
مصر كانت أكثر حرصا من شمال السودان على عدم انفصال الجنوب
اللواء حاتم باشات رئيس لجنة الشئون الإفريقية بالبرلمان الأسبق والقنصل المصرى العام السابق بالسودان: الحرب فى السودان هدفها «فصل دارفور»

أجرى الحوار: أحمد إمبابى
بدخول الحرب السودانية، عامها الثالث، مازالت تساؤلات المصير فى السودان مطروحة، أمام تطورات ميدانية متلاحقة لهذه الحرب، وفاتورة متضاعفة على الشعب السودانى، فرغم أن الجيش السودانى، حقق تقدماً ميدانيا الفترة الأخيرة، استعاد به ولايات مهمة، ومواقع حيوية، أهمها ولاية الجزيرة، والعاصمة الخرطوم، إلا أن الصراع يتجه إلى مرحلة جديدة، فى مواجهة ربما تكون حاسمة، فى إقليم دارفور.
سيناريوهات عديدة مطروحة أمام الوضع فى السودان، مع إخفاق التدخلات الدولية والإقليمية فى وضع حد للنزاع المسلح القائم، من هذا المنطلق، تأتى أهمية الحوار مع اللواء حاتم باشات، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب الأسبق، وقنصل مصر العام السابق فى السودان، والذي أشار إلى أن «الهدف الأساسى من تلك الحرب هو فصل دارفور وغرب السودان».
واعتبر باشات فى حوار خاص، أن الحرب السودانية، تستهدف الإضرار بمصر وأمنها القومى، مشيرا إلى أن القاهرة تريد الحفاظ على كيان الدولة السودانية وتدعم مؤسساتها الوطنية، وقال: إن مصر كانت أكثر حرصاً على وحدة السودان وعدم انفصال الجنوب، من شمال السودان.
الحديث مع اللواء باشات، تطرق لملفات أفريقية أخرى، بداية من التوترات فى البحر الأحمر، حيث أشار إلى حرص مصر لاستقرار منطقة القرن الأفريقى، لحماية حركة الملاحة فى قناة السويس، وتطرق أيضا لملف الأمن المائى المصري، وقال: إن «سد النهضة، غرضه الإضرار بالسد العالى فى مصر، وتهديد الحقوق المائية المصرية».

ووفق تقدير اللواء باشات، فإن العلاقات المصرية الأفريقية تحسنت كثيراً فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، وعاد الدور المصري بقوة لمحيطه القاري.. وإلى نص الحوار:
■ نبدأ حوارنا بتناول تطورات الأزمة السودانية، بعد مرور عامين على الحرب الداخلية، ما تقديرك لوضع هذه الحرب مع دخولها العام الثالث؟
- الوضع الحالى فى السودان لا يسر، والوضع السياسى مرتبك داخليا، رغم التقدم الميدانى الذي يحققه الجيش السودانى، بانتصاراته الأخيرة، وحاليا بدأت القوات المسلحة تسيطر على مناطق مهمة فى العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، كانت تسيطر عليها «الدعم السريع»، ومن أبرزها استرداد القصر الجمهوري.
بعد هذه التطورات، اتجهت قوات «الدعم السريع» نحو الغرب، وهذه ليست معناها نهاية الحرب، أو بداية نهاية الحرب، ولكن من وجهة نظرى، هى نهاية مرحلة، خصوصا أن «الدعم السريع» اتجهت نحو الغرب، باعتبارها الحاضنة القبلية لها، ومن وجهة نظرى، هذه الأحداث الغرض منها هو «فصل غرب السودان».
■ لماذا تضع هذا السيناريو؟
- فى رأيى، أن هذه الحرب تم اختلاقها بهدف فصل غرب السودان، كما تابعنا سيناريو جنوب السودان، حيث انفصل الجنوب، بعد واحدة من أطول الحروب الأهلية فى التاريخ، ما بين الحكومة السودانية ومنطقة الجنوب، وحاليا انتقلت النظرة من الجنوب إلى الغرب فى دارفور.
وأنا أتابع تقارير دولية عديدة، تشير إلى أن الغرض مما يحدث فى السودان، من توترات ونزاعات داخلية، هو فصل السودان إلى 5 أقاليم، على مدى سنوات طويلة.
■ هذا السيناريو رددته نخب سياسية سودانية، فى رأيك هل هناك مؤامرة دولية على السودان؟
- المستفيدون من حالة الصراع والنزاع فى السودان، أطراف كثيرة، لأن السودان مليىء بالخيرات والثروات، ما بين معادن مثل الذهب واليورانيوم والصمغ العربى، والثروة الزراعية والحيوانية.
وما يؤكد ذلك، أنه عندما فرضت الدول الغربية، الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات على السودان فى فترة تسعينيات القرن الماضى، بتهمة تمويل الإرهاب، أوقفت الصادرات السودانية، ما عدا «الصمغ العربي»، نظرا لاستخدامه فى صناعات كثيرة منها مثلا المشروبات الغازية بنسب 90%.
■ ما الأطراف الدولية التي تقف خلف مخطط المؤامرة على السودان؟
- هناك قوى دولية غربية، وبالتنسيق مع قوى وأطراف إقليمية، تستهدف ثروات السودان، على غرار أسلوب الاستعمارى القديم فى أفريقيا.
والأطراف التي تدعم «الدعم السريع» فى الحرب الحالية، أصبحت الحكومة السودانية على علم بها، وبتحركاتها.
■ لماذا تفترض سيناريو فصل غرب السودان؟
- خلال فترة عملى فى السفارة المصرية بالسودان، ومن خلال متابعتى لتطورات ملف السودان، هناك أهداف مستمرة، لإشعال هذه المنطقة بالصراعات، خصوصا الصراعات القبلية، غير محاولات السيطرة على الثروات.
وانسحاب الدعم السريع، إلى منطقة دارفور فى غرب السودان، لتعزيز موقعها، ومحاولة الإعلان أن هناك سلطة موجودة فى المنطقة، وبعدها الإعلان عن فصل منطقة الغرب.
■ هل دعوات «الدعم السريع» لتشكيل حكومة موازية مؤخرا من نيروبى، يأتى لتحقيق هذا السيناريو؟
- المجتمع الدولى حاليا، موقفه غير واضح بشأن ما يحدث فى السودان، لأن من يحدد هذا الموقف، صيغة الوضع العسكرى على الأرض، فمؤخراً هناك انتصارات للجيش ميدانياً، وبالتالى ليس من المنطقى الإعلان عن حكومة موازية من خارج السودان.
لكن الإعلان عن حكومة موازية من منطقة غرب السودان، سيكون الوضع مختلفا، خصوصا مع الدعم الخفى الذي يقدم لميليشيا «الدعم السريع».
■ ما خطورة الإعلان عن حكومة موازية فى غرب السودان؟
- هذا ما نحذر منه، لأن له تأثيرات على الأمن القومى المصري، وفى الفترة الماضية، من الواضح أن هناك دعما مصريا للمؤسسات الوطنية السودانية.
ومنذ اندلاع الحرب فى منتصف أبريل 2023، لا توجد قوى دولية، أعلنت موقفا لحماية الأمن القومى المصري، ومن البديهى أن تتخذ مصر، موقفًا لحماية أمنها القومى، بدعم المؤسسات الوطنية فى السودان.
■ ذكرت أن موقف المجتمع الدولى غير واضح، هل أزمة السودان أصبحت منسية من المجتمع الدولى؟
- الواقع أن هناك صراعات عديدة وتوترات قائمة فى المنطقة، كالوضع فى ليبيا، ثم السودان، وقبلهما فى اليمن وسوريا، وعندما جاءت الحرب الروسية الأوكرانية، طغى الاهتمام الدولى بها، ثم جاء العدوان على قطاع غزة، والتي أخذت الاهتمام الأكبر، وتناسى المجتمع الدولى باقى الصراعات والأزمات الأخرى، باعتبار أن هناك أولويات لدى المجتمع الدولي.
■ هل تناسى المجتمع الدولى لأزمة السودان، أثر على فرص الحل؟
- نعم يؤثر على فرص الحل، لأن كل طرف فى الحرب، يتمادى فى التسليح وحشد قواته وتمويله، فهناك مثلا تساؤلات حول أسباب زيادة أعداد عناصر الدعم السريع، وتسليحها.
■ هل تتوقع وجود مستقبل سياسى أو عسكرى لميليشيا الدعم السريع؟
- الدعم الشعبى فى السودان، مع الجيش السودانى، لأن ما حدث من ميليشيا الدعم السريع فى الحرب، كان مأساة ولحظات لا تنسى للشعب السودانى، بسبب الجرائم التي ارتكبت، وتحتاج إلى تأهيل نفسى خصوصا للأطفال والسيدات.
■ هناك تقديرات ترى أن الحرب فى السودان، هدفها الإضرار بالأمن القومى المصري، هل تؤيد ذلك؟
- بالتأكيد، لأن السودان العمق الاستراتيجى لمصر، وجميع الحدود المصرية مهددة، ومصر فى وضع مستقر، وجاذبة للاستثمار.
ومصر سعت قبل اندلاع الحرب الحالية، لتجنب الوصول إليها، مع الأطراف السودانية، لأن الحفاظ على الكيان السودانى، مبدأ موجود منذ عقود قديمة.
ومصر حريصة طوال الوقت على وحدة السودان، وعندما حدث انفصال الجنوب، كانت مصر أكثر حرصاً على وحدة السودان وعدم انفصال الجنوب من شمال السودان، وأنا شاهد على ذلك الأمر.
وكان الموقف المصري طوال الوقت، موقفا شريفا، ولم نعاون أى طرف، سواء جنوباً أو شمالاً «بطلقة رصاص واحدة»، والمعارضة السودانية كانت تتواجد بمكتب لها فى القاهرة، كاستضافة، ولكن دون التدخل فى الشأن الداخلى بالسودان، أو دعم أى طرف على حساب الآخر.
وفى حالة الحرب الحالية، سنجد مصر الدولة الوحيدة فى المنطقة، التي تقدم تسهيلات للسودانيين على أرضها.
■ بماذا تقيم التدخلات الدولية والمبادرات المختلفة، لماذا لم تنجح فى وقف الحرب فى السودان؟
- السبب الأول أن القوى المتصارعة، لا ترغب فى وقف الحرب، الأمر الآخر الخوف من المحاسبة، من الطرف الخاسر، حال وقف الحرب، وهذا كله موضوع فى الاعتبار، بجانب هناك قوى دولية لا تريد وقف الحرب، لأنها دول مستفيدة، وخيرات السودان تنهب لصالحهم، ووقف الحرب، معناه أن هذه الخيرات ستذهب لأصحابها.
■ هل معنى ذلك، أن خيار الحسم العسكرى، هو الخيار الوحيد لوقف الحرب؟
- عامل مساعد قوى جداً، فى الحرب، لأننا تابعنا مع انتصارات الجيش الأخيرة، تزايد الدعم الشعبى للجيش السوداني.
القرن الأفريقى
■ من السودان ننتقل إلى الوضع فى منطقة القرن الأفريقى، والتوترات فى البحر الأحمر، كيف تتابع تأثيرات ذلك على الأمن القومى المصري؟
- هناك تأثيرات بسبب أحداث القرصنة الموجودة فى البحر الأحمر، والتأثيرات على حركة الملاحة فى قناة السويس، وانعكاس ذلك على حركة التجارة الدولية.
ومن هنا يأتى الموقف المصري الرافض لأى توترات بتلك المنطقة.
ومصر تمتلك علاقات جيدة مع دول القرن الأفريقى، كما تابعنا مستوى الشراكة الاستراتيجية مع الصومال، وأيضا التنسيق مع إريتريا وجيبوتى، لقطع الطريق أمام أى تدخل فى المنطقة.
■ كيف ترى الموقف المصري الرافض لأى تواجد أى دولة غير مشاطئة للبحر الأحمر، للمشاركة فى تأمينه؟
- لأننا قادرون على حماية الملاحة وأمن البحر الأحمر.
وحفاظا على استقرار تلك المنطقة، من المهم أن تكون مصر متواجده بقوة فى تلك المنطقة، ولمنع أى تطورات عسكرية فى تلك المنطقة، خصوصا مع التطورات التي تشهدها تلك المنطقة والتي تنذر بأخطار، وبالتالى الهدف عدم تصاعد الوضع الحالى.
حوض النيل
■ ننتقل إلى ملف حوض النيل، كيف ترى أهمية تعزيز مصر لعلاقات الشراكة مع دول حوض النيل الجنوبى؟
- الأمن القومى لنهر النيل، حياة أو موت، وهو حق وجودى لمصر، وحق للأجيال القادمة، والأمن المائى حق قانونى تاريخى وربانى.
ونهر النيل يعتبر شريان حياة، ولا نستطيع الاستغناء عنه فى مصر، وموقفنا ثابت فى هذا الأمر، بضرورة الحفاظ على حقوق مصر المائية ونسبتها من مياه النيل، مهما كانت هناك اتفاقيات تسعى بعض الأطراف لتنفيذها، مثل اتفاقية (عنتيبى).
■ كيف تنظر لوضعية سد النهضة حاليا، هل أصبح أمراً واقعاً؟
- القوى الاستعمارية تحاول أن تؤثر على المصالح المصرية وأمننا القومى، لأن هذا السد، هناك محاولات لإنشائه منذ عام 1964، وتحديدا منذ إنشاء مصر لمشروع السد العالى، وهناك محاولات للتأثير على مصر.
■ هل معنى ذلك، أن سد النهضة، الهدف منه التأثير على السد العالى؟
- نعم، إقامة سد النهضة هدفه التأثير على الحقوق المائية المصرية، وتهديد الأمن المائى المصري، والتأثير على السد العالى فى مصر، وهناك مركز دراسات أمريكى إثيوبى، أنشئ فى فترة الستينيات فى أديس أبابا، لدراسة إقامة سلسلة من السدود فى إثيوبيا.
وأقامت إثيوبيا عديدا من السدود طوال تلك الفترة، ولكنها تتعرض للانهيار بسبب الطبيعة الجبلية هناك، وحاليا بإنشاء سد النهضة، مازال هذا السد عرضة للانهيار، وهذا سيناريو خطر للغاية، لأنه سيؤدى مثلا إلى غرق العاصمة السودانية الخرطوم فى خلال 20 دقيقة، وربما يغير مجرى نهر النيل.
■ بماذا ترى التحركات المصرية الأخيرة، لتعزيز علاقاتها مع دول حوض النيل الجنوبى؟
- هناك تنسيق وتعاون وتبادل معلومات، وتوافق فى الرؤى مع دول حوض النيل، بشأن الأمن المائى المصري.
ويجب أن يكون هناك تحركات مستمرة لتوضيح الحقوق المائية المصرية، ومخاطر السد على الأمن المائى المصري، فمثلا عندما كنت عضوا فى البرلمان الأفريقى، كان كثير من أعضائه ليس لديه معرفة حقيقية بواقع الأزمة، وتأثيرات السد الإثيوبى على مصر والسودان، وهذا يعنى أن كثيرا من الدول الأفريقية لا تعلم حقيقة مخاطر السد الإثيوبى على مصر، وهذا يعكس أن هناك تقصيرا فى التواصل الدبلوماسى لتوضيح حقيقة الأمر لدى الدول الأفريقية.
العلاقات المصرية الأفريقية
■ نتابع فى السنوات الأخيرة، رؤية مختلفة للتعاون المصري الأفريقى، وظهر ذلك من خلال الزيارات الرئيسية لدول عديدة بالقارة، بمختلف أقاليم أفريقيا الخمسة، كيف ترى ذلك؟
- الرئيس عبد الفتاح السيسى، أول رئيس مصري، يزور الدول الأفريقية، بجولات فى دول مختلفة يقيم فيها لعدة أيام ، وليست زيارات لمدة يوم واحد، وهذا كان له مردود كبير لدى الدول والشعوب الأفريقية.
ولو نظرنا لمسار العلاقات المصرية الأفريقية، كانت فى عهد عبد الناصر، لمصر علاقات قوية جدا وحضور كبير بالدول الأفريقية، ولكن تراجع هذا الدور وصولا لفترة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث كانت هناك قوة تريد إبعاد مصر عن محيطها الأفريقى، ولكن بتولى الرئيس السيسي المسؤولية بعد ثورة 30 يونيو، ظهر الدور المصري من جديد فى القارة الأفريقية، وكنت شاهداً على ذلك أثناء وجودى فى البرلمان الأفريقى، وخلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى عام 2019.
ومن النقاط المهمة، خلال رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى، تعاملت مصر بنزاهة، حيث لم تطرح وقتها أى أمر يخص مصالح مصر، مثل قضية سد النهضة، ولكن كان التركيز طوال الوقت الحديث باسم أفريقيا ومصالحها وقضاياها المختلفة.

■ فى رأيك ما المسارات التي اتخذتها مصر لتعزيز علاقاتها الأفريقية؟
- تنوعت التحركات المصرية، خلال السنوات الأخيرة، فمثلا الرئيس عبد الفتاح السيسى، كان حريصاً على تخصيص لجنة للشؤون الأفريقية فى البرلمان، وكان لها تأثير قوى جدا، كما كان هناك حرص من الرئيس السيسى، خلال زياراته الأفريقية على مخاطبة الشعوب الأفريقية، من خلال برلمانات هذه الدول، وهذا كان له تأثير كبير أيضاً، ويجب استثماره دبلوماسيا، بتعميق التعاون والشراكة مع الدول الأفريقية.