التوغلُ العَربي في شرق أفريقيا
د. إسماعيل حامد
لم يلبث المهاجرون العرب أن قاموا بالتوغل في أنحاء آراضي القارة المتاخمة للساحل الشرقي، واتجهوا لمناطق في العمق "فشقوا طريقهم إلى بلاد الحبشة، وإلى أوغندا، وتنجانيقا، وإلى نياسالاند، بل والوصول إلى أقصى آراضي القارة جنوبا" . كما استقر المهاجرون العرب، فيما يري بازل دافيدسونBasil Davidson ، في العديد من مناطق ساحل شرق أفريقيا، وأقاموا العديد من المدن والمستوطنات الحضارية هناك. من ثمة تمكن هؤلاء من ربط بلاد شرق أفريقيا بتجارة المحيط الهندي بشكل وثيق، وكانت هذه الحقبة التي برزت فيها التجارة عبر المحيط الهندي لاسيما الذهب والعاج التي كانت ترسل للخارج خاصة في أسواق جنوب شرق آسيا، وكان يُؤتى بالذهب والعاج من مناجم المعدن النفيس الواقعة داخل القارة .
وفيما يخص رؤية السكان المحليين في بلاد الزنج للمهاجرين والتجار العرب الذين كانوا يأتون لبلادهم، يقول المسعودي (ت سنة: 346هـ): "وللعرب في قلوب الزنج هيبة عظيمة، فإذا عاينوا رجلا منهم سجدوا له، وقالوا هذا ابن مملكة تنبت في بلادهم شجر التمرن لجلالة شجر التمر في صدورهم، ولأن العرب إنما صرفون صبيانهم بالتمر.." . بأية حال، وأما عن الهجرات العربية لمناطق ساحل شرق أفريقيا، لاسيما بعد أن وقعت التغيرات المناخية، أو ما يُقال لها مرحلة الجفاف، في العديد من آراضي جزيرة العرب.
ويذكر أحد الباحثين المحدثين: "ثم اعتراها الجفاف (اي جزيرة العرب) بعد انتهاء العصر المطير منذ عشرة آلاف سنة. فاضطر كثيرون من العرب إلى الهجرة إلى شرقي أفريقيا، حيث لم يكن باب المندب عائقا كبيرا بين الشاطئين.." .
يشير الشريف الإدريسي (548هـ) في روايته والتي يبدو فيها ثمة تشابه واضح مع ما ورد في رواية أبي الحسن المسعودي (ت: 346هـ) مع اختلاف زمان الروايتين، حيث إن المسعودي كان سابقا على زمان الإدريسي بقرابة قرنين من الزمان، إلى أن العرب كان لهم في قلوب الشعوب والسكان المحليين في ساحل شرق أفريقيا، أو من يقال لهم شعوب الزنج رُعبٌ عظيمٌ، كما كانت لهؤلاء العرب مهابة بين سكان هذه البلاد، وكانوا فيما يقال إذا رأي أحد من السكان (أي الزنج) في هذه البلاد تاجرا أو مسافرا من العرب سجدوا له، وعظموا شأنه .
كان السكان المحليون القاطنون في بلاد شرق أفريقيا، لاسيما في بلاد الزنج، يطلقون على العرب القادمين لبلادهم أهل بلاد التمر . بأية حال، يشير البعض إلى أن التواصل الحضاري كان مستمرا وغير منقطع بين التجار العرب وسكان بلاد الزنج منذ القرون الميلادية الأولى، وكان يطلق على تلك البلاد آنذاك تسمية بلاد آزانيا، أو إمبراطورية آزانيا بحسب بعض الكُتاب القدامى ، وهو ما يشير لمدى قوة هذه البلاد، وازدهارها، ومن ثم كان يطلق عليها امبراطورية، حيث كانت كل مدن الزنج الساحلية متحدة مع بعضها البعض تحت حكم ملوك آزانيا .


















