عاجل
السبت 27 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
الذكاء الاصطناعي.. في قفص الاتهام!

الذكاء الاصطناعي.. في قفص الاتهام!

بداية وحتى لا يتهمنا أحد بالرجعية وأننا نرفض المواكبة والمعاصرة والثورة المعلوماتية ووسائل التقنيات الحديثة وعالم الميتافيرس والرقمنة والذكاء الاصطناعي، ومثل هذه المصطلحات التي باتت مستهلكة إعلاميا!



نحن لا نرفض كل ذلك، ولكن ما نرفضه هو الانجراف انجرافا أعمى خلف هذا التيار دون روية ودون تفكر إلى أين سيأخذنا هذا التيار، هل سنصل معه إلى شواطئ الإيمان واليقين المعرفي، هل سنصل إلى قناعاتنا الشخصية أن مثل هذه الأمور المتحدثة على الساحة الفكرية المعاصرة مأمونة الجانب، أم إنها ستقودنا إلى التيه والضلال وتصبح ضربا من ضروب التواكل الذين يصيب العقل الإنساني بالرتابة والتكاسل.

 ويصيب الإنسان بعدم السعي خلف المعلومة طالما أنه بضغطة زر يصل إلى ما يصبو إليه من مواد علمية لا يهمه مصدرها، هل هي صحيحة أم خاطئة، صادقة أم كاذبة، المهم يقتنصها اقتناصا لينسخها في أوراق ثم يقوم بتجميعها في مجلدات أو ما يطلق عليه رسائل علمية، وبمطالعتها تجدها كلام في كلام، مكلمة، لا إشكالية، لا منهجية، لا متون علمية، لا رؤية واضحة للدارس، ومن أين يأتي بالرؤية وهو ناقل نقلا عما يقدمه له ما يسمى بالذكاء الاصطناعي!

وعندما ترجع إلى قائمة المصادر والمراجع تجدها في معظمها مواقع عبر الإنترنت ووسائل التواصل، لكن السؤال المطروح للمناقشة.

لماذا سمي بالذكاء الاصطناعي، يعني هل كل ما نطلبه من الذكاء الاصطناعي يلبيه لنا؟

بالضرورة ستكون الإجابة بالنفي، لماذا بالنفي، لأن هذه الذاكرة الاصطناعية يقف خلفها وخلف إمدادها بالمعلومات العقل الإنساني، بيد إنها ليست لديها الدقة المعلوماتية الكافية، فإذا ما سألناه مثلا عن التعريف بشخص فلان أو فلان، وليس في ذاكرته معلومات عنه، على الفور سيقول لك من فضلك أمدنا بمعلومات عما تريد معرفته، إذن ليس هناك غنى عن العقل الإنساني المتفكر الذي يغذي هذه الذاكرة بالمعلومات، والذي يقوم بالتحليل والمقارنة والنقد.

فاصطناعي هذه تعني أنه ذكاء مصطنع من صنع الإنسان، وإذا طرحنا مثلا سؤالا لهذا الذكاء الاصطناعي عن مثل مفهوم الحب والمشاعر والدوافع والانفعالات، وهل تستطيع أيها الذكاء الاصطناعي أن تعرف لنا هل الشاب المتقدم لفتاة ما يحبها أم لا، وهل سيحسن معاملتها أم لا؟

ستجد الإجابة بالنفي، لكن إذا أردت إجابات فعليك بإمدادي بمعلومات، وحتى المعلومات التي من الممكن أن تقدمها قد تكون مغلوطة أو غير صحيحة أو على أقل تقدير غير دقيقة لأنه سيستقيها من الشخص ذاته، فما الذي سيمنعه من التضليل، وما القريب عليه؟!

عندما طفا على سطح الساحة العلمية والثقافية ما يسمى بالذكاء الاصطناعي، الجميع سارع للتعرف عليه وعلى استخداماته، ليس هذا وحسب بل ونظمت مؤتمرات بعينها وحضرها كل من هو مهتم بمعرفة كل ما هو حداثي ومعاصر، فشاهدنا مؤتمرات عقدت في الجامعات المصرية والعربية، وفي المؤسسات التعليمية، حتى في التعليم ما قبل الجامعي، وشاهدنا ذلك في مؤتمرات كليات جامعة الأزهر، ومؤتمر عقد في دار الإفتاء وطرح سؤالا مهما، عن الاستغناء بالذكاء الاصطناعي عن المفتي أو علماء الفتوى.

وجاءت الاجابات جميعها بالنفي لماذا، لعدم إحاطة الريبوت الآلي بمصادر التشريع ولتجدد قضايانا الدينية المعاصرة فكيف يتسنى له معرفة كل شيء، وقد يرد علينا أحد قائلا المدوامة على تغذيته بالمعلومات، نرد ونقول، من الممكن أن يكون ذاكرة لحفظ المعلومات، لكنها ذاكرة ليست متجددة كعقل الإنسان، ومن ثم لا يمكن الاستعاضة به عن العقول البشرية فهل مثلا ندخل الإنسان الآلي محاضراتنا حتى لو منحناه المادة العلمية، نفترض جدلا أن واجهه طالب بسؤال ما، فما عساه أن يفعل؟!

نأتي إلى أمر خطير، ما قد يحدث من سوء استخدامات الذكاء الاصطناعي في إجراء البحوث العلمية سواء في الكليات العملية أو النظرية، وفي الكليات العملية الخطر أشد، فإذا ما تم إجراء بحوث مثلا في كليات الطب عن نوع معين من الأمراض وأتت نتائجه منضبطة، وبالتطبيق العملي مات المريض فعلى من سيقع الجرم، أو مثلا إجراء بحوث على عقار معين وتم تصنيعه بناء على النتائج وتم اعتماده من الجهات المختصة، وفشل في شفاء المرضى فمن المسؤول؟!

نأتي إلى البحوث النظرية كإجراء بحوث رسائل ماجستير ودكتوراه فستكثر السرقات العلمية عن طريق النقل المباشر دونما توثيق، حتى إذا تم التوثيق فسيتوه القارئ وسيضلل، وهذا بدوره يفتح مجالا رهيبا للعبث بالرسائل العلمية الجامعية وبحوث الترقيات للدرجات العلمية فليس ثمة محاسب ولا مراقبة.

بل سيفتح الباب على مصراعيه أمام المكاتب التي تعمل تحت السلم وفي الخفاء أو التي تعمل بمسميات ظاهرها فيه للرحمة وباطنها من قبله العذاب، بمعنى يضعون لافتات براقة، كمن يكتب سنساعدك في إجراء خطة بحثك أو نقدم لك مادة علمية، وغيرها من المسميات التي تحمل ما تحمله من التضليل، والتي من الممكن أن تستقطب كثير من شباب الدارسين، ولم لا، مكتب سيقدم له رسالة علمية نظير مبلغ من المال، وللأسف قد تستقطب بعض هيئات التدريس معدومي الضمير الذين جل همهم الثراء السريع.

لذلك أناشد كل أستاذ يتقي الله أن يفحص ما يقدم إليه من إنتاج علمي سواء بحوثا أو رسائل علمية، فحصا دقيقا وما ترونه يستحق الإجازة تجيزونه والعكس.

إننا لا نرفض المعاصرة والتقدم التقني وإنما نرفض المغالاة في التطبيق ونرفض الانبهار، فليس كل جديد نافعا ومفيدا.

أستاذ الفلسفة بآداب حلوان  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز