

وليد طوغان
نتنياهو فى سكة اللى يروح ..؟!
تحترق إسرائيل بالنار التي أرادت إشعالها.
بعد الهجوم الأخير على قطر، تقف إسرائيل فى ركن ضيق فى مواجهة العرب وفى مواجهة العالم.
يقف نتنياهو فى وجه الجميع، لذلك فهو لن يفلح، أو بالأحرى لن يستطيع الاستمرار.
فى تل أبيب قالت الصحافة هذا الكلام.
وفى الغرب، انهالت اللعنات على من أشعل الشرق الأوسط، وعلى من يعاونه فى البيت الأبيض بغض الطرف أحيانًا، وبأحاديث الاستهلاك أحيانًا أخرى.
مصر فى المقدمة، وفى علاقاتها مع إسرائيل، وصلت الأوضاع إلى أقصى توتر كان ممكن تصله منذ العام 73. قرار القاهرة بخفض التنسيق الأمنى مع تل أبيب خطوة استراتيجية خطيرة بالنسبة للجانب الآخر، لما لها من تأثيرات على الأمن فى الداخل الإسرائيلى، خصوصًا فى ظل التوترات الإقليمية الأخيرة.
حمل القرار المصري رسالة سيادية قوية، بأن القاهرة تضع تهديد أى دولة عربية ضمن نطاقات خطوطها الحمراء، وأنها لن تتسامح مع الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة.
التوجس الإسرائيلى فى تداعيات الهجوم الأخير يبدو من الصحافة هناك، النغمة الدائرة فى الصحف الإسرائيلية الأيام الماضية، كما فى الصحافة الغربية تتداول السؤال: «إلى أين يريد أن يصل نتنياهو؟».
يتكلم آخرون عن مرحلة دخلها اليمين الإسرائيلى «حيث الذهاب بلا عودة».
الكلام الدائر الآن حول تأثير سياسات الوزارة الإسرائيلية الحاكمة على الانتخابات المقبلة، وعلى ما خصمته السياسات الأخيرة من الأرصدة الشعبية لكل من يحمِّله المعتدلون فى إسرائيل مسؤولية الوضع فى الشرق الأوسط، ووضع الرهائن، والأوضاع التي وصلت إليها العلاقات الإسرائيلية مع مصر ومع العرب ومع أوروبا ومع سائر دول العالم.
ببساطة، قصفت إسرائيل إحدى الدول الوسيطة فى محاولات التهدئة.
لم يسبق أن شهدت معادلات التفاوض قصف الوسيط.
نتنياهو هو الذي أثبت أن سياسات إسرائيل بعد 7 أكتوبر ليست دفاعية حسب الادعاءات هناك، وأثبت أيضًا أن استباحة قصف الوسطاء، إشارة إلى أن الحكام فى تل أبيب، يدورون فى فلك دوامات تخبط واضطراب، دفعت بهم إلى تنفيذ ما يظهرهم بأنياب مدببة تقطر منها دماء الأبرياء والأطفال والنساء.
فى الصحافة الإسرائيلية بعد الهجوم على قطر، هناك من تكلم عن مخاوف من مزيد من العزلة الدبلوماسية والدولية أدت إليها سياسات المجلس الوزارى الحاكم.
يقولون إن حلم التطبيع مع العرب يتلاشى يومًا بعد يوم، وأن صورة إسرائيل يعلوها الصدأ هى الأخرى يومًا بعد يوم فى دول أوروبا وفى الجانب الآخر من الكوكب.
فى صحافة الغرب، قالوا إن قرار مصر خفض التنسيق الأمنى لا يُضعف فقط قدرة إسرائيل على حماية حدودها، بل يفتح الباب أمام تحولات إقليمية قد تعيد تشكيل ميزان القوى فى الشرق الأوسط، فى لحظات حرجة تمر بها المنطقة.
-1-
أعادت مصر تقييم علاقتها بإسرائيل فى تداعيات 7 أكتوبر.
مستعدة القاهرة لكل الاحتمالات، وربما هذا الاستعداد هو ما يثير كثيرًا من المخاوف لدى قادة اليمين المتطرف فى تل أبيب.
فى مصر، طالبت أحزاب بإعادة النظر فى الاتفاقيات مع الكيان، وهى خطوة تعكس ما لدى الشارع العربى من غضب على المستويين الشعبى والسياسى.
من جانبها، عكست الدبلوماسية المصرية غضبًا شديدًا فى بيانها أمام مجلس الأمن نهاية الأسبوع الماضى.
مصر ركيزة أساسية فى الدفاع عن السيادة العربية، لذلك تنظر القاهرة إلى الهجوم على قطر بوصفه تهديدًا مباشرًا. طالبت الرئاسة المصرية بتحرك دولى عاجل لمحاسبة المسؤولين عن الهجوم، واختيار تل أبيب استمرار التصعيد، لا يمكن إلا أن يؤدى إلى مزيد من التحولات الاستراتيجية فى العلاقات «المصرية ــ الإسرائيلية»، فى ظل ما تتبناه القاهرة من موقف شديد الحسم على المستويين الإقليمى والدولى.
تبنت مصر حشدًا عربيًا منذ اندلاع الأزمة فى غزة.
أدى هذا الحشد إلى مزيد من التحولات الملحوظة فى صورة إسرائيل أمام الرأى العام الدولى.
تركت الدبلوماسية المصرية النشطة بتحركاتها آثارًا سياسية وإعلامية لا يمكن تجاهلها.
لم يكن الحشد المصري رد فعل؛ إنما كان فى صورته الحقيقة هجومًا مضادًا على الصورة التي أرادت إسرائيل رسمها فى الأعين وفى المحافل الدولية.
منذ الانفلات الإسرائيلى فى هجمات تل أبيب على غزة بعد 7 أكتوبر، استطاعت الدبلوماسية المصرية كشف هشاشة سردية «الدفاع عن النفس» التي لعبت عليها إسرائيل أول الأزمة.
أعادت دبلوماسية القاهرة تشكيل الرأى العام العالمى تجاه سياسات تل أبيب فى المنطقة.
ما زال العمل المصري سائرًا على قدم وساق.
دول مثل بريطانيا وفرنسا والصين، وتركيا وصفت سياسات إسرائيل وهجومها الأخير بإرهاب دولة.
فى تل أبيب وصف خبراء تصرف نتنياهو بالهجوم على قطر بالأخرق الذي أدى إلى تضخيم صورة إسرائيل كمعرقل للسلام، وقالوا إن نتنياهو إذا كان يتصور أنه يكسب مزيدًا من الأراضي فهو بكل المقاييس يرتضى الوهم.
-2-
الإدانات الرسمية تتصاعد لدولة الاحتلال.
وقرار دول أوروبية الاعتراف بدولة فلسطين إذا كان قد أنتج تصدعًا فى نفوس حكام تل أبيب، فإن تصاعد الإدانات الرسمية المباشرة مؤخرًا لحكومة الصقور هناك لا بد أنه سوف يؤدى إلى مزيد من التصدعات فى نفوس ساسة مضطربين.
فى الولايات المتحدة، كتب بعضهم مستنكرًا تعمد نتنياهو الهروب من قضايا فساد شخصى فى بلاده، إلى إعلان حروب ضد الإنسانية فى بلاد أخرى.
هددت دول أوروبا بمزيد من الإجراءات الدبلوماسية الأشد صرامة إذا لم تغيِّر إسرائيل سياساتها . قالت كندا إنها تعمل على إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، فى مؤشر آخر جديد على تغيُّر المزاج الغربى.
تداعت شرعية إسرائيل الأخلاقية فى نظر الشعوب الأوروبية بعد الأزمة فى غزة وانتهت، وفى الولايات المتحدة أدى الهجوم على قطر إلى مزيد من «الكدمات» على اليد الأمريكية.
رغم دعمها التقليدى لإسرائيل؛ فإن إدارة ترامب، بعد حرج واضح، أبدت رغبة شديدة فى احتواء الغضب القطرى.
عكس هذا عدم ارتياح عالٍ من واشنطن للخطوة الإسرائيلية، خاصة أنها جاءت فى وقت حساس من مفاوضات غزة.
أربك الهجوم الإسرائيلى جهود واشنطن فى إدارة ملف غزة، هذا رغم النزق الأمريكى فى تصوراته لبعض ما يتعلق بذلك الملف.
موقف واشنطن فى اجتماع مجلس الأمن الأخير أشار إلى مدى ما تشعر به الولايات المتحدة من حرج، خصوصًا فى إطار سعيها للحفاظ على علاقات قوية مع دول الخليج.
حتى الكبار فى البيت الأبيض يتساءلون: ما الذي يريد أن يصل إليه القادة فى تل أبيب الآن؟
موقع أكسيوس نشر تفاصيل مكالمة تليفونية طلب فيها ترامب من نتنياهو صراحة عدم مهاجمة قطر مجددًا، غير أن نتنياهو خرج بعدها فى بث مصور مهددًا بتكرار الضربات ما لم تسلِّم الدوحة قيادات حماس.
فى الولايات المتحدة تزداد التساؤلات: كيف تكون الصورة إذا كان نتنياهو يتحدى علنًا ما سبق أن وعد به الرئيس ترامب؟
نقلًا عن مجلة صباح الخير