عاجل
الإثنين 23 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
أسئلة الذكاء الاصطناعي.. ومستقبل الدراما

أسئلة الذكاء الاصطناعي.. ومستقبل الدراما

يتجدد الآن جدل عالمي واسع حول مصير الإبداع الإنساني بين البصمة البشرية وقدرات الذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت مسألة إنتاج الصور والنصوص والأفلام والمسرحيات والكتب والرسائل العلمية وما إلى ذلك مسألة متاحة عبر ضغطة يد على آلة تكنولوجية حديثــــــــة.



ومؤخرا هتف المحتجون في لندن وعدد من عواصم العالم: ميتا ميتا سارقة الكتب. إذ تواترت عدة اتهامات موجهة إلى رئيس شركة ميتا مارك زوكيربرج بنهب مكتبة "ليب جين" (Lib Gen) الرقمية والتي استخدمت الملايين من الكتب والدراسات والمقالات الأكاديمية كقاعدة معلوماتية، وذلك لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العاملة عبر قاعدتها المعرفية، وهو ذلك التدريب الذي يسهل إنتاج العديد من النسخ جيدة الصنع،

 

وينسحب هذا الأمر على إنتاج الدراما بأنواعهـــــــــا. وبالتالي أعاد الذكاء الاصطناعي سؤال المعرفة مجددا، فما هي المعرفة كمصدر قوة ومن يملكها؟ إذ أصبحت التكنولوجيا قادرة على إنتاج الأعمال الأدبية والمحتوى الفكري وربما تتمكن خلال سنوات قليلة من إنتاج الأفلام تماما دون وجود العنصر البشري، وكذلك المسرحيات والدراما التليفزيونية وما إلى ذلك من أنواع متعددة للفنون التعبيرية. ووفقا لمنطق السوق يصبح السؤال لماذا ندفع للفنان المبدع بينما تفعلها الآلة بسهولة ويسر وبتكلفة زهيدة؟ يحدث هذا الجدل حول العالم الآن وتتردد أصداؤه في مصر في سياق متصل حول أزمة الدراما المصرية، ومسألة إصلاحها المنشود في صياغة الصور الذهنية والتعبير عن المجتمع والتأثير فيه. وبينما تبقى التقنية المتطورة بعيدة جدا عن عالم الدراما المصرية إلا ببعض من حيل "الجرافيك" التي ظهرت في عدد محدود من الدرامات وتم تنفيذها في معظمها خارج البلاد، ولعل جرافيكيات "دراما جودر"، والتي تم تنفيذها في لندن تعد أبرز تلك المقاربات المصرية مع العالم التكنولوجي، وإن لم تتجاوز في إجمالها صور الخيال الجرافيكي ودمج الشخوص بالصور المتحركة في افلام هوليوود السبعينية من القرن الماضي والتي كنا نرى فيها الطيور الجارحة التي تطير وهي تحمل البشر، وصور أخرى لعالم السحر والكائنات الخياليــــــة.

 

ورغم تلك الحيل التكنولوجية الجديدة، فلا يمكن الجزم بأن الدراما المصرية قد إقتربت من عالم الذكاء الاصطناعي. إلا أن هذا السؤال والحوار والجدل الدائر الآن في العالم حول الذكاء الاصطناعي يجعل الأمر مطروحا بالتأكيد عن صلة الدراما التليفزيونية والأفلام والفنون التعبيرية به مستقبليا، وفي الأيام القريبة المقبلة بطبيعة منطق حركة العالم وتأثرنا العلمي بما يدور في عالمنا المعاصـــر.

 

وإذا كان الجدل الآن في العالم المعاصر بشأن المعرفة والإبداع والذكاء الاصطناعي يدور حول أمرين، الأول هو حقوق الملكية الفكرية للأصول البشرية التي تمت تغذية الآلة بها لإعادة إنتاج نسخ جديدة تستخدم النسخ الأصلية البشرية. والثاني هو غياب الإبداع البشري وبصمة الإنسان وقدرته على الابتكار والإضافة، وإمكانية وجود إبداعات جديدة تفتقد لحيوية الإبداع البشري، وتحمل الطابع الآلي، وتفتقد الروح البشرية. ولأن الإنسان هو الذي اخترع الآلة والتكنولوجيا منذ اختراع العجلة ورافعة المياه، فهو أيضا الذي ابتكر الدراما، فماذ فعل بحثا عن النسخ الآلية في عالم الإبداع بشكل عام وفي الدراما بشكل خـــــــــــــــاص.

 

يأخذنا ذلك إلى التاريخ، وبتأمل تاريخ الدراما ونظريتها يمكننا استخلاص العديد من الملاحظات والقواعد الحاكمة لحركتهـــــا، وهي ذات صلة بحركة التاريخ بشكل عام. إذ إن تاريخ الدراما منذ القرن الثالث قبل الميلاد بحساب ميلاد الدراما في مصر القديمة قبل تاريخها الذي تسرده السردية الغربية عن ميلادها لدى الإغريق في القرن الخامس قبل الميلاد، وهي السردية التي تعكس مركزية الثقافة الغربية ورؤيتها للعالم، يخبرنا هذا التاريخ بطريقة عمل الدراما وقانونها الأساسي. ويمكن ببساطة إجمال ذلك القانون عن نظرية الدراما بأنها تتشابه عبر التأثير والتأثر وعادات التلقي الجماهيري بمجموعة من الخصائص المشتركة في كل مرحلة زمنية، ثم نجد من بين هذه الخصائص خاصية جوهرية مميزة هي العلامة الدالة على النوع الدرامي السائد مثل جلال الشخصيات وعظاميتها في التراجيديا اليونانية ثم نجد لكل نوع درامي وظيفة عبر نظريته، وهي مسألة متممة لنظرية كل عصر.

 

وهي في التراجيديا الإغريقية الوظيقه الأشهر، والتي تتردد عن الدراما حتى الآن بينما هي وظيفة خاصة حصريا بالنوع الدرامي التراجيدي الإغريقي، إنها وظيفة التطهير عبر إثارة عاطفتي الخوف والشفقة، الخوف من أن تأخذنا أقدارنا الإنسانية إلى مصير البطل، والشفقة عليه من معاناته، وعبر ذلك تتم مسألة التطهير من العواطف الضارة مما يؤدي إلى استقرار المجتمع، وكان ذلك في صلة مباشرة بمسألة الوسط الذهبي الإغريقي الذي حكم اليونان القديمة. وهكذا تصبح لكل نظرية ونوع درامي عبر التاريخ خصائص وجوهر ووظيفة.

 

وبالتالي فالسؤال المطروح على الدراما المصرية ومستقبلها، هو سؤال يجب عليه أن يتأمل وظيفتها المستهدفة وخصائصها المتاحة وجوهرها المميز، والذي إختفى في السنـــــــــوات الأخيــــــــرة. وتلك الأسئلة مطروحة أيضاً على الحوار الدولي العام عن الذكاء الاصطناعي وصلته القادرة على إنتاج الإبداع والفكر. وبطرح السؤال مجدداً على التاريخ الدرامي تأتي الإجابة عن النوع المسرحي الأشهر درامياً والأقرب لمفهوم الآلية والنماذج المتكررة والذي حدث أن ظهر مع ظهور الكاتب المسرحي الفرنسي الشهير يوجين سكريب (1815: 1861). وهو الذي أسس لما عرف خلال أواخر القرن التاسع عشر بالمسرحية جيدة الصنع وظل سمة أساسية من سمات الدراما خلال القرن العشرين. والذي تم تضيفه بالفرنسية على أنـــــــــه la pièce bien faite وبالإنجليزية Well-Made Play، إنها طريقة متكررة ذات طابع آلى، والمسرحيات فيها عبارة عن دراما ذات بنية موحدة، مع تركيز ضئيل على الشخصيات والأفكار، وذلك عبر حبكات درامية متكررة وجيدة ومنطقية، تقوم بعملية إخضاع الشخصيات لسير الحدث المتكرر، والوصول للنهاية والتي غالبا ما يجب أن تكون سعيدة وبطريقة عملية نمطية متكررة. وتلك الحبكات جيدة الصنع القائمة على التشويق والإثارة والتوتر امتدت بلا شك إلى أفلام الحركة في هوليوود، وقبل ذلك حضرت بارزة في الدراما الإنجليزية والتي هي الدراما التليفزيونية الأولى في شبكة هيئة الإذاعة البريطانية، والتي إنطلقت بتلك الصفات والتي غلب عليها الطابع العائلي والاجتماعي في أوروبا وأمريكا أيضا.

 

ثم قام الكاتب النرويجي العالمي بتغيير ذلك النمط وتمرد عليه مع نشأة الدراما الحديثة، إنه هنريك إبسن (1828 : 1906)، والذي أخذ نموذج المسرحية محكمة الصنع وأعاد إطلاق الروح الإنسانية فيه لتتجدد الأفكار وتتغير النهايات. وتحل القيم الفكرية والجمالية المتنوعة حاضرة، ولذلك فهو والد المسرحية الحديثة الذي كسر نمط الدراما محكمة الصنـــع ذات الطابع الآلي.

 

وهكذا فالتواصل التاريخي يجعلنا نؤكد عبر درسه العميق، أن النموذج الآلي النمطي المكرر سواء تم بواسطة الإنسان أو الآلة ليس هـو التعبير الحقيقي عن الإبداع الإنساني. فالذكاء الاصطناعي والحرفي الماهر القادر على التقليد معا كان فردا أو آلة لا يستطيع أن يحل محل إبداع البشر. وهي أسئلة وتأملات ذات صلة بمستقبل الدراما حول العالم وبالتأكيد بمستقبل الدراما المصرية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز