عاجل
الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سيناريوهات الاستنزاف التى صنعت أسطورة النصر العظيم

من يونيو 67 إلى أكتوبر73 .. شهادة حية لأم المعارك:

سيناريوهات الاستنزاف التى صنعت أسطورة النصر العظيم

واصلت القيادة العسكرية الإسرائيلية المنتشية بما حققته من نتائج عمليات الساعات الأخيرة من معركة يونيه 1967، وتابعت تقدم المجموعات المدرعة الثلاث باتجاه مضايق سيناء الثلاثة من ناحية الشرق والمجموعة الرابعة التي تتحرك على الطريق الساحلى للوصول إلى مداخل المضايق من ناحية الغرب.



 

كانت المجموعات الثلاث تقوم بدور المطرقة فى حين تقوم المجموعة الرابعة بدور السندان وكان الهدف حصر القوات المصرية المنسحبة داخل هذه المضايق للقضاء عليها بين المطرقة والسندان.

وأمام صدمة القيادتين السياسية والعسكرية لم يكن أمام اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية الذي أدرك حقيقة المصير الذي ينتظر القوات المنسحبة سوى أن يبادر بالعمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه القوات.

وكانت خطته تعتمد على نصب كمائن على طريق تقدم مجموعة السندان لعرقلة تقدمها وتأخير وصولها إلى حيث تتمكن من القيام بدورها.

ووقع اختيار على إبراهيم الرفاعى وطلب منه أن يقود مجموعة صغيرة من العناصر التي يراها مؤهلة والعبور بها شرقا والتحرك على الطريق الساحلى لأداء مهمتها.

كما كلف المقدم محمود عادل قائد ثان مكتب مخابرات العريش بأداء مهمة مماثلة وقد تمكن القائدان من عرقلة تقدم الطابور المدرع الإسرائيلى لفترة أطول مما هو مخطط بعدها تمكنت من التخلص من الاشتباك والعودة إلى غرب القناة ونتيجة لذلك اتيح الوقت لإنقاذ عشرات الآلاف من القادة والضباط والجنود.

وأمام هذا النجاح الذي حققه الرفاعى رأى اللواء محمد صادق أن يوكل إليه مهمة أخرى كان وقف النار قد تقرر وعادت القوات المنسحبة من سيناء فى حالة بالغة السوء وتقرر إحالة أعداد من كبار القادة إلى المعاش، وتقديم البعض إلى المحاكمة، وتعيين قادة جدد.

وبدأت القيادة العمل لإعادة تجميع وتنظيم القوات المسلحة، وأخذت القيادة الإسرائيلية فى تجميع الذخائر التي تركتها القوات المسلحة فى مخازنها دون تفجيرها قبل انسحابها، وفى نفس الوقت أخذت فى حصر الاسلحة والمعدات التي تخلت عنها القوات بعد أن تلقت أمرا شفهيا بالانسحاب والوصول إلى غرب القناة خلال 24 ساعة فى اليوم الثانى للمعركة، وأخذت القيادة الاسرائيلية تستعد لاستخدام الأسلحة المصرية والذخائر المتروكة وبما يعنى إضافة قوة نيرانية جديدة لاستخدامها ضد القوات المصرية ولهذا وقرر اللواء محمد صادق العمل على تفجير تشوينات الذخيرة المصرية قبل أن تتمكن إسرائيل من استخدامها، ومرة أخرى يلجأ إلى إبراهيم الرفاعى الذي تمكن مع مجموعة متميزة من تنفيذ هذه المهمة وبدء العمل الفدائى ضد القوات الإسرائيلية فى سيناء وقبل أن تستقر صورة القائد والجندى الإسرائيلى المتفوق والقادر على تحقيق الانتصار.

وكانت هناك نسبة كبيرة من القوات المنسحبة تعيش مع هذه الصورة، وكان مثل ذلك قد حدث للقوات الإنجليزية الموجودة فى مسرح شمال إفريقيا التي انبهرت بأداء القائد العسكرى الألمانى رومل، وبعد تعيين المارشال مونتجمرى قائدا للجيش الإنجليزى الثامن ورأى هذه الحالة أدرك أنه لا يمكن أن يحقق أى انتصار على القوات الألمانية بمثل هذه القوات، لذا خطط لتنفيذ عدة عمليات عسكرية فدائية أو محدودة ضد القوات الألمانية، وعملية بعد أخرى بدأت قوات الجيش الإنجليزى تتبين قدرها على إلحاق الخسائر بالقوات الألمانية والانتصار عليها.. كما أن العمل العسكرى ضد قوات الاحتلال الاسرائيلى سيحرمها من الاستقرار وسيؤدى إلى استمرار استدعاء نسبة من القوات الاحتياطية لمواجهة النشاط العسكرى المصري وبما يشكل عبئا على الأوضاع الاقتصادية.

وقرر صادق عرض الأمر على الرئيس عبدالناصر الذي عارض الامر تماما لأن مصر أعلنت قبولها وقف إطلاق النار وبالتالى فلا يمكنها مباشرة أى عمل عسكرى قد تترتب عليه نتائج خطيرة، وهنا طرح عليه اللواء صادق أن أهالى سيناء يعيشون تحت الاحتلال، لذا من حقهم مقاومة القوات المحتلة، وأوضح للرئيس أن القوات الفدائية التي سيتم تشكيلها ستحمل اسم منظمة سيناء، وستصدر كل البيانات العسكرية باسم هذه المنظمة.

وأمام هذا المنطق والاستهانة بالتجربة التاريخية لمونتجمرى قائد الجيش الثامن وصورة رومل التي سيطرت على القوات، وافق عبدالناصر على بدء مصر معركة استنزاف ضد القوات الإسرائيلية، بعدها أسند اللواء صادق إلى إبراهيم الرفاعى تشكيل وقيادة هذه القوات وعندما أخبرنى الصديق إبراهيم أنه نفذ عملية تفجير تشوينات الذخيرة فى سيناء وعملية تفجير القطار الذي كان يفترض أن يحمل الصواريخ المصرية من طراز الظاهر والقاهر لعرضها فىِ طابور العرض العسكرى الذي ستقيمه إسرائيل فى مناسبة الاحتفال بالعيد الوطني، طلبت منه أن أشارك فى العمل تحت قيادته فطلب منى كتابة طلب تطوع وعندما سلمته هذا الطلب كتب تزكية رائعة وهو يؤكد قبوله للطلب، ومن بعده وافق اللواء صادق مدير المخابرات الحربية التي أدارت هذا النشاط الفدائى.

وبعد كل الموافقات المطلوبة أبلغنى الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية أنه يرفض الموافقة على مثل هذا الطلب لأنه يفتح لى الابواب لمعرفة كثير من الاسرار، وكانت اجابتى أن الرجل المسؤول عن أسرار القوات المسلحة أى مدير المخابرات الحربية قد وافق ولم يبد مثل هذا الاعتراض، فقال إنه الوزير المسؤول وهو يرفض تطوعى بصفوف المجموعة 39 قتال، فقلت له إننى سأرفع الأمر إلى الرئيس جمال عبدالناصر وسأقول له إن هناك شابا «بايع نفسه من أجل وطنه، وهناك من يضعون العقبات على طريقه».

وظفرت الدموع من عينى وأنا أقص موقف الوزير على الفريق عبدالمنعم رياض، فأكد أنه سيتوصل إلى حل مع الوزير، وقلت له إننى سأعرض الأمر على الرئيس، وفى مكتب اللواء محمد صادق، قال الرجل بعد أن استمع إلى شكواى إنه هو الذي سيعرض الأمر على الرئيس، وفعلا طلب مكتب الرئيس وطلب تحديد موعد، وخلال اللقاء استمع الرئيس إلى الحكاية وقرأ طلب التطوع الذي أوضحت فيه أن القوات المسلحة غير مسؤولة عنى فى حالة الأسر أو الفقد أو الاصابة أو الاستشهاد وكان تعليقه أن الفريق فوزى لم ينظر إلى كل الابعاد، فمشاركة مدنى فى عمليات فدائية خلف خطوط العدو فى سيناء ستكون عاملا محفزا للقوات الموجودة بالجبهة يساعدها على تجاوز آثار عملية الانسحاب المريرة، كما أنه سيدفع هذه القوات للقول إذا كان هذا المدنى يفعل ذلك، فإننا أيضا يمكننا تنفيذ مثل هذه المهام.

وقال إن ذلك يعنى أن عبده مباشر وحده سيكون بمثابة فريق شؤون معنوية، يسهم بدور فى رفع معنويات القوات الموجودة بالجبهة، وأعلن موافقته على طلب التطوع فى استثناء غير مسبوق فى تاريخ القوات المسلحة.

وفعلا بدأت أشارك فى العمليات التي تنفذها المجموعة، وفى البداية كان القائد الرفاعى يختار الأهداف بعناية ودقة على ضوء المعلومات التي تتوفر له من مصادر مختلفة، ثم يضع الخطط ويرسم بنفسه الخرائط ثم يناقش الأمر مع مساعديه.

وكانت تعليمات الرفاعى فى البداية أن أظل بجواره، أى أن أقوم بدوري واتحمل مسؤولياتى، وأنا بالقرب منه، وكان قد أوضح لى فى مرحلة الاعداد أننى سأشغل مكان مقاتل فى وسيلة أو وسائل الانتقال التي تحمل أعدادا محدودة، وأن مسؤوليتى الأولى هى القتال ويأتى بعد ذلك دوري كصحفى وأكدت له أننى تطوعت من أجل المشاركة كمقاتل لا كصحفى.

والآن وبعد مرور سنوات طويلة على هذه المشاركة فإننى مازلت أراها كأفضل أيام حياتى، وليس فى حياتى أية أيام مماثلة.

وطوال حرب الاستنزاف هاجمت المجموعة أهدافها فى مختلف أنحاء سيناء، وكان النجاح حليفا لها.

وعقب الانتهاء من تنفيذ مهمة يعرض القائد الرفاعى تقريرا عنها أمام القيادة، أما العمليات الرئيسية فتتطلب عرض التقرير على الرئيس، وكان القائد يصر على اصطحابى معه عند عرض التقرير على الرئيس، وكثيرا ما طلب منى الرئيس البقاء بعد انصراف الرفاعى، ليسألنى عما جرى كان يهتم بالتفاصيل التي لا يمكن أن يتضمنها التقرير الذي يلخص العملية.

وفى أعقاب عودة المجموعة، كان الرئيس يتصل بالاستاذ هيكل تليفونيا ليخبره أننى عدت بسلامة الله.

وحينما كانت المجموعة 39 قتال تتحمل المسؤولية الرئيسية فى العمل خلف خطوط العدو فى سيناء، كانت كل من القيادة السياسية والقيادة العسكرية تسابقان الزمن لإنجاز مجموعة من الاهداف التي لم تكن تحتمل الانتظار كان من الضرورى استعواض الاسلحة التي فقدتها مصر فى سيناء، والعمل بأقصى الطاقة للملمة القوات المسلحة كخطوة رئيسية قبل إعادة البناء والتطوير.

وكان هناك أيضا العمل على بناء خط دفاعى غرب القناة، واعداد خطة دفاعية لمواجهة احتمالات تنفيذ العدو للهجوم على المناطق والقوات الموجودة غرب القناة.

وفيما يتعلق بعقد صفقات سلاح جديدة مع الاتحاد السوفيتى واجهت مصر صعوبات بالغة فى التعامل مع السوفيت، وكانت موسكو قد أرسلت وفدا عسكريا برئاسة المارشال زاخاروف لدراسة أسباب الهزيمة والاستماع للمطالب المصرية، وقد التقى الوفد الروسى بعدد كبير من قادة القوات المسلحة واستمع لهم وراجع خطط العمليات والمواجهات مع القوات الإسرئيلية وكانت هناك مؤتمرات مشتركة حضرها الرئيس جمال عبدالناصر الذي كان يستمع لكل ما يقال، وقليلا ما كان يستفسر أو يخوض نقاشا.

وفى النهاية كتب الوفد تقريرا وافيا عن المعركة وسلم نسخة منه للرئيس والنسخة الثانية سلمها لوزير الحربية والمهم هنا أن هاتين النسختين لم يعثر على أى منهما بعد وفاة الرئيس عبدالناصر.

وقد بذل الفريق أول محمد صادق بعد تعيينه وزيرا للحربية جهدا مكثفا للعثور على أى من النسختين، ولكنه لم يوفق، وبدأ الرئيس المصري يعرض على الوفد الروسى احتياجات مصر من الاسلحة والمعدات والذخائر، وكان رئيس الوفد الروسى المارشال زاخاروف يجلس أمامه واضعا ساقا فوق ساق باتجاه الرئيس، وبعد أن انتهى الرئيس من الحديث رد عليه زاخاروف قائلا: «إن الاتحاد السوفيتى ليس على استعداد لإرسال أسلحة ترانزيت إلى مصر».

وكان يشير إلى أن القوات المصرية التي انسحبت من سيناء عام 1956 قد تركت وراءها معظم أسلحة الصفقة التي حصلت عليها عام 1955، وعادت القوات المصرية لتكرار الأمر فى معركة 1967، حيث تركت معظم الأسلحة التي حصلت عليها طوال الفترة من 1956، إلى 1967 فوق رمال سيناء.

ولبروز الحاجة إلى أعداد أكبر من الطيارين تم إنشاء كليات طيران فى مناطق مختلفة بمصر كما تم إرسال أعداد للمعاهد العسكرية بالاتحاد السوفيتى.

وفيما يتعلق بالخط الدفاعى غرب القناة، بدأ الأمر بتعيين اللواء أحمد إسماعيل قائدا لجبهة القناة وتعيين اللواء محمد الجمسى رئيسا لأركان هذه القيادة.

وخطوة إثر خطوة، كان العمل يسير قدما على ضوء الإمكانيات المتوفرة، كان الهدف واضحا، وكانت الجهود لا تتوقف على طريق تحقيق هذا الهدف.

وفى بداية خريف عام 1967، توجه أنور السادات رئيس مجلس الأمة للقاء الرئيس عبدالناصر لتوجيه الدعوة له لحضور الجلسة الافتتاحية للدورة الجديدة للمجلس وتوجيه كلمة للأمة، فقال له الرئيس لابد من الانتهاء من إنشاء الخط الدفاعى غرب القناة قبل أن أشهد هذه الجلسة الافتتاحية لأننى أريد أن أتحدث وأنا استند إلى مركز قوة.

واتجه السادات بنظره إلى أحمد إسماعيل قائد الجبهة، فسافر للالتقاء به بمقر قيادته وهناك عرف منه أن الخط سيكتمل فى بداية شهر نوفمبر سنة 1967 وسأرسل خطابا بهذا لوزير الحربية القائد العام ليعرضه على رئيس الجمهورية القائد الأعلى.

واطمأن السادات بأن الدورة الجديدة لمجلس الأمة ستبدأ فى موعد مناسب، وأن الرئيس سيلقى بخطاب كما هى العادة فى هذه الجلسة الافتتاحية.

وفى نفس الوقت دارت العجلة لإعداد خطة دفاعية وقد تمكنت هيئة العمليات من إعداد هذه الخطة التي نالت تقدير المستويات القيادية، وحملت الخطة اسم «الضربة 200» أو «الخطة 200» وكان الهدف منها امتلاك القدرة على توجيه ضربة نيرانية مكثفة ومؤثرة على أى قوات إسرائيلية ستجد القناة لمهاجمة القوات أو الأهداف المصرية غرب القناة للحيلولة بينها وبين تحقيق أهدافها.

ولم يكن هناك من يفكر أو يخطط لمعركة هجومية لاستعادة سيناء المحتلة، وكان الوقت لا يزال مبكرا للتفكير فى مثل هذا الهجوم فالقوات المسلحة كانت تعيش مرحلة إعداد البناء والتطوير وبجهود القيادة السياسية التي تعددت زيارتها لموسكو من أجل توفير احتياجات مصر من  الأسلحة والمعدات والذخائر كانت الآمال تتعاظم من أجل زيادة امكانيات القوات المسلحة.

وأمام تطورات حرب الاستنزاف وتصاعد حدة المواجهات المصرية الإسرائيلية تدخلت الولايات المتحدة وقدم روجرز وزير الخارجية الأمريكى بمبادرة لإيقاف إطلاق النيران، وقد قبلت كل من مصر وإسرائيل هذه المبادرة وتقرر بدء سريان وقف إطلاق النيران يوم 8 أغسطس عام 1970 ونجحت القيادة المصرية فى استكمال إنشاء حائط صواريخ الدفاع الجوى على ضوء نتائج مبادرة روجرز وفى نهاية الشهر التالى لشهر قبول المبادرة توفى عبدالناصر، وتحديدا كانت الوفاة يوم 28 سبتمبر 1970، وتولى أنور السادات المسؤولية خلفا للرئيس عبدالناصر، ولكنه وجه بمحاولات ضارية من جانب مجموعة تصورت أنها الأحق بوراثة الحكم.

ودار صراع سلطة على القمة، وانتهى الأمر بأن حسم السادات الصراع على السلطة لصالحه فى مايو 1971 وبعد ظهور نتيجة الاستفتاء فى أكتوبر 1970، رأس اجتماعا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة يوم 19 أكتوبر أى بعد إعلان النتيجة بثلاثة أيام، وخلال الاجتماع استمع إلى تقارير القادة الذين حرصوا على إحاطته علما بحقيقة الأوضاع العسكرية وفى نهاية الاجتماع قال للمجتمعين، إنه يطلب منهم إعداد خطة هجومية لتحرير مساحة من الأرض المحتلة فى سيناء.

وكانت المرة الأولى التي يسمع فيها القادة حديثا عن معركة هجومية، ومن بين هؤلاء القادة من صدق ما قاله السادات وآخرون تشككوا فى الأمر من بينهم الفريق أول فوزى.

ولأسباب مرتبطة بالصراع على السلطة حاول وزير الحربية فوزى استدراج الرئيس السادات للتوقيع على قرار بتجديد معارك الاستنزاف، تقدم له مشروع القرار لتوقيعه وهو يهم بركوب سيارته فى أعقاب اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بمقر القيادة العامة بمدينة نصر، ولكن السادات الحذر أمسك بمشروع القرار وقرأ النص ثم نظر نظرة غضب للفريق أول فوزى، وأمر السائق بالانطلاق دون أن يسمح للوزير بمرافقته مثلما هى العادة فى مثل تلك الظروف.

وبعد أن حسم السادات الصراع على السلطة وتخلص من مجموعة الورثة قرر تعيين الفريق محمد صادق رئيس الأركان الذي سانده بقوة فى هذا الصراع وزيرا للحربية، وفى نفس الوقت قرر تعيين سعد الشاذلى رئيسا للأركان.

وبدأت القيادة العامة فى وضع خطة الهجوم على ضوء الامكانيات المتوفرة وكلما توفرت امكانيات أكثر يجرى تغيير الخطة.

وقد اختلف كل من الوزير ورئيس الأركان حول أهداف الخطة الهجومية، رأى الوزير أن تواصل القوات المهاجمة تقدمها بعد اقتحامها للقناة والاستيلاء على خط بارليف إلى منطقة المضايق التي تشكل خط الدفاع الرئيسى عن سيناء بل عن كل مصر من اتجاه الشرق، وكانت وجهة نظر رئيس الأركان أن الامكانيات العسكرية المتوفرة لا تسمح إلا بالاستيلاء على رءوس كبارى شرق القناة لعمق يتراوح بين 12 و15 كيلو مترا وذلك بعد اقتحام القناة والاستيلاء على نقاط خط بارليف الحصينة.

وانحاز السادات لوجهة نظر رئيس الأركان وأقال وزير الحربية يوم 26 أكتوبر 1972 وخلال الفترة التي سبقت إقالة الوزير كانت القيادة العامة قد انتهت من وضع الهجمة الرئيسية بكل مراحلها وتفاصيلها وأخذت كل القوات تتدرب عليها تدريبا شاقا ومماثلا لما سوف تقوم به عند اندلاع الحرب.

وهذه الخطة كانت أول خطة هجومية تشهدها القيادة فى إطار الصراع العسكرى مع إسرائيل.

وبعد إقالة صادق قرر السادات تعيين الفريق أحمد إسماعيل وزيرا للحربية وأثناء إعداد الخطة الهجومية أمر السادات بالبدء فى إعداد الدولة للحرب بجانب إعداد خطة لمفاجأة العدو استراتيجيا وتعبويا وتكتيكيا بجانب خطة للإعلام تحمل مسؤوليتها الدكتور عبدالقادر حاتم بالإضافة إلى اشرافه ومتابعته للفريق المسؤول عن إعداد الدولة للحرب.

ولابد من التوقف أمام الوجود الروسى فى مصر، فقد بدأت مصر تستعين بخبراء عسكريين سوفييت لتطوير أداء القوات المسلحة وانتشر المستشارون من قمة القيادة العامة إلى مستوى الكتيبة.

وأمام لجوء القيادة الإسرائيلية إلى تنفيذ إغارات جوية وعمليات عسكرية فى عمق مصر فى وقت لم تكن مصر قادرة على تأمين الدفاع الجوى فى عمق مصر لنقص فى الامكانيات، لذا قرر الرئيس عبدالناصر القيام بزيارة سرية لموسكو خلال الفترة من 20 إلى 22 يناير 1970 حيث أجرى مباحثات بالغة الأهمية مع القادة السوفييت، وفى النهاية تمت الموافقة على إرسال قوات دفاع جوى روسية للدفاع عن صعيد مصر وتم إنشاء قواعد دفاع جوى لهذه القوات لا يدخلها المصريون.

وفعلا تمكن السادات من وضع قراره موقع التنفيذ وكان ذلك أحد أهم أهداف القيادة العامة، فلم يكن من الممكن أن تخوض مصر معركة مصير عسكرية مع الإسرائيليين فى ظل وجود عسكرى سوفيتى فى مصر.

وكان بريجنيف وباقى الفريق الحاكم السوفيتى قد اجتمعوا مع الرئيس الأمريكى نيكسون فى 20 مايو 1970 واتفقوا على فرض الاسترخاء العسكرى على منطقة الشرق الأوسط، وكان ذلك يعنى سيادة حالة اللا حرب واللا سلم، وهذا ما يتعارض مع الأهداف المصرية لذا كان لابد من ابعاد السوفييت من مصر قبل بدء المعركة حتى تتاح الظروف التي تسمح بانطلاق هجوم مصري، وفى نفس الوقت فإن النجاح سوف ينسب لمصر فقط.

وطوال الفترة التي أعقبت سيطرة السادات على مقاليد الأمر فى مصر اعتبارا من مايو سنة 1971، ظلت عجلة الاستعداد للمعركة تدور بكل عنفوانها وقوتها إلى أن اكتمل الاستعداد.

وانطلقت الحرب من عقالها ظهر السادس من أكتوبر سنة 1973، وكان الانتصار.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز