

وليد طوغان
مرشد «إخوان الإرهاب» فى تل أبيب
استنكرت إسرائيل رسمًا كاريكاتوريًا وصف نتنياهو بالمرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية.
قالت تل أبيب إن الرسم يحض على الكراهية وعنصرى.
إن جيت للحق، الكراهية موجودة، أما العنصرية فى الرسم وفى الوصف فلا محل لها ولا مكان.
لكن التظاهرات أمام السفارة المصرية فى تل أبيب، أشارت إلى كثير مما وراء الأبواب وما تحت الترابيزات من علاقات وثيقة، بين تل أبيب والإخوان.
لا يعلم أحد من يستعمل من؟
هل إسرائيل هى التي تستعمل جماعة الإخوان «الإرهابية» فى حملة ممنهجة وموجهة ومعروفة الأسباب ضد مصر؟
أم أن الإخوان هم الذين عمدوا إلى التعاون مع من سبق ووصفوه بالشيطان الأعظم فى واحدة من محاولات الضغط على القاهرة، وفى ظروف هى الأكثر حساسية فى تاريخ القضية الفلسطينية؟
ليس مهمًا هذا أو ذاك، المهم أن التحركات الأخيرة إشارة إلى ما هو أكبر من تعاون، ودلالة على ما هو أكثر من تبادل مصالح بين إسرائيل وبين الإخوان فى الداخل الفلسطينى.
والإخوان هنا والإخوان هناك واحد. يعنى هؤلاء من هؤلاء، وهؤلاء مثل هؤلاء.
-1-
فى فترة سوداء من تاريخ مصر، وصل فيها إخوان الإرهاب إلى كرسى الحكم فى الاتحادية، رفعوا شعار «على الأقصى رايحين بالملايين».
فى المثل الدارج المصري «أسمع كلامك أصدقك....».
لم يحدث أن وجَّه الإخوان وجوههم للأقصى، ولا نحو فلسطين.
بالعكس، فقد ولوا وجوههم شطر السفارات المصرية، طلبًا لاستيقاف حرب على غزة تشنها إسرائيل!
وفى تل أبيب، استصدروا تصريحًا بالتظاهر أمام البعثة المصرية، فى حماية بوليس الاحتلال، فى نفس اليوم الذي منعت فيه سلطات الاحتلال تظاهرات من مواطنين يهود، رفعوا فيها شعارات تطلب إنهاء الحرب فى غزة، وإدخال المساعدات!
من تل أبيب قالت تقارير صحفية، إن الشرطة الإسرائيلية تعمدت إخفاء اسم الجهة المنظمة للتجمع أمام السفارة المصرية، لكن ظهور رائد صلاح وكمال الخطيب وهما من قيادات «إخوان إسرائيل» فى صور المظاهرة هو الذي أحدث الأزمة.
يبدو أنه كان مأمولًا، أن يظهر التجمع اجتهادًا من مواطنين فلسطينيين.
أو يبدو أنه كان من المفترض أن يظهر التجمع أمام السفارة نشاطًا عفويًا وتعبيرًا عن رأى.
ظهور رائد صلاح فى قلب تل أبيب، رغم سجله الجنائى واتهامه بالتحريض على الإرهاب من سلطات الاحتلال أكثر من مرة، كان أزمة، وكان أيضًا مربط الفرس.
فقد كشفت الواقعة حجم التنسيق بين الإخوان وبين السلطات الإسرائيلية، وكشفت الحادثة أيضًا مدى ما لدى إخوان الشر فى رقصتهم الأخيرة من رغبة فى تبادل المصالح ولو مع الشيطان، مقابل الاستمرار فى الهجوم على الدولة المصرية، وعلى دورها فى القضية الفلسطينية، وعلى استقرارها، وعلى صورتها، وعلى جهودها، وعلى ثوابتها التاريخية.
-2-
دائمًا ما يتحين إخوان الإرهاب فرصة الصيد فى الماء العكر.
فى المناسبات والأزمات، تنشط لديهم غدد سامة، لتفرز «حيلًا أفعوانية»، وتلقى صناديق شيطانية، مغلَّفة بأوراق ملونة نصفها لؤم.. والنصف الآخر خداع.
فى المقابل تسعى تل أبيب لأن تدفع مصر ثمنًا غاليًا لتصديها لمخطط التهجير، ولوقوفها صلبة فى مواجهة خطة تفريغ قضية لم تتوان مصر فى كل مراحل التاريخ للذود عنها بدفاع مستميت.
صرفت مصر دعمًا للقضية الدم والمال، وصرفت جهودًا فوق الطاقة وفوق الاحتمال بإجراءات شجاعة، ومواقف لا يمكن أن تُنسَى.
التاريخ يتقلب، والأحداث تكشف، والشواهد تشير، وجاء الوقت الذي تتصالح فيه المصالح، لتنعقد على طاولة واحدة صفقة تعاون بين الإخوان وبين السلطات فى تل أبيب.
مرة أخرى، ليس مهمًا من استعمل من، ولا من الذي مد يده أولًا بالسلام.
سبق أن جلس الإخوان على طاولة واحدة مع الأمريكان تهديدًا لمصر، وقتها حاولوا تعليق المشانق للدولة، وحاولوا نحرها بدم بارد، قبل أن يعرضوها للبيع فى مزاد علنى فى 2013.
لأن المصالح تتصالح، كان لا بد أن يأتى اليوم الذي يخدم إخوان الشر أجندة الاحتلال الإسرائيلى من جهة، بينما من جهة أخرى لا يكفون عن تصدير شعارات الدفاع عن أهل غزة، وعن الأقصى، وعن القضية.
فى الصحافة المصرية تصدر عنوان «الإخوان خدامين الاحتلال».
الوصف دقيق، والتوصيف فى محله، تمامًا كما جاء رسم نتنياهو بلحية على طريقة مرشد إخوان الإرهاب هو الآخر دقيقًا وفى محله.
لا بد أن تثير التحركات الأخيرة تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة بين المنتمين لإخوان الشر فى الداخل الإسرائيلى وبين الإدارة فى تل أبيب.
صحيح العلاقة واضحة وظاهرة.. والعينة بينة، لكن الصحيح أيضًا أن كثرة التساؤلات واستمرارها لا بد أن يسفر فى المستقبل عن مزيد من الأوراق المخفية لعلاقة لم تعد مختبئة خلف ستائر سوداء.
-3-
الأحداث تتلاحق سريعًا فى المنطقة وفى الإقليم وفى دول الجوار.
دخلت معادلات السياسة رحلة شديدة السيولة، وسط مواقف مائعة من البعض، ووسط محاولات مستميتة من آخرين، لإعادة ترسيم الخرائط وتغييرها، بأغراض، وأمراض، وأعراض.
فى محيط مشتعل، تبقى مصر صامدة، على العهد وعلى الميثاق.
مواثيق مصر تاريخية، وعهودها ممهورة بإمضاء تراث حضارى أخلاقى يشهد على مواقف، تنطلق من منطلقات عادلة ومشروعة، ومعروفة.
مصر وحدها حائط الصد الأخير.
لذلك تقف القاهرة فى مواجهة طوفان جامح، يعمد إلى زعزعة دورها، وخلخلة صمودها.
لم يكتب التاريخ مرة واحدة أن هناك من استطاع أن يخل من توازن هذه الدولة. لم يشهد الزمان أن هناك من نجح فى محاولاته لهز كيان استقام فى عمق التاريخ، معروفًا بالقدرة، وبالصبر، وبالاستطاعة نصرة للحق، وحفظًا للأرض والعرض.
لكن الأزمات مناسبات.. والملمات فرصة لدى بعضهم.
تشويه دور مصري ثابت فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين، هدف يبدو كاملًا ووحيدًا الآن.
يتماهى الخطاب الإخوانى مع خطاب تل أبيب.
يستخدم الطرفان سياقًا دعائيًا مضللًا، على اختلاف أهداف كل منهما. يسعى كلا الطرفين إلى إضعاف الفاعلية المصرية أمام المجتمع الدولى وكل لديه أهدافه.
الأزمة الأخيرة أظهرت هيكلًا كاملًا من التقاطعات الوظيفية بين الطرفين فى محاولة لحصار القاهرة بالضغط. يسعى الإخوان لهدم الدولة المصرية، بإشاعة الفوضى فى الشارع، وتشويه صورة الدولة وهيبتها فى الداخل والخارج.
من جانبها، تسعى إسرائيل للضغط على مصر، فى سياسات ممنهجة تستهدف الحد من قوتها الفولاذية فى التصدى لمحاولات إنهاء القضية الفلسطينية على الطريقة الإسرائيلية.
ظهور رائد صلاح وكمال الخطيب فى التجمع عند السفارة المصرية فى تلك أبيب نقطة تقاطع على رسم بيانى لمعادلة شر.. يديرها أهل الشر.