قضية بناء الكنائس.. أكد على التوجهات الوطنية الحقيقية لدولة 30 يونيو التي أعادت للمواطنة المصرية كرامتها ومكانتها بشكل عملى.

وكما كتبت كثيرًا، لم يردد الرئيس عبدالفتاح السيسي كلمة «المواطنة» فى كلمات خطابه السياسى.. سوى مرات قليلة جدًا، ولكنه رغم ذلك استعادها وفعلها بعد أن تحولت إلى مجرد كلمة دون تأثير أو تفعيل حقيقى. 

قبل أحداث 25 يناير 2011، نجحت الدولة المصرية فى أن تضع مصطلح «المواطنة» على أجندة الحياة السياسية المصرية من خلال إقراره فى التعديلات الدستورية التي تمت فى شهر إبريل سنة 2007، وبالتبعية تم تداوله ثقافيًا وإعلاميًا. وتواكب مع ذلك قيام الحكومة المصرية بإصدار عدد من القرارات والإجراءات التي تؤكد استهدافها الترسيخ التدريجى لمنظومة المواطنة. وذلك على غرار: الاحتفال بعيد 7 يناير كعيد قومى وعطلة رسمية لجميع المواطنين المصريين. وتعيين محافظ مسيحى مصري (اللواء مجدى أيوب فى قنا حينذاك). وإذاعة قداس العيد على الهواء مباشرة، وزيادة مشاركة التمثيل الرسمي فى تهنئة المواطنين المسيحيين المصريين بأعيادهم الدينية. 

كما أذكر أيضًا، أن الحكومة المصرية قد قامت بتعديل موعد إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية إلى شهر إبريل 2007.. حيث كان الموعد الأول المحدد له قد تزامن مع (أسبوع الآلام) الذي يسبق عيد القيامة حينها، وهو أسبوع صلوات له معنى روحى خاص لدى جميع المواطنين المسيحيين المصريين من خلال الحرص على حضوره فى الكنائس. وهو ما سوف يترتب عليه تأثير كبير فى مدى مشاركتهم فى الاستفتاء للتصويت على التعديلات الدستورية. وربما يكون ما سبق.. من أهم الأمثلة التي تمت للتأكيد على حرص الدولة على المشاركة السياسية لجميع المواطنين المصريين.

المواطنة الحقيقية

رغم كل ما سبق، لم يتم تفعيل منظومة المواطنة على أرض الواقع عمليًا. وتحولت كما كتبت قبل ذلك إلى كلمة دون تأثير أو تفعيل حقيقى. وزاد من فجوة تطبيقها عمليًا.. ما حدث بين أحداث 25 يناير 2011 وإلى ثورة 30 يونيو من انتهاكات وتجاوزات.. قضت تمامًا على أى أمل فى تحقيق المواطنة المصرية.

جاءت ثورة 30 يونيو التي استرجعت منظومة المواطنة، وفعلتها على جميع المستويات خاصة فيما يتعلق بالمواطنين المسيحيين المصريين، والمرأة المصرية، والأشخاص ذوى الإعاقة. وكانت بداية وضوح موقف الرئيس عبدالفتاح السيسي فى زيارته للفتاة التي تم التحرش بها بميدان التحرير، ثم ذهابه بعد ذلك للكاتدرائية المرقسية بالعباسية للتهنئة بعيد الميلاد فى 6 يناير 2015، والتي أعقبها إعلانه ببناء كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية، وزيارته السنوية لها فى 6 يناير من كل عام.

رد فعل المواطنين المسيحيين المصريين بالفرحة والهتاف والزغاريد هو رد الفعل الشعبى المصري الطبيعى للتعبير عن الفرح والسعادة.. خاصة أنه مشهد استثنائى لم يحدث من قبل. وهو المشهد الذي نراه فى الحفلات الغنائية والزواج والنجاح وأعياد الميلاد، ونراه فى الصعيد مثلما نراه فى القاهرة.. فهى صورة ذهنية مألوفة فى المجتمع المصري.

فى تقديرى، أن أهم إنجازات دولة 30 يونيو أنها قدمت نموذجًا عمليًا لتحقيق منظومة المواطنة التي تسعى مصر للوصول إليها، وترسيخ قواعدها وآلياتها كنموذج للدولة المدنية الحديثة. تلك الدولة التي تعلى من قيمة العقل.. بعيدًا عن الهواجس الدينية فى السيطرة على الحياة اليومية للمجتمع مثلما حدث بشكل موجه قبل ثورة 30 يونيو.. عندما حاولت الفاشية الدينية أن تربط وطنية المواطن (المسيحى والمسلم) المصري فى كل ما يتعلق من مواقف عامة وخاصة بكيان المؤسسة الدينية.

استعادة دولة 30 يونيو لكرامة المواطنة ومكانتها.. أكدت أن الدولة هى المسؤولة الأولى عن وطنية المواطن، وليست المؤسسة الدينية (المسيحية والإسلامية) ولا رجال الدين ولا أى جماعات هنا أو هناك. كما أكدت دولة 30 يونيو على أن قيمة الانتماء لهذا الوطن هى المعيار الأساسى.. لأن مصر أولًا.. هو شعار وطني، يؤكد على كون مصر قبل الأديان، وبعدها.. هى مصر الوطن. وليست مصر المسيحية أو الإسلامية.

قيم المواطنة

رسخت دولة 30 يونيو التسامح الحقيقى الذي هو أساس التزام جميع المواطنين واقتناعهم بالسماح لبعضهم بممارسة مختلف عباداتهم الدينية باعتبارها حقًا خالصًا لهم.. وليس تفضلًا عليهم من أحد. وهو ما يسهم أن يسود بين الجميع العدل ومجموعة القيم المرتبطة بالتسامح، ومنها: الاحترام والصدق والسلام والتعاون والأمانة.

إن دولة المواطنة هى التي تفرض القانون باعتباره جسر العبور من المعنى البسيط للإنسان إلى المعنى الأهم الذي تتجسد فيه كل معانى الوطنية والانتماء والولاء. وبالطبع، ليس من قبيل المصادفة أن الدول التي ترتكب أعمالًا مخلة بمنظومة حقوق الإنسان هى نفسها الدول التي دائمًا تتخلى عن طبيعتها كدولة.. إما بتصعيد ممارساتها التعسفية  والاستبدادية  وخرقها للقانون خاصة خارج حدودها من جانب، أو من خلال استخدام البعض من الجماعات المتطرفة والأصولية لقنوات الدولة للسيطرة والهيمنة من جانب آخر. وهو ما ينتج عنه دولة الفوضى.. غير الخلاقة بالطبع. تلك الدولة التي تقف على النقيض من دولة المواطنة.

 

أقلية أم أغلبية فى الوطن

فى النصف الأول من تسعينيات القرن الماضى، تسلل إلى الحياة السياسية المصرية مفهوم الأقلية والأغلبية. واستمر النقاش عنها وحولها حتى ثورة 30 يونيو التي أنهت تمامًا هذه الفرضية، بل وطرحت قيمة المساواة فى المواطنة قبل أن تحسم قضية القيمة الأخرى أى المشاركة. وهكذا تكون المساواة فى الحقوق السياسية. ولقد رأينا نموذجًا لهذه المساواة فى تعميم حالة الذمة على المصريين جميعًا. ونتيجة لمحاولات التوفيق بين المتناقضات، وإذ يُستبدل بفكرة الذمة سيادة الدستور، فإنه يحتفظ بالنتيجة العملية التي تؤدى إليها فكرة الذمة وذلك حين يقول: (إن مبدأ المساواة فى الحقوق المدنية والسياسية، المادى فيها والمعنوى، لا ينفي المبدأ المعمول به فى الدنيا كلها من أن يكون حق الإدارة للأغلبية وتظل حقوق الأقلية مصانة ومحفوظة). وهنا، نجد أن مصطلح الأغلبية أو الأقلية مشروط بأن يكون لهما مضمون سياسى يسمح بإمكانية تحول الواحد منهما إلى الآخر. أى بإمكانية تداول السلطة. وهو ما يكون محظورًا فى حالة التعددية الدينية التي تحول دون الخروج من الأغلبية والانتقال إلى الأقلية. 

إن مفهوم «المواطنة» لا يستقيم مع الحديث عن الأقلية والأغلبية، بل يستقيم مع المساواة التامة وعدم التخصيص والتمييز. وبالتالى، فإن تصدير الحديث عن الأقلية والأغلبية بهذا الشكل يتجاهل العديد من الأفكار المهمة التي ترسخ الطائفية بأشكال متعددة، وعلى سبيل المثال: مشكلة المحسوبية وعدم المساواة وازدراء الأديان.. لكى لا يصطدم الواقع بممارساته اليومية، بل ويتناقض مع النصوص الدستورية.

نقطة ومن أول السطر

 

تحقيق منظومة المواطنة ليس مجرد نص دستوري، ولكنها تطبيق إنسانى ضمن إنجازات ثورة 30 يونيو.  

 

نقلاً من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز