عاجل
السبت 19 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
ثورة 30 يونيو مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
12 عامًا على  ثورة الخلاص "

12 عامًا على ثورة الخلاص "

فى 30 يونيو 2013 أجبر عبد الفتاح السيسي حركة الزمن على تغيير الاتجاه، متحملًا بشجاعة قرار مواجهة عدو كان فى طريقه بالدولة إلى الجحيم. 



نزل عبد الفتاح السيسي الشارع.. نزولًا على إرادة المصريين.

وقتها توقف الزمن، قبل أن تعود عقارب الساعة  لحساب الوقت.. فى توقيت جديد.

فى 3 يوليو 2013، أعاد عبد الفتاح السيسي رسم الخرائط فى مواجهة عجلة نارية كانت قد انطلقت لإعادة ترسيم الشرق الأوسط، من بقع مختلفة على الخريطة، فى بروفات ما قبل افتتاحية، فى الطريق إلى مصر.

بدأ مخطط الربيع العربى بتفاعلات شيطانية فى معامل انتشرت على رقعة العالم، من أقصى الغرب لأقصى الشرق. فى تلك المعامل عملوا على تسخين الربيع العربى، وأضافوا إلى الفكرة خلطات سامة، وغازات سامة، مستهدفين إعادة ترتيب مقاعد القيادة فى دول المنطقة. 

 

لم تكن النوايا خالصة، ولا كانت السجايا تبتغى رضا الله. 

الفكرة الجهنمية كانت فى ابتكار الطرق لتفجير الدول من الداخل، وكانت اللقطة فى استخدام الشعوب نفسها فى إسقاط الدول. 

استغرقت معادلات الربيع العربي فى الإعداد فترات، لترتكز على إطلاق يد التيارات الإسلامية المتطرفة فى تجارب مقننة، ودفعها إلى قمم القيادة فى الشرق الأوسط.. لأكثر من هدف، ولأكثر من سبب.

كل الأسباب كانت ساذجة خالية من المعنى، خصوصًا مع الاعتقاد فى إمكانية تسكين جماعات الإسلام المتطرف، وشرعنتها فى دول المنطقة، خصوصًا فى مصر. 

لم تخل الفكرة من حماقة، لأن هناك من فى الغرب من اعتقدوا فى إمكانية قبول المصريين باعتلاء جماعات الإسلام المتطرف على رأسها الإخوان كرسى الحكم، واستمرار تلك الجماعات على  قمم الحكومة خصوصًا فى القاهرة. 

ولم تخل الفكرة من سذاجة، خصوصًا مع افتراض أنه يمكن اعتماد جماعات الإسلام الراديكالى بديلًا ممكنًا لتولى الأمور فى شارع مصري ذي طبيعة خاصة، وذي خصوصية دينية تستمد وسطيتها من اعتبارات تاريخية.

-1- 

على مر التاريخ، صنع المصري لنفسه دينًا وسطًا، لا هو يميل ناحية اليمين، ولا هو يجنح ناحية اليسار. 

خصوصية التدين المصري هى التي جعلت من البسطاء أنفسهم حائط صد، لألوان من التطرف الدينى، وحجر عثرة لأى من محاولات صبغ الدين بإسلام مسيس أو تطرف متخفٍ.

استقل المصري بإسلام عادي.. بلا مبالغة.. ولا تشدد. 

لذلك وقف الشارع المصري بخصوصيته تلك، أكثر من وقفة، فى أكثر من محطة تاريخية فى مواجهة الراديكالية الدينية.. بأفكارها الضيقة، وأفقها الأضيق، الذي يضيق الحياة، ويقلل الرغبة فيها، ويقدم الله سبحانه وتعالى بصورة هى الأخرى ضيقة، ويتعبد إلى الله على أشكال هى الأخرى مغلوطة. 

-2- 

يروى أن سال عمر بن الخطاب ابن عباس (رضى الله عنهما) قال: على ماذا يختلف الناس من بعدنا.. ورسولنا واحد.. وقرآننا واحد؟

قال ابن عباس: سيأتى قوم من بعدنا يقرءون القرآن، ولا يعرفون فيما نزل، فيؤولونه، ثم يختلفون فيما أولوا.. ثم يقتتلون على ما اختلفوا فيه!

والجهاد أكثر المختلف عليه فى الإسلام. 

سبب الاختلاف أن هناك من جماعات التطرف من استغل المفهوم فى تحقيق أغراض الدنيا.. لا أغراض الدين.  وسببها أن هناك من تاجر بمفهوم الجهاد، فقلب الحقائق، وأعاد تأويل مراد الله، فعمل على قتل الأبرياء، وإراقة الدماء، وتدمير الأوطان، وإسقاط الدول، بدعوى أوامر كتاب الله، وبحجة انتهاج سنة رسول الله. 

عكس التطرف الدينى مفهوم الجهاد، فابتعد به عن مراد الله، وباعد بينه وبين المقصود منه، فقتل على الهوية، وذبح على الرأى، وجاء إخوان الإرهاب، بدعوى الدين وبدعوى سنة الرسول، فعادوا الدولة، ورفعوا السلاح فى وجه الشارع، وخططوا لقتل المغايرين فى الرأى والمغايرين فى الدين.. وقالوا قال الله وقال الرسول. 

لم ينزل الله الإسلام على هذا الوجه، ولم يعرف المصريون دينًا بهذا الشكل، لذلك، بالإضافة لأسباب أخرى كثيرة، لفظوا الإخوان، وطردوهم، وأخرجوهم.. ووضعوا بينهم وبينهم سدًا من حديد. 

لم ينزل الله الإسلام دينًا جهاديًا مقاتلًا، إنما أنزله الله رحمة للعالمين.

 

لم يشرع الإسلام الجهاد إلا دفاعًا عن أرض أو وطن أو عرض أو دين. 

لم يحدث أن شرع الله قتل الأبرياء، أو نسف الناس فى الشوارع بالقنابل محلية الصنع بلا جريرة ولا سبب كما فعل الإخوان فى مصر.

لكن إخوان الإرهاب متطرفون. 

والتطرف خلل فى فهم العقيدة، وخلل ظاهر فى فهم مقاصد الدين. 

بخلل واضح فى الفهم، وبفساد بيّن ظاهر واضح فى الاستدلال لعب إخوان الإرهاب بالدين، فأولوه على الكيف وعلى الهوى، ورفعوا رايات كتبوا عليها اسم الله، طلبًا  للحكم، ورغبة فى الوصول إليه، بعدما غرروا بالشباب، وخدعوا صغار السن، ثم لما اعتلوا الكرسى، دخلوا فى مواجهات مع مجتمعاتهم، فصنعوا لهم المتفجرات على محطات الأتوبيس فى الشوارع. 

-3- 

تغير مفهوم الجهاد أكثر من مرة منذ نزول الوحى. 

 فى بداية البعثة المحمدية فى مكة، كان مفهوم الجهاد هو الصبر على أذى المشركين، قبل أن يتحول معناه إلى تنفيذ أوامر ربانية بالهجرة الى المدينة، وترك المنازل والأموال والأزواج والأبناء فى مكة.

فى المدينة، أمر الرسول المسلمين بالجهاد بالسيف فدخل المسلمون معارك مع المشركين، مستهدفين الدفاع عن الدين، وصولًا إلى العودة إلى مكة الوطن. 

كانت أوامر الجهاد بالسيف ذلك الوقت محددة.. ومؤقتة، إذ  لم يكن الجهاد بالسيف أمرًا ربانيًا على إطلاقه، ولا كان الجهاد فريضة إسلامية ممتدة. 

لم يقصر الإسلام الجهاد على السيف أو الحرب. 

وروى عن الرسول ﷺ قوله وهو عائد من صلح الحديبية: «عدنا من الجهاد الأصغر (الحرب) إلى الجهاد الأكبر (جهاد النفس). 

وظهر من كلامه ﷺ أن الجهاد أنواع وأحكام وأشكال وظروف، أقلها جهاد الحرب، وأكبرها جهاد النفس دعمًا لبناء مجتمعات إسلامية منتجة متوازنة.. مسالمة مستقرة. 

لذلك سمى الله سبحانه تعالى (صلح الحديبية) فتحًا، رغم تمامه رضاء لا حربًا. 

آيات الجهاد فى القرآن الكريم، كانت محكومة بظروف تنزيل فى وقائع محددة، ومؤقتة بحدث، ومعلقة على شرط.  لم يشرع الإسلام القتل «عمّال على بطّال»، ولا شرع الله سبحانه، أن تستقل جماعة ما، بأفكار ما، مهما كانت، فتتخذ الحرب وسيلة، بحجة إقرار دين الله، أو أن تتخذ السيف ضد الأوطان، بحجة إقرار شرع الله.

لكن تيارات التطرف لعبت بالفكرة، وتاجرت بها، كما حرف إخوان الإرهاب المفهوم، فاستغلوا المبدأ فى الحرب الدائمة باسم الإسلام رغبة فى حكومة، وطمعًا فى السلطة، وركبوا على المفهوم ضمانًا للنفاذ بأفكارهم بين البسطاء، تحقيقًا لمصلحة الجماعة، لا تحيزًا لمصالح المسلمين.

لذلك تحول مبدأ الجهاد، لدى جماعات التطرف من وسيلة للدفاع عن الأرض والعرض والوطن، إلى درجة من الجنون، جاز معها  خيانة الوطن، وعرضه  للبيع، وإنزال البلد فى المزاد العلنى.. باسم الله وبسنة رسول الله!

-4- 

لم يقر الله سبحانه الخلافة فرضًا من فروض الدين.. ولا قاعدة من قواعده.

مصطلح الخلافة الإسلامية سياسى وليس أمرًا دينيًا. حتى الخلافات الراشدة بعد وفاة النبى ﷺ كانت كلها ظروفًا دنيوية، يعنى لا نص عليها نبى، ولا نزل فيها قرآن. 

يروى أن سأل أحدهم أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) قال: هل أنت خليفة رسول الله؟ 

فأجاب أبو بكر: أنا الخالفة بعده.. لست خليفته.

كان  أبو بكر على علم واسع بالفارق الشاسع بين خليفة المسلمين، وبين من يخلف الرسول ﷺ فى إدارة شؤون المسلمين. 

الخلف هو من تنتقل له إدارة المسلمين، وفق ما يختاره المسلمون من قواعد، بينما الخليفة، هو من تنتقل إليه إدارة شؤون المسلمين، بنفس مميزات ومكانة الرسول ﷺ !

فى اللغة، الخلف هو التالى فى الزمن، لا التالى فى المرتبة الشرعية. 

وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، لم يخلفه أحد فى مرتبته الدينية، وأبو بكر الصديق لما أجاب أنه الخلف لا الخليفة، فقد قصد أنه التالى بعد رسول الله فى إدارة أمور المسلمين وفق الظروف، ليس وفق نص ديني ولا إلزامٍ عقائدي، ودون التمتع بخصائص من خلفه، ولا مميزات من سبقه.

وفى الإسلام أن الأصلح للولاية هو من يختاره الناس، وهو الأقوى والأجدر والأفضل لصالح الناس.

والولاية فى الإسلام أمر دنيوي، وليست تكليفًا دينيًا، والمسلمون أدرى بشؤون دنياهم. 

والإسلام عقيدة، ومعاملات، وعبادات، أنزله الله لصلاح المجتمعات، لم ينزل الله سبحانه الإسلام لائحة لحزب سياسي، أو دستور لدولة بالمفهوم الحديث للدول.

والدين فى التعريف هو دعوة لعبادة خالق واحد مطلق، بينما السياسة فى التعريف هى فن الممكن فى العلاقات بين أصحاب مصالح متضاربة، فى رقعة جغرافية مشتركة.

وإذا كان الدين سلوكًا روحيًا لعبادة خالق مطلق، فالسياسة نسبية، متغيرة، تخضع لفن الممكنات، والمتاح، وفقًا لمصالح شديدة البراجماتية سهلة التغيير، وسريعة التقلبات.

مصطلح الإسلام «دين ودولة» لابد أن يكون واحدًا من أول المفاهيم التي يجب أن تطرح على مائدة تجديد الخطاب الدينى، خصوصًا أن الدول الحديثة، بتركيباتها الحديثة، وتكويناتها الحديثة، شديدة الاختلاف، مع شكل وطبيعة ونظم الحكم فى المجتمعات فى عصور الإسلام الأولى.

لم يرض المصريون بإدارة دينية كما أرادها وروج لها إخوان الإرهاب. 

ولا يمكن للدول الحديثة أن تدار بمنطق العشيرة أو القبيلة، لكن الدول الحديثة  تدار وفق مفاهيم المواطنة، وضمان السيادة على الأرض، اعتمادًا على نظم حكم حديثة، تعلوا فيها سلطة القانون، وتهيمن فيها مؤسسات الدولة، حيث الوطن للجميع، لا لجماعة واحدة وحيدة.   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز