عاجل
الجمعة 2 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

شحاتة زكريا يكتب: ترمب وأوهام المرور المجاني.. قناة السويس مصرية شاء من شاء وأبى من أبى

في أحدث فصول الهزل السياسي الذي لا ينتهي خرج علينا دونالد ترمب بتصريح غريب جديد، يطالب فيه بأن تمر السفن الأمريكية العسكرية والتجارية، مجانا عبر قناتي بنما والسويس.



وعلى الرغم من أن مثل هذا التصريح قد يُثير الابتسامة سخرية فإن خلفه يكمن منطق استعماري قديم يحاول أن يعود في ثياب جديدة.

بداية يجب أن يكون واضحا لكل من يعنيه الأمر: قناة السويس ليست بحيرة دولية ولا ممرا مشاعا بل شريان سيادي مصري خالص.

هي أرض مصرية حُفرت بدماء أبنائها وقُدمت لها التضحيات جيلا بعد جيل. فكيف لمنطق عاقل أن يتقبل مرور سفن عسكرية أجنبية مجانا عبر قناة مملوكة لدولة ذات سيادة؟!

إن مجرد طرح مثل هذا الطلب وقاحة سياسية لا تغتفر. هو إحياء لفكرة "الباب المفتوح" الاستعمارية حيث ترى بعض القوى الكبرى أن لها الحق في الاستفادة من خيرات العالم دون مقابل. وهو منطق لا مكان له اليوم في زمن تتغير فيه موازين القوى وتستعيد فيه الدول الكبرى ومنها مصر قرارها وإرادتها الحرة.

ثم بأي حق تطالب الولايات المتحدة بالمرور المجاني؟ هل لأن قناة السويس ملك لها؟ أم لأن دماء جنودها روت ترابها؟ أم لأن أموالها حفرت المجرى المائي؟! لا هذا ولا ذاك. القناة حُفرت بجهد المصريين وحدهم، وأُعيدت إلى أحضان مصر بقرار وطني خالص في عام 1956، وتحمّلت مصر وحدها تبعات التأميم من عدوان ثلاثي إلى حروب مستمرة دفاعا عن سيادتها وقرارها.

بل إن مصر التزمت دائما بقواعد القانون الدولي المنظم لحركة الملاحة في القناة وفق اتفاقية القسطنطينية عام 1888 التي تضمن حرية الملاحة لجميع الدول ولكن بشروط واضحة وعلى رأسها احترام سيادة مصر ودفع الرسوم المقررة. لا توجد في القانون الدولي مادة واحدة تجبر مصر على التنازل عن رسوم عبور القناة لأي دولة كانت.

أما القول بأن قناة بنما أيضا يجب أن تكون ممرا مجانيا فهو أمر يعني بنما وحدها لكنه يُظهر بوضوح العقلية التي يتحدث بها ترمب: عقلية الاستحواذ والبلطجة الدولية وكأن العالم مزرعة خلفية تابعة لواشنطن.

مصر اليوم ليست دولة يمكن ابتزازها بتصريح أرعن أو تهديد أجوف. مصر اليوم دولة صلبة تعرف قيمة قناة السويس كأهم شريان ملاحي في العالم ، وتدرك أن الحفاظ على سيادتها عليه هو جزء من الحفاظ على كرامتها الوطنية.

ثم إن هذا التصريح في توقيته يعكس فزع الإدارة الأمريكية ومؤسساتها من التحولات الجيوسياسية الكبرى التي تشهدها منطقتنا. مصر اليوم تتحرك بثقة نحو شراكات أوسع مع الصين، وروسيا، ودول الجنوب العالمي، وترسم ملامح مستقبل اقتصادي جديد بعيدا عن الهيمنة الأمريكية القديمة.

في النهاية.فإن تصريحات ترمب وإن كانت في ظاهرها مجرد كلمات متناثرة في الهواء إلا أنها تكشف قلقا أمريكيا متصاعدا من فقدان أدوات السيطرة ومن تحرر الإرادات الوطنية الحقيقية في منطقتنا وفي مقدمتها مصر.

ورسالتنا واضحة وبسيطة وصارمة:

من أراد عبور قناة السويس فليدفع الرسوم المقررة.

ومن حلم بالمرور مجانا فليصحو من أوهامه أو فليبحث عن طريق آخر.

فقناة السويس مصرية.. وستظل مصرية.. إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز