

صبرى الديب
الدور الأمريكي القذر في غزة
للأسف، إن المتدبر في أمر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، خلال الحرب على غزة، وتحديدًا منذ أكتوبر 2023، يستطيع أن يكتشف بسهولة أن الدعم الذي وفرته إدارتا بايدن وترامب لتل أبيب لم يتوقف على الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الضخم المُعلن، بل تعدى خلف الكواليس ما هو أقذر من ذلك بمراحل، وتحديدًا بمد الجيش الصهيوني بتقنيات دقيقة ترتبط بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، ساهمت في استهداف وقتل آلاف الأبرياء العزل في غزة.
وغير أن ما يدعو للاستغراب في أمر الدعم الأمريكي الخفي لإسرائيل، هو الدور المساند والفعال والقذر الذي لعبته شركات تكنولوجية كبرى مثل "جوجل، وأمازون، وأوبن إيه آي، ومايكروسوفت، وبالانتير تكنولوجيز، وسيسكو، وآي بي إم"، والتي حوّلت مقوماتها بعنصرية مقيتة، من أدوات لخدمة البشرية، إلى سلاح فتاك لقتل آلاف الأطفال والنساء الأبرياء في غزة.
وتعود قصة التعاون القذر بين شركات التكنولوجيا الأمريكية وجيش الاحتلال الصهيوني إلى منتصف عام 2021، حين استعانت تل أبيب بعدد من تلك الشركات لاستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عملية استهدفت تجمعًا فلسطينيًا في قطاع غزة، أسفرت في ذلك الحين عن سقوط 261 شهيدًا وما يزيد على 2000 جريح.
المذهل أن النتائج الكارثية للعملية لم تؤرق ضمائر أي من صناع القرار في واشنطن أو تل أبيب في ذلك الحين، بل رأوا في استخدام التكنولوجيا الأمريكية الجديدة نجاحًا مذهلًا، وسلاحًا سحريًا لقتل وإبادة الفلسطينيين، وسارعوا لإنشاء منصة تكنولوجية إسرائيلية متقدمة للذكاء الاصطناعي، تخصصت في جمع وتدقيق المعلومات حول كل ما يتعلق بفصائل المقاومة الفلسطينية، بدعم من وحدة النخبة "8200" بالمخابرات العسكرية الإسرائيلية. غير أن الفشل الإسرائيلي في أكتوبر 2023 دفع واشنطن وتل أبيب للتعاون بشكل أكبر في هذا المجال.
ويُمكن القول إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الحديثة التي وفرها الأمريكان للجيش الصهيوني قد مكنته من مضاعفة قوته بشكل كبير، لاسيما في عمليات الطائرات بدون طيار، وجمع بيانات المراقبة، وتحديد الأهداف بشكل فائق الدقة، لدرجة أن الجنود الإسرائيليين اعتمدوا عليها خلال المعركة بشكل أساسي ودون تردد، واعتبروا توجيهاتها كقرار بشري صائب، لا يستغرق لمراجعة الهدف قبل القصف أكثر من 20 ثانية، مما مكنهم ــ طبقًا لاعترافاتهم ــ من استهداف أكثر من 37 ألف فلسطيني في غزة.
الواقع يقول إن الأمريكان قد زودوا الجيش الصهيوني بـ3 أنظمة للذكاء الاصطناعي تعمل بشكل متكامل، أولها نظام "الإنجيل" الذي يحدد المباني التي تستخدمها الفصائل الفلسطينية، وثانيها نظام "لافندر" الذي يحلل البيانات والصور ويحدد أماكن المقاتلين الفلسطينيين، وثالثها نظام "أين أبي" الذي يرسل الأهداف والمراد قصفها لقادة الجيش حتى في منازلهم.
غير أن المؤسف أن عمل بعض الأنظمة لم يكن عند حسن ظن الإسرائيليين، خاصة نظام "لافندر" الذي طورته وحدة 8200 الاستخباراتية الإسرائيلية، والذي أخطأ الآلاف من المرات في تحديد هوية المقاتلين الفلسطينيين، ومنح الإسرائيليين معلومات مغلوطة، قتلوا بموجبها الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ في غزة.
يبقى القول إنه رغم بشاعة الكارثة وسقوط نحو 52 ألف بريء في غزة، فلا الأخطاء في أنظمة الذكاء الاصطناعي أغضبت الصهاينة، ولا جثث ودماء الأطفال الفلسطينيين العزل روعت شركات التكنولوجيا الأمريكية، وما زالت إسرائيل تقتل، والدعم من الإدارة والشركات الأمريكية يتدفق على تل أبيب.. وحسبي الله ونعم الوكيل.. وكفى.