فن الدبلوماسية وكفاءة القيادة والإدارة الحديثة
تتفاوت المدارس والكليَّات المتخصِّصة بفنِّ الإدارة حَوْلَ طبيعة الكفاءة في مستوى الإنتاجيَّة، سواء على المستوى الشَّخصي أو الرَّسمي، بالإضافة إلى أنَّ علماء الإدارة الحديثة يربطون مستوى التقييم في الأداء بالإتيكيت الاجتماعي، وليس مفاهيم البروتوكول والإتيكيت الحكومي. ومثال ذلك: إذا كان الشَّخص مثقلًا بالديون الماليَّة والمشاكل العائليَّة أو الصحيَّة فمن الصَّعب جدًّا أن يبدعَ في إدارته وهو في هذه الحالة ليبدأَ بالإجازات والأعذار. واستنادًا لعلماء النَّفْس الاجتماعي فإنَّ السَّاعة البيولوجيَّة للمُخِّ سوف يكُونُ تركيزه بحدود ما بَيْنَ (60) إلى (75%) للحالةِ الاجتماعيَّة والشخصيَّة، وحتَّى إدارته العائليَّة قد يتَّخذ قرارات غير صحيحة بسبب الاهتزازات والعصف الذِّهني غير المستقرِّ.
بدأت المدارس الدبلوماسيَّة المتخصِّصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت تركِّز كثيرًا على الإتيكيت الاجتماعي للوصولِ إلى أعلى درجات الكفاءة بالعمل والتميُّز، وكاريزما ذات مواصفات قياديَّة تستطيع العمل بإتقان من خلال حُبِّها للحياةِ والآمال المنشودة بتطبيق نظريات وسِمات الإدارة الحديثة، والقيادة المتواضعة، ابتداءً من العائلة، وصولًا إلى أعلى المناصب الإداريَّة.
ويُعَدُّ المواطن هو الحجر الأساس لكُلِّ مُجتمع، سواء كان حضَريًّا أو ريفيًّا أو بدويًّا، وبالتَّالي فإنَّ سياسة وأهداف هرم الدَّولة والحكومة وخططها التنمويَّة تصبُّ أوَّلًا وأخيرًا في المصالح الوطنيَّة والدخل القومي لها وللمواطن، والَّذي يُعَدُّ من أغنى الثروات الَّتي لا بديلَ عَنْها.. كثير من الدوَل المتقدِّمة تعتمد كثيرًا على الثروة البَشَريَّة برفدِها بأفضل الحلقات والبرامج المتخصِّصة بكفاءة الإدارة ومُقرَّرات القيادة الرَّشيقة، وتدعم العقول الذكيَّة في الارتقاء والوصول لأعلى درجات التقدُّم والتطوُّر، وليس الاعتماد على الموارد الاقتصاديَّة كالنفط والمعادن الأخرى. الكفاءة تُعَدُّ هرم القيادة والإدارة الحديثة، وأهم فقرة في نظريَّات الكفاءة هو مبدأ التكريم لكُلِّ متميِّز ومُجتهد، وتحتضن جميع الأفكار والابتكارات الجديدة الَّتي تخدم عجلة الاقتصاد والمُجتمع.
التكريم هو من أهمِّ أدوات كفاءة القيادة النَّاجحة لموظَّفي الدَّولة والقِطاع المختلط والخاصِّ بصورةٍ عامَّة، وتؤدِّي هذه المفردة بمستوى وهُوِيَّة المُجتمع وبالحالة الإيجابيَّة الَّتي تساعد على تطوير العمل بأفضل المهارات وبأقلّ جهد، والَّذي يدخل ضِمْن بَوتقة القيادة الرَّشيقة عكس التَّهاون الَّذي تُهيمن عَلَيْه الرَّتابة في العمل وسُوء النتائج. ومن الأمثلة القريبة عَلَيْنا: ما تفضَّل به جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ عدَّة مرَّات بتكريم الكفاءات الوطنيَّة العُمانيَّة على مختلف مُسمَّياتهم مِثال:(المرافقون الإعلاميون) قادة الجيش؛ لجهدِهم المتميِّز الملموس، كما قامت السَّيدة الجليلة ـ حفظها الله ورعاها ـ بتكريم عددٍ من النِّساء العُمانيَّات بعدَّة مناسبات.
إنَّ هذه الخطوة المباركة من هرم الدَّولة تُعَدُّ نموذجًا إيجابيًّا رائعًا بفنِّ كفاءة القيادة النموذجيَّة، عَلَيْنا جميعًا الاقتداء بها، واعتبارها سلوكًا إداريًّا دَوْريًّا ومُلزمًا لغرضِ تطوير دفَّة الإدارة بَيْنَ الجميع في المؤسَّسة. والتكريم يبدأ من أقلّ موظَّف إلى أعلى منصِب، ليس تكريمُا ماديًّا فحسب، ولكن حتَّى التكريم المعنوي يجعل من الشَّخص شعلةً من النَّشاط والتَّضحية والعطاء.
التكريم لا يحتاج إلى لجنة وقرارات واجتماعات، حيث يبدأ التكريم من المدارس والكليَّات والجامعات للحصولِ على طلبةٍ مُجيدين في المستقبل، وكذلك في دوائر الدَّولة من وزارات وهيئات حكوميَّة أو مختلطة.
إنَّ التكريم المعنوي أو المادِّي ـ ولو بشيء بسيط ورمزي ـ له الأثَر البالغ في رفع المعنويَّات والتَّسابق لأداء العمل الإداري بكُلِّ رحابةِ صدرٍ، والوصول إلى أعلى درجات المهنيَّة، وهذا سوف يُشجِّع النَّائم قَبل الصَّاحي للتنافُس الشريف، وتكُونُ الوطنيَّة معيارًا لذلك. وهُنَا لا بُدَّ من ذِكْر ما تقوم به قوَّات السُّلطان المُسلَّحة بمختلف صنوفها بتكريم المُجيدين سنويًّا، وكذلك جمعيَّة الصحفيِّين العُمانيَّة الَّتي اعتادت تكريم أفضل إعلامي وأفضل مقال: (ثقافي، اقتصادي، سياسي، سياحي) لغرضِ دعمِ وتشجيعِ القلَم الإعلامي العُماني، وهؤلاء يَسيرون على خُطَى ونهجِ جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في تكريم نُخَب من مختلف شرائح المُجتمع العُماني لتميُّزهم بالعمل. وكذلك المواقف الطيِّبة والكريمة للسَّيدة الجليلة بتكريمها بعض النِّساء العُمانيَّات بمختلف المناسبات، وزيارتها لبعضِ الدوائرِ الإنسانيَّة الاجتماعيَّة تطبيقًا لفنِّ القيادة الكفؤة، وتطبيق أعلى معايير الإتيكيت الحكومي والاجتماعي. وإنَّني من هذا الباب أدعو كافَّة الجهات الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة لأن تحذوَ حذوَ أفكار وتطلُّعات جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم النَّيرة بكفاءة القيادة بحياتنا اليوميَّة وكفاءة التطبيق الَّتي تحتاج كُلَّ مواطن، وليكُونُوا أمَلَ وقادةَ المستقبل؛ لكونِ هذا البلد المعطاء الكريم لا يبخل على أبنائه المُجيدين ودفعهم للعطاء أكثر وأكثر، معتمدين على أحدَث التطبيقات بفنِّ الكفاءة والقيادة النموذجيَّة وهي التكريم للمُجيدين.
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت