عاجل
الخميس 4 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
تناقضات التصريحات.. وأسئلة معلقة دون إجابات!

مصر أولا.. د.أحمد هنو والصمت الثقافى..

تناقضات التصريحات.. وأسئلة معلقة دون إجابات!

تضمَّن العدد الأخير من هذه المجلة (روزاليوسف)، حوارًا هامًا مع د. أحمد هنو «وزير الثقافة» بمناسبة مرور عام على توليه موقع المسؤولية. وتأتى أهمية هذا الحوار لأنه بمثابة إعلان واضح ومباشر لآراء الوزير فى العديد من القضايا والإشكاليات الجدلية.. التي تؤكد أننا أمام مأزق ثقافى حقيقى. ولعل الوزير فعَل خيرًا بقبوله الحديث عن هذه القضايا ناهيك عن اعترافه بكثير من جوانب القصور أو التقصير أحيانًا.. لكن المشكلة أن إجابات الحوار جاءت على هامش التساؤلات وظاهرها، وليس تعمقًا فى مضمونها ومحتواها الذي لا بديل عنه.



 إدارة الثقافة بالتصريحات..

تصريحات وزير الثقافة.. تكشف عن إدارة للأزمة بالكلمات والتصريحات وليس بالرؤى والاستراتيجيات. فحين يصرح د. هنو بعبارات على غرار «رد الاعتبار» أو «تجديد الدماء» أو «مرحلة جديدة».. فهو يراهن هنا على التأثير اللغوى والنفسى وليس التأثير العملى والفعلى على أرض الواقع، وقد انتظرنا كثيرًا ولعام كامل وجود وجوهٍ جديدة فى قطاعات الوزارة المختلفة، وأتمنى ألا ننتظر أكثر. وجميعنا يعلم.. والوزير يعلم أيضًا دون شك أن الثقافة المنوط بها وعى المجتمع لا ترتكز على التصريحات التي امتدت عدَواها لرؤساء القطاعات والمسؤولين، ولكن على فِعل ثقافى حقيقى من خلال مؤسّسات ثقافية فاعلة، وقصور وبيوت ثقافة مؤثرة، ومسرح يقدم مواهب جديدة، وكتاب متاح فى أبعد قرية على الحدود المصرية. 

والعجيب، من وجهة نظرى، هو تكرار تلك اللغة التبريرية.. كلما تم توجيه أى انتقاد للوزارة وقطاعاتها، يكون رد الفعل السريع سابق التجهيز هو خطاب تجميلى.. يزيد الأمر سوءًا، والواقع يظل كما هو. وهو خطاب يعيد استدعاء البيروقراطية المصرية القديمة والأصيلة فى التعامل مع النقد بصيغة رد الفعل، وليس باستراتيجية ثقافية استباقية.

 غربلة مهرجانات..

فى سياق إجابة وزير الثقافة عن مهرجانات السينما قال إنها تحتاج إلى غربلة، وإن معيار التقييم لأى مهرجان هو مدى التأثير على الناس سواء أثناء إقامة الفعاليات أو بعد انتهائها. ورغم أنى لا أجد أى معنى واضح لمسألة الغربلة وما تعنيه؛ فقد أسقط الوزير من معيار التقييم المذكور تاريخَ المهرجانات وشخصياتها ودعواتها التي كانت على مستوى رفيع ومتميز من الحضور، كما أسقط أو تعمَّد إسقاط الحديث عن تغيير فى إدارة المهرجانات والقائمين عليها، ولم نجد فى حديث الوزير ما يوحى بأية خطة لاستعادة أصول الأفلام الكلاسيكية؛ بل لعله لم يصل إلى علمه ما حدث مع شركة «منتخبات بهنا فيلم» التي أصدرت د.إيناس عبدالدايم أثناء توليها الوزارة قرارًا بضم مقتنياتها وأرشيفها السينمائى. وها هى الآن تباع مقتنياتها على صفحات السوشيال ميديا. فهل الشركة القابضة للسينما أو المركز القومى لها يعرفان شيئًا عن هذا الأمر الكارثى؟! 

 خالد أبو الليل..

صرَّح د.هنو فى الحوار بخصوص ما أثير عن د.خالد أبو الليل أنه لم يثبت أن له ميولاً إخوانية، ولا يوجد حكم قضائى بذلك، وأن حصوله على جائزة الدولة هو نوع من رد الاعتبار له. ولن أختلف مع إجابة الوزير، وسأتجاوزها للتركيز على أن يكون الحوار والنقاش عن السياسات والاستراتيجيات التي تنهض بالثقافة، دون أن نختزلها فى الهجوم والدفاع عن أسماء محددة حتى نتجاوز الشأن الخاص إلى الشأن العام.. لأن الخلاف أولاً وأخيرًا مع د.خالد أبو الليل كما كتبت على صفحات مجلة روزاليوسف فى 12 يوليو 2025 هو الجدل فى سطر واحد حول قراءته للتاريخ الاجتماعى للمرحلة الناصرية فقط.. كما أن تكريم د.خالد أبو الليل لا علاقة له بالاختلاف مع آرائه.. لأن ثوابت حرية الرأى والتعبير التي نؤمن بها كعقيدة لا مساس بها؛ خصوصًا فى الكتب والدراسات العلمية.. تقتضى تقديره كإنسان وأستاذ جامعى واحترام إنتاجه الثقافى والفكرى، مع كامل الحق فى اختلافنا مع بعض ما يكتب.. دون أن يستغله البعض للتشكيك أو التخوين.. لصالح تحقيق أهداف وتصفية حسابات لا علاقة للثقافة بها. وأيضًا دون أن يُعتبر تكريمه.. نوعًا من إضفاء الشرعية على آرائه أو العكس. فالأزمة الثقافية فى كل الأحوال ليست هى د.خالد أبو الليل أو فيه؛ وإنما هى مع هيئة الكتاب التي تحتاج إلى قيادة حقيقية تعيد للهيئة مكانتها وتعيد لمعرض الكتاب صدارته وبامتياز، وأتمنى أن يكون هذا هو الشغل الشاغل للوزير وهيئة الكتاب؛ حيث إنه لم يتبقَّ على المعرض سوى 5 أشهُر فارقة، ولعل تكرار فشل الدورات الثلاث السابقة يدل على ضرورة إنقاذ الموقف وتغيير كامل وشامل فى الهيئة وسياستها لتستعيد دورها الذي نتمنى أن نفخر به جميعًا.  

 ما وراء جوائز الدولة..

وبمناسبة الحديث عن جوائز الدولة التي اعتبر الوزير أن حصول د.خالد أبو الليل عليها هو رد اعتبار له، أسأل: ما طبيعة إجراءات الترشح لجوائز الدولة؟ وما طبيعة إجراءات التصويت؟! وما دور اللجان الوسيطة التي تقوم بتصفية الأعمال المقدمة بالاستبعاد لتقدم القائمة القصيرة التي يتم الاختيار منها للحصوص على الجائزة؟ ومَن الذي يحدد مجالات جائزة الدولة التشجيعية؟ ومتى نعيد النظر فى حصول 2 فقط على الجائزة فى كل فرع؟ وهو الدارج منذ نشأتها فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر وإلى الآن.. رغم تضاعف إجمالى عدد السكان، وبالتبعية زيادة عدد المبدعين والمثقفين والمفكرين. 

 غياب السياسات..

لعلنى أسأل وزير الثقافة: هل لجان التفتيش التي جاءت فى سياق إجاباتكم، والتي قررت غلق الشقق المؤجرة حسب تعبيرك، تخضع للمسؤولين أنفسهم الذين سبق لهم الإقرار بترميم تلك الأماكن بملايين الجنيهات من قبل؟! وأذكر هنا مكتبة صلاح الدين بدمنهور التي تم افتتاحها بعد الترميم فى شهر يناير 2025، وتقرر إغلاقها فى شهر مايو 2025 أيضًا. وبالمناسبة هى تقع فى مبنى تابع لإحدى الجمعيات الأهلية التي يرأسها قريب أحد قيادات وزارة الثقافة الذين يرأسون لجان التفتيش الميمونة. أمّا عن مسألة افتتاحك لقصور ثقافة جديدة، فهى تم تأسيسها وبداية تجهيزها أثناء فترة وزراء ثقافة سابقين.. على غرار قصر ثقافة نخل بشمال سيناء وقصر ثقافة أبو سمبل سنة 2016. ولعل السؤال الأوَّلى هو كيف تعاملت قيادات الوزارة وقصور الثقافة مع المواقع المغلقة بسبب شروط الدفاع المدنى (وهى ثلث مواقع الهيئة)، ومنها على سبيل المثال المواقع الثقافية بمدينة المنصورة؟! ولعلنى بكل صدق ومَحبة أنتظر من د.أحمد هنو بيانًا تفصيليًا عن الأمر وعن قصور الثقافة الجديدة التي وضع حَجَر أساس لها طيلة العام الماضى. 

 غياب الرؤية الثقافية..

المشكلة الحقيقية هى غياب الرؤية التي ترتكز على استراتيجية ثقافية واضحة المعالم والتفاصيل. ليست المشكلة كما يتصور البعض فى إغلاق بيوت الثقافة؛ بل فى غياب آلية لمحاسبة المسؤولين عن هذا الإغلاق. وقيادات وزارة الثقافة الحاليون يديرون القطاعات للأسف بعقلية الموظف، وليس المفكر. هذا الموظف المسؤول الذي يكتفى بتمرير اليوم دون أزمة، ودون أن يفكر فى أثر قراراته على المدى البعيد. هذه العقلية تحوِّل الثقافة إلى مجرد ملف إداري بدلاً من أن تكون مشروعًا وطنيًا. وهو ما يجعل المواطن المصري العادى يشعر بأن الثقافة ليست له. وأنها مخصَّصة للنخبة فقط أو للمبدعين، ولا علاقة له بها.

ولعلنى قبل أن أنسى أتساءل أيضًا عن ملف اختيار رئيس أكاديمية الفنون، وجدوى اللجنة التي شكّلها الوزير ومدى قانونيتها المعنوية قبل المادية، فقد تداول المهتمون جوانب عوار فى هذه اللجنة، ومنها وجود عميد قائم بالعمل على اختيار رئيس الأكاديمية التي يعمل بها، وإشارات إلى صلات بين إحدى المتقدمات وأحد أعضاء اللجنة، ناهيك عن غياب معايير الاختيار إلى درجة أن رئيسة الأكاديمية الحالية تقدمت بأوراقها رغم أن المدة المتبقية لها على المعاش أقل من عام ونصف العام، وإذا كانت ستكمل هذه المدة للمعاش فلِمَ كل هذا الجدل والخلط والتوتر، وإن كانت لن تكمل فلماذا لا يكون هناك اختيار سريع لموقع نائب رئيس الأكاديمية الذي خلا منذ أيام، حتى لا تعانى الأكاديمية من خلل فى أداء مهامها وعملها.. ولعلنى رغم اختلافى مع د.هنو فى بعض السياسات أقول: إننى أثق فى اختيارات د.هنو الشخصية فى هذا الملف أكثر من ثقتى فى معظم أعضاء اللجنة التي شكّلها لاختيار ولقاء المرشحين لرئاسة الأكاديمية. 

 .. وأخيرًا ما العمل؟

إننى أقترح هنا بعض الأفكار العملية فى تطوير البنية الثقافية المصرية، والتي أرجو أن يضعها وزير الثقافة نصب عينيه وبسرعة، ومنها: 

• إعادة فتح البيوت الثقافية فورًا باعتبارها أولوية قصوى.

• تفعيل المرصد الثقافى بشكل مستقل لمتابعة تنفيذ المشروعات والبرامج الثقافية والتقييم.

• تجديد آليات جوائز الدولة؛ بحيث تستعيد قوتها وريادتها الإقليمية، والنظر فى مهام المجلس الأعلى للثقافة.

• ربط الثقافة بالتعليم عبر شراكات مع المدارس والجامعات والنوادى.. حتى تعود الثقافة إلى الشارع.

• نشر البيانات عن الموازنات، والمشروعات، والنتائج.

• تغيير حقيقى وسريع فى قيادات وزارة الثقافة باختيار قيادات شابة وجديدة وفاعلة تقدم رؤية ومشروعات مختلفة.  الشفافية الثقافية هنا.. ليست ترفًا؛ بل شرط لبناء الثقة مع المجتمع.

 نقطة ومن أول السطر..

السؤال الحقيقى هنا.. عن مدى قدرة الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة على إعادة الاعتبار للثقافة نفسها. الاعتبار لا يُمنح بشهادة أو جائزة؛ بل يُمنح ويحصل على شرعيته حين نفتح أبواب المكتبات، وحين يذهب المسرح إلى القرية، وحين يصبح الكتاب فى يد كل طفل فى أبعد قرية.

وإذا لم يتحقق ذلك؛ ستظل كل جائزة دون معنى، وكل تصريح تبريرى مجرد محاولة لطلاء جدار متصدع بألوان براقة. 

الثقافة، حين تفقد جمهورها، تتحول إلى صدًى بلا صوت، وإلى ديكور بلا حياة.

الثقافة.. نور. وهى الوسيلة الوحيدة لمواجهة الأصولية والتطرف والتعصب والتشدد والإرهاب.

الثقافة هى السبيل لتحقيق الدولة المدنية المصرية.

الثقافة هى الحل.

الشفافية الثقافية هى الحل.

الثقافة ليست رفاهية.

الثقافة أمن قومى مصري. 

الحل فى الاستثمار الثقافى. 

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز