
عاجل.. يوسف طراوب.. يهودي لم يعترف بإسرائيل وعاش ومات لبنانيًا

عادل عبدالمحسن
قبل شهرين تقريبًا، رحل عن عالمنا الناقد الفني، وصانع الأفلام، وممثل المسرح الحديث، والرجل الذي وُصف بأنه "آخر يهودي" في لبنان.
عاش اليهود بين العرب بدون تفرقة ولا عنصرية
إنه الفنان اليهودي يوسف طراوب الذي ولد في العاصمة اللبنانية بيروت، التي "جمعت كل الناس من دون تمييز أو تفرقة دينية".
حصل طراوب على شهادات في عدة تخصصات في فرنسا، وكتب أول مقال له في صحيفة "لوريان" عن معرض فني "لم يزره أحد بسبب ثورة مايو 1968".
عاش معظم حياته في محافظة الحمرا خلال الحرب الأهلية عام 1975 وبعدها، ثم انتقل إلى جونيه في السنوات الأخيرة.
لمع نجمه في صفحات صحيفة "لوريان لو جور" كأحد أبرز نقاد الحركة الفنية على مدى عقود.
توقف عن الكتابة في عام 2004، لكنه واصل نشاطه الإبداعي، مساهمًا في افتتاح المعارض، ومشرفًا على نشر الكتب الفنية وكتابة مقدماتها.
رحل طراوب تاركا وراءه إرثا كبيرا من الكتب والمقالات التي كتبها في الصحف الناطقة بالفرنسية، وخاصة صحيفة لوريان لو جور.
نعت جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت الفنان يوسف طراوب قائلة: "لقد عاصر يوسف طراوب مراحل مهمة في تاريخ الفن في لبنان، وساهم بإخلاص في تحقيق الإبداع الحديث الذي سيبقى رؤية متألقة للبلد الذي أحبه بصدق".
يوسف طراوب، الرجل الذي أسس وبنى هرمًا ثقافيًا، وسيبقى تأثيره على الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين محفورًا في الذاكرة الوطنية. لقد صنع طراب تاريخًا ثقافيًا في لبنان، مساهمًا في نشوء الحداثة الفنية والفكرية، ومنح البلاد رؤية واضحة تتجلى في الفضاء الثقافي اللبناني وزخماً إبداعياً سيستمر طويلاً.
وتجسدت رؤيته الثاقبة للمجتمع في نقده البناء والتزامه بحرية التعبير، مما أدى إلى تأجيج حقبة غنية بالتحول، عند مفترق طرق التقاليد والابتكار.
فخور بأنني لبناني
كان فخورًا بهويته اللبنانية وانتمائه العربي المشرقي ولم يعترف بإسرائيل كدولة لليهود.
كان حفيدًا لأحد أبرز حاخامات الجالية اليهودية في بيروت، يوسف الطراوب، الذي رفض مغادرة لبنان أثناء الحرب وظل ملتزمًا بالدفاع عن القضية الفلسطينية.
بالنسبة له، كانت بيروت "نقطة التقاء أشخاص من خلفيات سياسية مختلفة" قبل الانقسامات الاجتماعية والحرب وظهور الميليشيات. فبقي بين أهلها حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، حين قُتل عدد من اليهود اللبنانيين. وأُجبر على ترك منزله في منطقة فردان والسكن في منطقة جونيه.
وعندما سئل عن سبب رحيله من لبنان، أجاب أنه ذهب إلى فرنسا لكنه عاد بسبب الشمس والطبيعة والمساحة الشاسعة للبنان.
وبالإضافة إلى ذلك، طلب منه الصحفي جورج نكاشيه إدارة ملحق ثقافي واقتصادي لصحيفة "لوريان لو جور".
كان يعرف عدة لغات، وكان واسع الثقافة، ومثقفًا. قبل الانخراط في الكتابة النقدية، درس طراوب الفلسفة وعلم الاجتماع والاقتصاد.
قام بتوثيق المشهد الفني والبصري اللبناني يوميًا في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات.
كان فنانًا حداثيًا وعاصر فترات مهمة في تاريخ الفن اللبناني.
ساهم مع نصحي خاطر، سيزار نمور، سمير ساج، سيلفيا أجميان، فيصل سلطان ومها سلطان في تأسيس جمعية نقاد الفنون الجميلة في لبنان.
واستمر في إبداعه وواصل الكتابة والعمل والاجتهاد في عمله في معهد جوته وفي الصحافة حتى توقف عن العمل هناك في عام 2004.
كما أشرف على إصدار الكتب الفنية وكتابة مقدماتها، وساهم في افتتاح المعارض، وكان آخرها معرض مقام مع صالح بركات عام 2009، الذي حاول إعادة الهيبة لسوق الفنون التشكيلية.
ومن الممكن أن غياب تجربته المسرحية يعود لانشغاله بالفنون التشكيلية التي طغت على تجربته المسرحية.