عاجل
السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

الحب يواجه سطوة الرجل .. في مونودراما "ودارت الأيام"

ودارت الأيام" العمل المسرحي الأول للكاتبة أمل فوزى، بطولة الفنانة وفاء الحكيم، إخراج فادي فوكيه، والعرض مهدى إلى الفنانة سميحة أيوب، وعلى خلفية صوت أم كلثوم.



 

ويتناول العرض، علاقة المرأة بالرجل، وحقوق المرأة الضائعة، تسلط الرجل، وإهماله لأبسط الحقوق الإنسانية التي يجب أن تسود العلاقة الزوجية، ويبدأ العرض بزوجة تكتشف بعد وفاة زوجها أنه كان متزوجا دون أن تدرى، ومن هنا تبدأ المناجاة الداخلية، أو مونودراما "ودارت الأيام"، حيث يتجلى حضور وفاء الحكيم بالتدفّق الهادر، لتجسيد أزمة أو مأساة بطلة العرض، التي قدمته على مدى ساعة كاملة، والمونودراما تعني مسرحية الممثل الواحد، فهو المسؤول عن إيصال الرسالة والدلالات التي يتضمنها النص الذي كتبته أمل فوزى للجمهور، جنبًا إلى جنب باقي عناصر العرض المسرحي، المونودراما أصعب العروض المسرحية، فهي تعتمد على براعة ممثل واحد يستعرض أزمة الشخصية تجاه نفسها أو تجاه الآخرين، من خلال المناجاة الجانبية والحوار مع شخصيات افتراضية محاطة بعناصر فنية أخرى تسهم في تأكيد رؤية المخرج، لخلق الصراع الذي ينتجه الحوار التبادلي بين شخصيات المسرحية، في حضور الغياب الذي تفرضه مسرحيات الممثل الواحد.  

 

 

لعبت أغنيات أم كلثوم المنتقاة بعناية، الدور الأساسي لتداعيات مأساة الزوجة المخدعوة، والمقهورة في ذات الوقت، أو بمعنى أدق طول الوقت، واستخدمتها أمل فوزي كاتبة النص بوعي يجسد مآساة الزوجة، وأجاد توظيفها المخرج، لينتقل من مشهد لمشهد، ومن مرحلة لآخرى، مستخدما (راديو) قديم الطراز ليؤكد وحدانية الزوجة، في إشارة لزمن أحداث العرض، وبدأ بأغنية:   "كنت بأخلصلك في حبى من كل قلبى/ وانت بتخون الوداد من كل قلبك" وبعدها أغنية "أروح لمين/ وأقول يا مين ينصفني منك". وتتوالى الأغنيات " صبرنى الحب كتير/ وداريت في القلب كتير/ ورضيت عن ظلمك لكن كل ده كان له تأثير".

 

 

 وهكذا... وعندما نصل لذروة صبر وتسامح الزوجة المقهورة المغلوبة على أمرها، في مواجة تسلط الزوج، يداعبها الأمل بمناسبة عيد ميلادها، فتنتظر عودته في أبهى زينتها، وتتمايل الزوجة طربا على أنغام موسيقى محمد عبد الوهاب، وكلمات مأمون الشناوى: "وقابلته نسيت إني خاصمته/ ونسيت الليل اللى سهرته/ وسامحت عذاب قلبي وحيرته/ ما اعرفش ازاي انا كلمته/ ما اقدرش على بعد حبيبي". 

 

فيأتى حاملا هدية مغلفة، فتصدمها المفاجأة عندما تجدها لعبة الشطرنج، وعندما تطالبه بأن يحتفظ بشخصيته المرحة المبتهجة خارج المنزل، بدلا من هذا الوجه المتجهم الكئيب داخل المنزل، يعلنها بوقاحة أنه يمثل على الآخرين، وهنا لا يحتاج لأن يمارس هذه الخدعة، وهنا تقرر الزوجة المُهمَلة بلا مشاعر أن تفتح صندوقها الأسود، وتخاطب الجمهور: "كل منا لديه صندوقه الأسود"، وهو حب قديم، أو قصة غرام لم تكتمل، وتعود للحلم، الذي سرعان ما يبدو ضبابيا بلا روح، ولا عواطف، ولا معنى، وتعود للوحدانية والمناجاة مرة أخرى.  ومن خلال هذه السردية التي تتألق فيها وفاء الحكيم، يستعرض النص، مأساة المرأة بشكل عام، وهو نص مكتوب بصدق يعبر عن تجربة ذاتية مريرة، وأضفى على العرض درجة عالية من الحيوية، والمصداقية، وهذه المأساة تفتح الأسئلة المصيرية، والوجودية، للعلاقة الأزلية بين الرجل والمرأة، أوبين الزوج والزوجة، عبر العديد من أشكاليات المجتمعات المحافظة، أو المتخلفة، حيث يتم إجبار البنت على الزواج من الرجل الميسور، رغم أنفها، وتبدأ محنة المرأة، التي تسود حياتها القهر الذكورى المستبد، بدءًا من ماذا تلبس، وماذا تأكل، وأين تقضى إجازة الصيف، مرورا بحرمانها من كل مظاهر الحياة الإنسانية التي تسودها المودة والرحمة، ونهاية بإقصاء المشاعر الدافئة، والعلاقات الحميمة التي تتحول في نهاية الأمر لنوع من أشكال الاغتصاب المهين للمرأة وعواطفها، عبر انتهاك جسدها، الذي يتحول إلى دمية من الشمع، جسد بلا روح ولا مشاعر.

 

 

  وتضع المؤلفة نهاية مبهجة، يحدوها الأمل في الخروج من هذه المأساة، بتلقيها خبر قبول حفيدها في دار الأوبرا كعازف بيانو، ليعود صوت أم كلثوم يشدو بالمقطع الأخير من أغنية ألف ليلة وليلة، التي كتبها مرسى جميل عزيز، ولحنها بليغ حمدى: "كلمة الحب اللى بيها/ تملك الدنيا وما فيها/ واللى تفتح لك كنوز الدنيا ديه/ قولها ليه/ قولها للطير/ للشجر للناس/ لكل الدنيا/ قول الحب نعمة مش خطية/ الله محبة/ الخير محبة/ النور محبة".

 

 وينتهي العرض بالحب فهو الوحيد القادر على الخروج بالإنسان من هذه المأساة.  النص مكتوب بصدق، والصدق يحتاج لمهارة، وهذا ما نجحت فيه الكاتبة أمل فوزى، وقدمته الفنانة وفاء الحكيم باقتدار، بخبراتها المسرحية المتراكمة، فانتقلت عبر الأصوات المتعددة داخل العرض، مابين الأم، والزوج، والأبناء، والأحفاد، وانتقلت من حالة إلى حالة عبر المشاهد المتعددة، ومن زمن إلى زمن آخر، ونجح المخرج فادى فوكية، ومصممو الديكور، والموسيقى والإضاءة، في تغير المشاهد، والانتقال من حالة إلى حالة بسلاسة، وبلا تعقيد، مستخدما قطع الديكور مرة باعتبارها (كواليس) يتم تغيير الملابس خلفها، ومرة لتبدو كأنها قضبان سجن يحاصر الزوجة المقهورة، وهذا ما أضاف للعرض عمق وحيوية.

 

وكان المخرج الإنجليزي بيتر بروك يرى "أن المونودراما تُفقد المسرح الكثير من وهجه الخاص، لأنها تعتمد الممثل الواحد الذي ينبني عليه العرض بأكمله، فلا تفاعل بين ممثل أول وممثل ثان ضمن ثنائية الأخذ والرد، التي تؤسس لفعل درامي حقيقي على الخشبة".

 

 ورغم صحة هذه المقولة في بعض عروض المونودراما، إلا أن الفنانة وفاء الحكيم، استطاعت أن تبهرنا بهذا الأداء المتدفق، من خلال طبقات الصوت، وتقمص الشخصيات الافتراضية صوتا، وحركةً، وتمثيلا، وساهم النص الذي كتبته أمل فوزي، وحركة بطلة العرض التي صممها المخرج على خشبة المسرح، في ابتعاد العرض عن حالة الترهل التي قد تصيب عروض المونودراما في بعض الأحيان. 

 

 

 بالطبع هناك بعض الملاحظات، منها عدم الإشارة إلى أسماء الشعراء الذين كتبوا هذه الأغانى، وكبار الملحنين واضعى هذه الألحان، وكان من المفترض الإشارة في تصميم لوحة الإعلان عن العرض، أن اسم المسرحية "ودارت الأيام" عنوان الأغنية الشهيرة التي كتبها الشاعر الكبير مأمون الشناوى، ولحنها الموسيقار محمد عبد الوهاب، وغنتها أم كلثوم لأول مرة في سينما قصر النيل 5 مارس 1970.

 

 أما الملاحظة الثانية فهي سماع صوت الزوج في أحد المشاهد يجسده صوت رجل، وكان يمكن الاكتفاء بظهور ظله الضخم كخيال الظل (سلويت) في عمق المسرح، لتأكيد هيمنته، وسطوته، وجبروته دون صوت، لتتقمص بطلة العرض آداء نفس الكلمات بصوتها المصطنع كما فعلت وأدت بصوتها أدوار باقى الشخصيات الافتراضية.

 

بخلاف ذلك فالعرض إشراقة جديدة للفنانة وفاء الحكيم تستحق الإشادة، ورؤية إخراجية ممتعة للمخرج فادى فوكية، وفريق عمله، وتحية لمدير مسرح الهناجر، الفنان شادى سرور، فهذا العرض شهادة ميلاد لكاتبة مسرحية جديدة، تنضم إلى قائمة شرف الحركة المسرحية المصرية الكاتبة أمل فوزي.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز