عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مشروع قومى يكتمل (1)

البشر والحجر والقوة.. فى نسق حضارى أول من نوعه

مشروع قومى يكتمل (1)

فى «مقدمة ابن خلدون» أن الحضارة أساسها العمران.



 

والعمران عملية شديدة التعقيد لا تقوم إلا بالاستقرار.

 

بدوره هو الآخر، فإن الاستقرار عملية شديدة التعقيد فى عوالم العصر، وفي الدول الحديثة حيث التشابك فى أطوار النمو، مع تقلبات السياسة، ومع مطالب المجتمعات وأفرادها واحتياجاتهم المستمرة والمتجددة.

 

فى المجتمعات القديمة كانت محددات التنمية بسيطة، لما تعاظمت المجتمعات وانتقلت إلى شكل الدول الحديثة، تعقدت محددات التنمية وظهرت أهمية المشروع القومى أو المشروع الوطني.

 

عام 2014 بدأ عبدالفتاح السيسي مشروعًا قوميًا غير مسبوق كان الأساس فيه النقل الحضارى للدولة.

 

لم تدخل مصر عصر المشروعات القومية إلا قليلًا.

 

صحيح بدأ محمد على مشروعًا قوميًا كانت له نتائجه على قطاعات عدة، وغيّر شكل الخريطة المصرية على عدة مستويات، لكن يظل المشروع القومى لمحمد على باشا مشوبًا بعدة ملاحظات، ربما أولها أنه لا يمكن اعتبار ذلك المشروع «وطنيًا» بالمعنى الحرفى أو العملى، إذ إن محمد على ما زال يدرس فى كتب التاريخ على أنه «وافد» تولى مسؤولية مصر فى إطار سلسلة طويلة من «الأجانب» الذين انتقلت بهم مراحل التاريخ وصولًا إلى ثورة يوليو 1952.

 

كان مشروع محمد على نهضويًا هذا صحيح، وكان مشروعًا تنمويًا حاول استغلال كثير من مميزات الجغرافيا لهذه البقعة الفريدة على خريطة العالم.. هذا صحيح.

 

لكن الصحيح أيضًا، غير أن المشروع لم يكن «وطنيًا»، فإنه اتسم فى الوقت نفسه بالمشروع التوسعى العسكرى خارج حدود البلاد، مما أدخل الدولة المصرية وجيش الدولة المصرية فى مخاطر عدة خارج الحدود، انتهى بسقوط إمبراطورية كبرى، وارتد هذا السقوط للداخل، وسط ما يمكن أن نقول إنه أدى بنزاع مستتر ثم تدخل من الدول الكبرى فى القرار المصري بأوجه مختلفة وفى مراحل تاريخية معروفة.

 

ربما كان الزمن وقتها زمن الطموحات التوسعية، وربما كان العصر وقتها عصر إطالة الأيدى إلى خارج الأرض وبسط النفوذ والهيمنة العسكرية قدر الإمكان على قدر نقاط القدرة على الوصول على الخرائط.

 

لكن فى معادلات السياسة تظل العبرة بالنتائج، وتظل النهايات بما وصلت إليه المعادلات من مخرجات.

 

(2)

دخلت مصر عصر المشروعات القومية الوطنية لأول مرة فى تاريخها على يد جمال عبدالناصر، بعد ثورة يوليو 1952، فى جمهورية أولى انتهت مراحلها بكل ما لها وما عليها بوصول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى الحكم فى 2012، كانت جماعة الإخوان هى خصم ثورة يوليو التقليدى.

 

مرت تلك الجماعة بمحطات شديدة التأثير بداية من خمسينيات القرن الماضى فى العلاقة بثورة وطنية، انتهت بصدام 1954 ثم 1965، لم يكن لهذا الصدام إلا أن يسفر عن قطيعة كبرى بين الدولة وما يسمى بتيار الإسلام السياسى الذي امتد إلى السطح مرة أخرى بأكثر من طريقة ولأكثر من سبب فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

 

رسم جمال عبدالناصر مشروعه القومى على أساس تغيرات عصره ووفق محددات ومعادلات حساسة فى وقته. كان المشروع متكاملًا بامتياز، كانت العبرة فيه لسطوة الدولة وقوتها، لكنه - وللإنصاف - على الناحية الأخرى، أو من ناحية أخرى أدى فى قطاعات مختلفة إلى نقاط من الضعف.. الذي نتج عن عدم الاستشراف الاستراتيجى للمستقبل فى عدة ملفات.

 

مثلًا لم يكن هناك إلا كل النوايا الطيبة فيما يتعلق بقوانين الإصلاح الزراعي، وما ترتب عليها من أوضاع بالنسبة لفئات كثيرة من فئات الفلاحين.

 

لكن لا يمكن، مع اعتبار النوايا السليمة، عدم الالتفات إلى ما أدت إليه قوانين التأميم، ثم الإصلاح الزراعي من تفتيت للملكيات الزراعية، ترتب عليها بالزمن تلاشٍ لفكرة المحاصيل الكبرى، ثم تغيير فى نسبة الأراضى الزراعية، انتهت - مع الزمن أيضًا - إلى تغول العمران، وفقدان مصر لنسبة هى الأكبر من ثروتها الزراعية قبل عام 2014.

 

فقدت مصر من بداية حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وصولًا إلى ما بعد أحداث يناير 2011، دخولًا إلى مرحلة حكم جماعة الإخوان الإرهابية ما يزيد على 60 ٪ فى بعض التقديرات، مما كانت عليه المساحة المزروعة على خريطتها قبل ثورة يوليو.

 

فى مشروع عبدالفتاح السيسي القومى، كانت استعادة الرقعة الزراعية والإضافة إليها أولويات.

 

الأمن الغذائى كان أولوية فى مشروع السيسى، جنبًا إلى جنب مع ضمان الأمن الاجتماعى، ومحددات الأمن القومى على كافة أبعاده الاستراتيجية.

 

أقر جمال عبدالناصر ضمن مشروعه،. فكرة سيادة الدولة على ما سمى وقتها قطاعًا عامًا، أدى إلى تراكم على المدى البعيد، وصل إلى ترهل، ثم تحول كثير من أفراده عبئًا على ميزانية الدولة، وكرس بعضًا من سلوكيات لدى بعضهم، مهما كانت توصيفاتها فهى لم تؤد إلى ما كان من المفترض أن تصل إليه فكرتها الأساسية.

 

لا تنفصل النتائج عن الفكرة الأساسية، العبرة فى الأفكار الكبرى هو ما وصلت إليه فى نهاياتها من نتائج.

 

صحيح كان مشروع عبدالناصر حديثًا كبيرًا من حيث إنه الأول «وطنيًا» فى صفحات التاريخ المصري، إلا أن بعض ما فى حواشى المشروع كان قد شابه ما شابه.

 

(3)

لو أن استعادة الكرامة والثأر الوطني بانتصار الجيش المصري فى حرب 1973 كان الغرض الأساسى من مشروع الرئيس السادات.. فهذا يكفيه.

 

لكن على مستويات وقطاعات المجتمع، فإن النتائج بما آلت إليه حركة «الطبقات الاجتماعية» فى عهد السادات، فإن فيها ما فيها.

 

تظل سياسة ما سمى «الانفتاح» لغزًا أثيرًا حتى الآن.

 

اللغز فى المسافة بين الفكرة والتطبيق، وفى المسافة بين التطبيق وبين النتائج، واللغز أيضًا يظل فى ما أدت إليه سياسة الانفتاح من انعكاسات على قطاعات المجتمع فى مصر.

 

بعضهم يصل إلى نتيجة تقول إن نتائج «الانفتاح» على نحو ما طُبق واستمر كانت ضربة البداية لاهتزاز فكرة «القيمة» و«المعيار».

 

نمت بفعل الانفتاح طبقات على حساب طبقات أخرى، وظهرت فى مستوى القيادة أفكار «المكسب السريع» وتراجعت أفكار «العمل المشروع» و«القيمة المضافة» وما يجب أن تعكسه محطات «العمل الدءوب» من مكاسب على المجتمع والأفراد والناس.

 

كان الانفتاح «فرديًا»، واندلعت «الربحية» فئوية، وفئوية هنا بمعنى سيطرة معايير «المادة» على معايير القيمة لدى فئات من الشارع انفتح أمامها وقتها كل أبواب الألعاب البهلوانية للتربح تحت سمع وبصر الجميع.. بلا توقف.

 

اختلال المعايير كان أزمة؟

 

هذا صحيح، لكن الأزمة الأكبر كانت فى فتح «قمقم» جماعات إسلام سياسى لم يكن مقدرًا لها - بطبيعة الأمور - عودتها مرة أخرى بعد صدام هدد الدولة خلال عهد الرئيس جمال عبدالناصر.

 

توالت العصور، وورثنا فى عهود بعد عهد السادات «قيح» جرح تيارات إسلامية متطرفة، هددت الدولة تهديدًا كاملًا وكبيرًا منذ اندلاع شرارة 2011، وانتهى أمرها بتوليها مقاليد الحكم فى مصر، فى محطة شديدة الدقة، كان يمكن أن يترتب عليها تأثيرات أشد دراماتيكية لولا عبدالفتاح السيسي.

 

ورثت مصر، بعد السادات، تداعيات «سلوكيات الانفتاح الاستهلاكى»، كما ورثت «قمقمًا مفتوحًا لتيارات الإسلام السياسى».

 

لا يصح اعتبار مشروع السادات قوميًا، بقدر ما يمكن اعتباره محاولة تحمل نوايا حسنة لتسيير حياة مجتمع، أدت إلى نتائج لا يمكن أن يتصور أحد أنها كانت مقصودة أو منشودة.

 

فى الوقت نفسه لا يمكن أن يتصور أحد أن تلك النتائج لن يكون لها تأثيرات شديدة السلبية بشكل يرقى إلى الآثار الكارثية على المفهوم الجمعى المصري وعلى التركيبة السلوكية لمجتمع تلاطم بين أمواج عالية من التغيرات والثقافات الواردة والمفاهيم الدخيلة كلله حادث المنصة فى العام 1980، بما ترك هذا الحادث وبتلك الطريقة على المشهد العام فى مصر، بالتزامن مع تولى الرئيس مبارك المسؤولية.

 

اتسم عهد الرئيس مبارك بالثبات، الثبات المطلق، فكثيرًا ما يؤدى إلى أوضاع تئول نتائجها إلى غير المراد.

(4)

صحيح واجهت مصر فى عهد الرئيس مبارك ظروفًا إقليمية صعبة، وواجهت أحداثًا محيطة، داخل المنطقة وخارجها كانت هى الأخرى صعبة، قفزت مصر فوقها بنوع من التماسك، لكن التماسك على الجبهة الخارجية وسط الأمواج العاتية فى الخارج لم يتواز مع نتائج مماثلة على الجبهة الداخلية.

 

مرت السنوات الأولى من حكم الرئيس مبارك كالأثير، وبدأت التقاطعات والتشابكات ثم التضاربات وسط ما يمكن أن نسميه بـ «المضاربات» على خريطة السياسة والاجتماع فى الداخل مشوبة بشىء مما بدا فيما بعد أنه قد حوى كثيرًا من المتناقضات.

 

يحفظ لمبارك كونه بطلًا من أبطال جيل أكتوبر، ويظل هو الجيل الذي استرد لمصر الكرامة مع الأرض.

 

يبقى لمبارك مكرسًا من مكانة أن جيل أكتوبر هو الذي أعاد تشكيل الخرائط على خطوط الزمن البيانية.

 

أعاد جيل أكتوبر فى مصر ترسيم التاريخ والجغرافيا، وحفظ هذا الجيل نسق التاريخ فى الطريق للأمام.

 

حفظ جيل أكتوبر نسق التاريخ.

 

عندما يضطرب نسق التاريخ فى المجتمعات وعلى صفحات الدول، تختل المعادلات من أول الاجتماع انتهاء بالسياسة فى أعمق صورها.

 

بدأت فى عهد مبارك خطوات متفاوتة نحو التنمية هذا صحيح، لكن الصحيح أيضًا أن خطوات التنمية كانت عبارة عن شذرات فى جزر منعزلة.

 

ظلت التنمية فى ذلك العهد عمليات متفاوتة متناثرة، رغم أن الأصل فى المشروعات القومية الكبرى هو التكامل والتوازى والتخطيط الشامل.

 

لا جدال أنه فى أنهار ذلك العهد جرت مياه كثيرة، لكن الذي لا جدال فيه أن تفكك خريطة التنمية أو تشعبها بلا اتساق ولا تكامل ينزل بها آخر المطاف من مصطلح التنمية الشاملة إلى مصاف «البناء».

الفروق كبرى بين مجرد عمليات البناء فى قطاعات متباعدة وبين عملية التنمية الاستراتيجية بمفهومها الحديث.

(5)

انتهى عهد الرئيس مبارك بالنهاية الأكثر درامية فيما يمكن أن تواجهه الدولة من أحداث.

 

كانت الرجة الكبرى والأزمة الأكبر التي تهدد الدولة من الداخل ومن الخارج، والتي هددت بشكل شبه كامل ليس فقط السلام الاجتماعى وقنوات التواصل بين الطبقات، لكن هددت بأشكال بعيدة التأثير مفهوم الدولة لدى قطاعات عدة فى الشارع المصري.

 

أصعب ما يمكن أن تواجهه المجتمعات من كوارث فى التاريخ الحديث هو وقوف المواطن فى مواجهة دولته! ووقوف المواطن فى حالة ينشد فيها هدم المؤسسة، والركوب على موجات التصعيد فى مواجهة المعنى والرمز.

 

للإنصاف مرة ثانية، فإنه قد مورست على المواطن المصري عملية كبرى فى شكل من أشكال «الخداع الاستراتيجى» ليصل إلى مرحلة يقف فيها فى وجه مؤسسته وفى مواجهة مع دولته بمعنى الدولة ومفهومها الواسع والأعمق.

 

للإنصاف، مرة ثالثة، لم تكن ظروف عهد مبارك وحدها هى السبب، لا يمكن حسبان أسباب أحداث 2011، أو ما آلت إليه الأوضاع بعدها إلى عهد مبارك وحده، ولا إلى المتناقضات التي جرت على الأرض فى السنوات الأخيرة من ذلك العهد وحدها.

 

كان المخطط كبيرًا، استهدف تغيير الشرق الأوسط من داخله، كان المخطط أوسع، بزوايا حادة وسنون مدببة استهدفت تغيير الخرائط، بتثوير الناس وحقن الرأى العام بالخرافات والشعوذة ودفعه دفعًا إلى مآلات ليس فقط لا يمكن السيطرة عليها، إنما لا يمكن فى ذروتها رفض قبول إعادة تشكيل الدول وحدودها وسبل مخرجات ثرواتها.. وأخيرًا نطاقات قراراتها.

 

كان المخطط كبيرًا، استخدمت فيه قوى من الداخل مع مليارات تم إنفاقها من الخارج، وكانت الخطورة فى بعض ممن أسموهم وقتها «رموزًا» كانوا قد ارتدوا الأقنعة ولبس البهلوانات ليدخلوا فى تحالفات مع تجار الأوطان وصولاً إلى قفزات كبرى حققتها جماعة الإخوان، فى ظروف كانت شديدة المواتاة بأن تقتنص جماعة الإرهاب وطنًا جريحًا ينزف.. لتعرضه فى مزاد عام علنى كبير.

 

فى أحداث يناير 2011 وما بعدها وصولاً إلى عهد جلوس الإرهاب على كرسى الحكم عبر وعبرات، أن أنهت عصر جمهورية أولى بدأها جمال عبدالناصر كان خصمها الأول جماعة الإخوان، وانتهت تلك الجمهورية بدخول ذلك الخصم التقليدى للثورة وللمواطن وللوطن قصر الاتحادية الرئاسى، فمدوا السجاجيد على الأرض وأكلوا الرز «والمندي»، ومدوا الأيدى ليوزعوا لحم الضأن ويقيموا الصلوات بالجلابيب فى طرقات القصر الجمهوري.

 

لا تُسرق ثورات الشعوب إن كانت تقودها البصيرة وتتحكم فيها المصالح الوطنية، لا يوجد فى التاريخ فكرة «سرقة الثورات»، لذلك فالمصطلح شديد المثالية وهمى المعنى، أطلقه بعض ممن ساروا وراء شعارات، أو بعض ممن استخدموا تحت سطوة «كلاشيهات» وصلت بالأرض والوطن إلى حافة الهاوية.

 

(6)

استجاب عبدالفتاح السيسي لنداء الجماهير الغفيرة فى واحدة من أدق وأصعب وأثقل مراحل الوطن على كافة القطاعات، أطلق عبدالفتاح السيسي مشروعًا قوميًا مكتملاً فى توقيت كان من أكبر مطالبه مجرد استعادة الوطن واستعادة الدفة، ووقْف موجة من أعلى موجات الإرهاب الموجه ناحية المواطن وناحية الأرض وناحية القيمة.

 

استهدف الإرهاب، وهو واحد من تحديات تلك المحطة الزمنية، المعنى والقيمة قبل الأرض والتراب.

 

فى المحطات الكبرى فى تاريخ الشعوب والتي عادة ما تجابه فيها أكبر أنواع الملمات تختصر الحلول فى «بطل كاريزمى» يعيد ترتيب المصفوفات من أول الاجتماع مرورًا بالسياسة وصولاً إلى الاقتصاد.

 

لكن قبل هذا وذاك، فإن أول متطلبات الشعوب فى ذلك البطل الكاريزمى، هو استعادة نفوذ الدولة وسطوتها وقدرتها على إقرار السلم الاجتماعى بكل أبعاده وضمان الأمن القومى بكامل خواصه وأشكاله.

 

بدأ مشروع عبدالفتاح السيسي القومى قائمًا على كل المحاور بالتوازى، فى تلك المحطة شديدة الدقة فى مراحل التاريخ كان يمكن إيقاف كل العجلات لصالح الدفع بقوة ناحية «الحرب على الإرهاب» لم تكن معركة الحرب على الإرهاب سهلة تمامًا كما لم يكن بتر سلسال إخوان الإرهاب هو الآخر سهلًا.

 

مر المشروع القومى لعبدالفتاح السيسي على جميع المسارات بالتزامن، بدأ بالبشر والحجر.. مع ترسيخ معايير القوة العسكرية لدولة قوية، إضافة لاستعادة هيبة وهيمنة فى الداخل كما كان ينبغى.

 

فى الدول الحديثة فإن معادلات سطوة الدولة بالمفهوم الحميد مطلوبة، لا تستقيم متطلبات أى مشروع قومى نهضوى إلا وفق محددات تواجد الدولة فى المسارات المطلوب حضورها وتواجدها فيها بالأشكال المعهودة.

 

اتسم المشروع القومى لعبدالفتاح السيسي بالتكامل والتناغم والأهم استشراف شكل المستقبل بطرق عملية جعلت من عملية التنمية منهجًا عريضًا، تتكامل فيه العناصر متجانسة على خط الزمن.

 

قرارات شجاعة آثر عبدالفتاح السيسي أن يتخذها منذ اليوم الأول لتوليه المسؤولية، لإطلاق إشارات البدء على جميع القطاعات بالتوازى، والبدء بتصحيح المسار، أو قل البدء فى مسار جديد نحو جمهورية جديدة.

 

كان مشروعًا قوميًا غير مسبوق لأكثر من سبب، أولًا لأن الظروف التي دخلتها الدولة المصرية والتي أحاطت بها من الخارج على مستوى المنطقة والإقليم كانت شديدة الضبابية والتعقيد.

 

وكانت التشابكات على الخرائط الدولية بما كان يرسم لمصر من جانب، وبين ما كان يستلزمه المشروع القومى الوطني لوضع الدولة من جانب آخر شديد التباين.

 

كان الإرهاب فى سيناء يحضر لكى يبدو مسمار جحا «ثغرة» فى جانب الدولة أو شوكة فى ظهرها.

 

الوضع فى الشارع المصري كان شديد السيولة، وسط مناخ اقتصادى كان قد وصل إلى الدرجة الأعلى من العوار، بعد استنزاف اقترب بالاحتياطيات الأجنبية من الصفر.

 

بدأ عبدالفتاح السيسي من البداية، حيث بالتعبير الدارج كانت الدولة «على الأرض».

 

صعوبات البدايات بعد الزوابع والعواصف والأنواء، عادة ما تستمد عناصر مقاومتها للإصلاح من قوة تلك الأنواء ومن مدى شدة العواصف.

 

ترنحت مصر بعد عام من حكم الإخوان، ترنحًا شديدًا، استمد زخمه من جروح وطن بدأ ينزف دماء أعضائه الحيوية منذ أحداث ما سمى بالربيع العربى.

 

مصر بوابة المنطقة، لذلك دبرت موجة الربيع العربى بليل، كان الغرض أن تمتد نيران ذلك الربيع، أكثر شراسة فى الاتجاهات الأربعة بعد سقوط الدولة المصرية، أو نجاحه فى هدم المؤسسات المصرية لتفتح أبواب القاهرة.

 

لماذا يعتبر مشروع عبدالفتاح السيسي الأول من نوعه؟!

نواصل الأسبوع المقبل

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز