عاجل
الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حياتنا اختبار كبير

حياتنا اختبار كبير

منذ أن خلق الله تعالى الإنسان وهيأ له الأسباب كي يحيا حياة كريمة، تليق بخالقه الذي سواه فخلقه في أي صورة ما شاء ركبه، وصوره فأحسن تصويره.



وسخر له كل ما في الأرض جميعا لضمان سلامته ولحفظ حياته واستمرار بقائه وبقاء نسله.

إلا أن أول هذه الاختبارات، الاختبار الفارق الذي يفرق به بين الحق والباطل، الحسن والقبيح، الخير والشر، الجميل والمقدس والجليل.

اختيار المعتقد، بل ومن أجل أن يزداد الاختبار صعوبة منحه الله حرية الاختيار، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. إنا هديناه السبيلا إما شاكرا وإما كفورا. فحرية الاختيار هنا تحمل ما تحمله من الصعوبات، بل وتضع الإنسان في قلق وجودي وحيرة وشك، هل نختار الإيمان، وإذا ما اخترناه فما الضامن أننا اخترنا الرشاد والصواب وما أدرانا أننا بهذا الاختيار سنكون من أهل القبول.

وإذا ما اخترنا الكفر فما نتيجة هذا الاختيار؟، هل ستتحقق لنا الطمانينة والسعادة في الدنيا أم سنظل على شقاوتنا وستبقى مضطربين قلقين مصابين بالحيرة والشك والتوتر العقدي؟!

إلا أن الله تعالى لا يتركنا هملا تتخبطنا الأوهام وتتقاذفنا أمواج الغفلة، فيمنحنا عقلا نميز به بين الحق والباطل، الخطأ والصواب، ثم يمنحنا الإرادة الخيرة التي حدثنا عنها الفلاسفة ولاسيما الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، الذي حدثنا عنها قائلا ومن خلالها نفرق بين الأوامر المطلقة والأوامر المشروطة، بمعنى هل سنختار أن نفعل الفعل الأخلاقي من أجل الفعل ذاته، أي أن الواجب الأخلاقي يحتم علينا أن نكون أمناء شجعان كرماء من أجل هذه الفضائل لذاتها، أما سنختار الأوامر المشروحة وأننا لا نفعل الفعل الأخلاقي إلا إذا ترتب عليه منقطعة أو مصلحة كمن يذاكر لينجح أو اذا أراد أن يكون سياسيا بارعا فعليه بالحيلة والمكر والدهاء وهنا توضع الإرادة في الاحتبار الصعب، وتأتي الإرادة الخيرة لنختار من خلالها ما يقوم وجودنا وكياننا الأخلاقي فالإنسان بفطرته أخلاقي يختار الخير دون الشر كمن يختار الصحة ولا يختار المرض، الغني دون الفقر كما قال أرسطو عندما فرق بين الخيرات الأولية والخيرات الثانوية. وكلاهما مقوم ومقييم لحياتنا.

وإذا ما كان الإله منحنا حرية الاختيار، فكذلك جعلنا مسؤولون عن اختياراتنا وهذا أصعب اختبار قد يوضع فيه الإنسان مسؤولية التكاليف وحمل الأمانة، التي تنوء من حملها الجبال والتي عرضها الله جل وعلا على السنوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان، إنه كان ظلوما جهولا، ظلوم بظلمه لنفسه واستمراره في ظلمه لنفسه وانعكاسات هذا الظلم على الآخرين إلى أن يصير ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها.  وهنا تأتي المنحة الربانية من باطن المحنة محنة التكليف والإختيار ، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، نور العقل المدعوم بنور البصيرة، فيميز من خلالهما بين الغث والثمين، الجيد والرديء.

نعم حياتنا اختبار، بل اختيارات كثيرة، فما دمنا نحيا فبالحتمية المنطقية فلا بد أن أن نخضع لهذه الاختبارات، لكن هل سنثبت أمامها وسنقف شامخين مرفوعي الرأس أم سننحني وستهزمنا هذه الابتلاءات والاختيارات؟

وثاني هذه الاختبارات، قد يوضع الإنسان في مشكلة قد يظن أنها عويصة وليس لها من مخرج وأنها عصية الحل، كأن يختبر في عمله أو يختبر في ماله أو زوجه أو ولده، ويظن أن للدنيا ضاقت عليه بما فيها وغلقت دونه ودون الحلول الأبواب، وبدأ يصاب بالضيق والضجر واليأس، ثم يأتيه الفرج من حيث لا يدري ولا يحتسب، قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب. فهل ثم احتبار أشد من احتبار الأنبياء عليهم السلام فمنهم من أختبر بالمرض والزوج ومنهم من أختبر بالاضطهاد من قومه ومنهم من أختبر في أولاده، فهل جزعوا أم صبروا؟! هكذا حال الإنسان إذا صبر فاز بالرضوان، وإذا جزع سيصاب بالمرض النفسي والقلق الوجودي.

ومن أنواع الاختبارات الصعبة اختبار مصيبة الموت، فإذا ما فقد الإنسان عزيز عليه كمن يفقد ولده أو والديه أو صديق غال عليه، ماذا يفعل أمام هذا الاختبار الصعب والصعب جدا، هل سيثبت أمام هذه الطامة الكبرى وقد يظن المرء وقتها أن الدنيا قد انتهت واسودت، ثم تأتيه المنحة الربانية فيفرغ الله عليه صبرا جميلا، ورويدا رويدا يستجمع نفسه ويسترد قواه التي خارت جراء هذا الفقد عن طريق أعظم نعم الإله على الإنسان نعمة النسيان، فيصبح هذا المفقود ذكرى جميلة في حياتنا نتذكرها دوما ونستمد من مآثرها مقومات حياتنا فنستمر مواصلين حياتنا مستشارين أن من فقدناهم فارقونا جسدا، أما أرواحهم فهي معنا تحلق فوقنا رؤوسنا وتظلنا بأجنحتها.

 

الأحبة الكرام حياتنا وباستمرار مرهونة باختباراتنا فيها، فما الدنيا إلا اختبار كبير، فهل سننجح فيه أم.......؟! السؤال لنا جميعا.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز