وليد طوغان
آفاق جديدة لعالم أكثر عدالة
صحيح.. لم يكن نصر أكتوبر سهلًا.. ولا كانت ملابساته هى الأخرى سهلة.
كانت الظروف المحيطة أكثر من مستحيلة لتحقيق نصر.. أو حتى تحقيق أقل ما يمكن أن يذكر على صفحات التاريخ فيما بعد.
لكن خطّ المصريون المستحيل.. وحطًّموا الموانع، وأرسوا قواعد العدالة، وحازوا الشرف بالعبور.. واستعادة الأرض.
كان الجندى المصري فى المقدمة، بكل ما فيه من رفعة وعنفوان.
قال الرئيس عبدالفتاح السيسي فى احتفالية القبائل العربية إن المصريين تحدّوا التحدى نفسه.. فى أكتوبر 73.
وهذا صحيح.
فقد قلب المصريون الواقع.. وكسروا القواعد والنظريات التي كانت تقول إن النصر رابع المستحيلات، وإن عبور مانع قناة السويس.. من خامسها.
فريدة هى الشخصية المصرية. فريدة بالإرادة.. والقدرة على الصمود فى مواجهة الأزمات والملمات. الملمات فى تاريخ المصريين كثيرة على مر التاريخ. لكن قدرة المصريين كانت هى الأخرى كبيرة.. للخروج من الأزمات، والقفز فوق قمم المستحيلات. خطى المصريون كثيرًا على طريق الإرادة على مراحل مختلفة من تاريخهم.
كانت أحداث ما بعد 2011 واحدة من المحطات التي استطاع فيها المصريون أن يوقفوا عجلة النار، وأن يقفوا فى وجه معادلات شيطانية، أرادت أن تمسك فى أعناق الدولة، وأن تهدمها، وأن تجلب عاليها واطيها فى أكبر وأخطر مؤامرة على المنطقة تمت فى التاريخ الحديث.
(1)
جاءت ثورة 30 يونيو، لتبدأ جمهورية جديدة، أغلق فيها عبدالفتاح السيسي أبواب النار، ومد يده برغبات البناء.. ومبادرات السلام.
كان عبدالفتاح السيسي صاحب مصطلح «السلام العادل» فى التعامل مع أزمات المنطقة، وفى تعاطيه مع مشكلات الإقليم.
فى أوقات كثيرة، بدا أن السلام العادل معادلة مبهمة، وسط طموحات إقليمية غير مبررة، ووسط توجهات دول كبرى، كانت ترى فى الحق صورًا مختلفة حسب مصالحها، وفى السلام طرقًا مختلفة حسب خططها.
وقفت مصر فى واقعها نبراسًا للعدالة ونموذجًا فى الرشد، وعلامة فى الرغبة فى تبادل المصالح.. بلا تغول على أحد ولا افتئات على حق.
وفى أكثر الأجواء سخونة، على ما هى عليه المنطقة للآن، ما زالت مصر، وربما هى الوحيدة التي تقف على أرضية الرشد الصلبة.. رغم قدرتها.
تسعى مصر للحق.. والسلام. ربما المطلب المصري الوحيد فى تعاطيها مع المشكلات الإقليمية والدولية، هى الحلول وفق السلام العادل.. وطبقًا للمفهوم المجرد للسلام.
دون عدالة.. لا يمكن أن يستقر واقع. ودون عدالة، لا يمكن أن يكون هناك سلام ينعم به الجميع.
فى الجمهورية الجديدة، بدأت مصر البناء، برغبات تواقة للتعاون مع الجميع. فى الوقت نفسه، نمت مصر قدراتها لتصل إلى قوائم أفضل جيوش العالم انطلاقًا من مبدأ يقول إن السلام فى حاجة دائمًا إلى قوة تحميه.
وتظل روح أكتوبر أسوة.
تسير مصر الدولة على هدى روح أكتوبر فى كل مواجهة من مواجهات واقع، يتسم بعدم الاستقرار، وبرغبات الاستعلاء، وبمظاهر الغطرسة التي تبدو من البعض هنا، وتظهر من آخرين هناك.
ترسخ روح أكتوبر منطق أن الحق ليس له بديل، وأن القوة يصاحبها الرشد ما دامت الأرض محفوظة، والحدود مصانة.
ترسخ روح أكتوبر أن التنمية أساس، وأن الوعى جوهر، وأن عقيدة التعاون لابد أن تدار وفق محددات واضحة، بلا افتئات أحد على أحد.. وبلا تزوير فى المعانى، ولا قلب للحقائق، ولا اضطرابات فى المنطق أو فى التصورات.
لا تقبل مصر إلا لب الحقائق.. وأصول المنطق.. مدعومة بأرصدة هائلة من حضارة وتاريخ ضارب فى جذور الزمن.
تأسست الدولة فى مصر، فى وقت كان الآخرون يغطون فى نوم عميق، أسست دولة فيما كان العالم كله يغط فى نوم البدائية.. وفى غفلة بدايات التكوين.
(2)
فى قازان.. تكلم الرئيس عبدالفتاح السيسي باسم الدول النامية، والدول المحبة للسلام.
تكلم باسم مصر، القدرة، والقوة والرغبة فى البناء وسط محددات السلام العادل والشامل.
كان حضورًا مصريًا مهمًا، وذا رمزية أيضًا.
اختارت روسيا مدينة «قازان» لعقد قمة البريكس، كانت لفتة إلى ما ترمز إليه المدينة باعتبارها مركزًا لتلاقى الحضارات، ومركزًا للسلام أيضًا.
فى روسيا يطلقون على «قازان» أيضًا اسم مدينة السلام.
وقازان بالروسية تعنى «البيت الكبير».. أو «المكان الرحب»، وفيها تتلاقى أطياف الحضارات، التي كانت المدينة مركزًا جامعًا لها، وتتقابل المساجد إلى جانب الكنائس التي بنيت فى فترات تاريخية مختلفة، وحملت أبعادًا ذات ملامح زمنية متعددة.
كان لـ «قازان» رسالة للعالم مفادها، أن المجتمعين فى قمة بريكس يؤكدون أن الإنسانية، على مر تاريخها لم تتكامل إلا بالتعاون، وقبول الآخر، وأن الإنسانية لم يحدث لها أن تكاملت مع سيادة منطق الحرب والرصاص والطلقات والبنادق ودبابات الميركافا أو مدافع الهاوتزر.
من قازان.. نادى رئيس الدولة المصرية بالسلام، وبالتعاون، وبنظام عالمى جديد أكثر عدالة.
نقل عبدالفتاح السيسي مطالبات الدول النامية والاقتصاديات الناشئة التي تحيط بها التحديات المختلفة.
أول التحديات أو أسبابها، ناتج عن التوترات والصراعات القائمة، التي تواجهها الدول الكبرى برؤى غير واقعية للمعالجات، إضافة إلى حلول غير منصفة لمشكلات التمويل.
تكفى المأساة الفلسطينية كنموذج.. ويكفى ألوف الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ وملايين المشردين كدلالة.
أزمات العالم أو مشكلات الدول النامية ليست اقتصادًا وحده، لكنها فى الواقع أزمات ناتجة بكل وضوح من ازدواجية مؤكدة فى المعايير، وسوء تأويل لأسباب الأزمات مع سوء تأويل لأنواع الحلول.
أدت مشكلات السياسة إلى أزمات اقتصادية. وأدت الأزمات الاقتصادية إلى حرمان الدول الناشئة من حقوقها فى التنمية والبناء، وربما الحفاظ على أمنها واستقرارها.
فى القضية الفلسطينية، أدت ازدواجية المعايير إلى مأساة غير مسبوقة، راح ضحيتها الألوف، فى أحداث امتدت إلى لبنان، ومن لبنان امتدت نار اللهب إلى اليمن والعراق، وإيران.. وهددت المنطقة كلها بنار الحرب الشاملة.. التي إن اندلعت فلا كاسب لها.
لأن الجميع سوف يخسرون.
تعتمل فى منطقة الشرق الأوسط تداعيات خطيرة، الاعتداءات الإسرائيلية على غزة ولبنان، تضاف إلى التوترات الأمنية والسياسية فى دول أخرى، لا تبشر بخير ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تمهد لاستقرار. صدر بيان بريكس مؤيدًا لوجهة النظر المصرية، ومؤكدًا على رؤيتها، ومطالبًا بحلولها التي قدمها رئيس الدولة فى كلمته للقمة.
(3)
أتت قمة بريكس فى وقت جد حساس.. وحساس للغاية.
المنطقة غير أنها تزداد التهابًا، فإن المعادلات تتشابك.. وتتعقد بصور غير مسبوقة، وتتمادى فيها «أيادى طائشة» تعبث بالإنسانية نفسها، لا بالقوانين الدولية وحدها، ولا بالأعراف وحدها أيضًا.
من وجهة النظر المصرية، فإن السلام العادل لا سبيل إليه إلا بتعزيز نظام دولى متعدد الأطراف حقيقى، يحفظ الحقوق وفق مرجعيات قانونية دولية، لا وفق أهواء، ولا وفق طائفية، ولا وفق رؤى توراتية، يحاول فيها جانب من العالم، إلزام الجانب الآخر بالخرائط على أساسها.. وبالحقوق على هواها.
تبقى الأمم المتحدة ركيزة أساسية لحفظ الأمن والسلام الدوليين، وفق الرؤية المصرية فى العالم المتعدد الأطراف.
فى الاقتصاد، واجه رئيس الدولة المصرية العالم بمشكلات الديون، وتكلفة التمويل المرتفعة، التي هى الأخرى بدورها تؤثر بشكل مباشر بالسلب على إمكانية تحقيق التنمية المستدامة.
لدى مصر رؤية ثاقبة ووعى كامل بالمخاطر التي تحيط باقتصاديات الدول الناشئة. لدى مصر ملاحم فى التنمية، فى ظروف كانت الأصعب، وفى أجواء إقليمية كانت الأكثر توترًا.
لذلك قدم الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤية متكاملة لدعم الدول النامية، على مستويات الاقتصاد، بينها مبادلة الديون من أجل المناخ، وبينها فتح آفاق لتعظيم الاستفادة من الآليات التمويلية القائمة بطرقٍ مبتكرة، مع التأكيد على ضرورة إصلاح الهيكل المالى العالمى.
الحل فى تعزيز أدوار مؤسسات التمويل الدولية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، لتدعم استجابتها لاحتياجات الدول النامية، وفق ظروف الدول النامية ووفق الأنواء التي تحيط بالدول النامية، ووسط الأزمات الإقليمية والدولية التي لا بد أنها تؤثر فى تلك الدول.. وتزيد من الضغوط عليها، خصوصًا فيما يتعلق بمسائل التنمية.
فى بريكس.. أوصت مصر العالم وأوصلت صوت دولة ذات ثقل فى المنطقة، وفى تكتل اقتصادى عالمى.. تأسس للتكامل لا للتنافس بين الدول الأعضاء.