عاجل
الأربعاء 22 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
مصر صانعة الحرب والسلام عبر العصور

مصر صانعة الحرب والسلام عبر العصور

على ضفاف النيل الخالد نشأت الحضارة المصرية العريقة، التي لم تقتصر على بناء الأهرامات وتشييد المعابد فحسب، بل كانت وما زالت فاعلًا رئيسيًا على مسرح التاريخ الدولى وتجيد فنون القتال والحرب التي أصبحت جزءًا من جينات الشعب المصري عبر التاريخ، وأيضًا تبرم أعرق معاهدات السلام من أجل الازدهار والبقاء. 



ولم تكن مصر مجرد متلقٍّ للأحداث، بل كانت ولا تزال صانعة الحرب والسلام عبر عصورها الممتدة؛ تستخدم القوة والردع عندما لا يُترك لها خيار، وتسعى للسلام كهدف استراتيجى أسمى.

>صناعة الحرب (قوة الدفاع والردع)

أدركت مصر منذ فجر التاريخ أن الحفاظ على وحدتها واستقرارها يتطلب جيشًا قويًا، وقد أسس الفراعنة أول جيش مركزى فى التاريخ البشرى لحماية حدود البلاد من الغزوات. وشهد التاريخ المصري القديم معارك حاسمة مثل هزيمة الهكسوس على يد القائد أحمس، ومعركة مجدو التي قادها تحتمس الثالث، ثم معركة قادش الشهيرة فى عهد رمسيس الثاني. ولا يتسع المقام هنا للحديث التفصيلى عن الحروب التي خاضتها مصر فى مهد التاريخ، فهى تحتاج إلى مجلدات منفصلة، وقد نُقشت وقائعها بحروف من نور على جدران المعابد القديمة.

وفى العصر الحديث والمعاصر، تجلّت هذه الروح فى حروب مقاومة الاستعمار، حيث خاضت مصر حروبًا دفاعية قاسية، وبغض النظر عن نتائجها، يبقى أن مصر أمة محاربة مقاتلة منذ مهد التاريخ، تجيد صناعة الحروب العادلة التي تستند إلى الحق. وتبقى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973م شاهدة على قدرة الأمة المصرية على استخدام الحرب كأداة حاسمة لاستعادة الأرض والكرامة، وكانت نقطة تحول فى تاريخ مصر الحديث؛ لأنها أثبتت أن القوة العسكرية كانت السبيل الوحيد لفرض إرادة السلام. 

«القوة من أجل السلام» (Strength for Peace) كانت مصر هى من تبنت هذا المفهوم منذ فجر التاريخ قبل أن يتبناه الغرب مؤخرًا.

>صناعة السلام

إن قوة مصر العسكرية لم تكن يومًا غاية أو هدفًا فى حد ذاتها، بل هى وسيلة لهدف أسمى، وهو الاستقرار والازدهار. فمصر أيضًا صاحبة أقدم معاهدة سلام موثقة فى التاريخ، وهى المعاهدة المصرية-الحيثية التي أبرمها رمسيس الثانى بعد معركة قادش، لتؤسس لفترة من التعايش والاحترام المتبادل.

وفى العصر الحديث، عكست مصر هذا الإرث التاريخى عندما تحولت بعد نصر أكتوبر إلى مسار السلام، لتصبح أول دولة عربية توقع معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979م، استنادًا إلى الانتصار العظيم فى حرب أكتوبر كقاعدة للتفاوض وليس العكس. ومنذ ذلك الحين، رسخت مصر دورها كحجر زاوية للاستقرار الإقليمى بحكم موقعها الجغرافى كملتقى لثلاث قارات ومركزاً لأربع دوائر حيوية (العربية، الأفريقية، المتوسطية، الإسلامية). وقد وجدت مصر نفسها مجبرة على تبنى سياسة خارجية تجمع بين الحسم العسكرى (صناعة الحرب) والمرونة الدبلوماسية (صناعة السلام).

إن غياب مصر عن أى معادلة إقليمية يؤدى حتمًا إلى فراغ استراتيجي، ولذلك يجب أن تكون مصر مستعدة لملء هذا الفراغ، سواء من خلال القوة الشاملة والردع الفعّال أو استثمار النفوذ. وهذا المفهوم يتجاوز الردع التقليدى الذي يقتصر على استخدام القوة العسكرية (Hard Power)، ليمتد ليشمل القوة الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية (Soft Power). وهذا ما يؤكد أن صناعة السلام لا تعنى التخلى عن أدوات الحرب، بل تعنى استخدام القوة والحسم لتعزيز الموقف التفاوضى.

وتلعب مصر دور الوسيط الحيوى فى جميع الأزمات الإقليمية، وفى القلب منها القضية الفلسطينية، وكذلك فى مختلف الصراعات التي تؤثر على الأمن القومى المصري فى السودان وليبيا، لتؤكد أن الدبلوماسية هى الخيار الأول، وأن السلام المبنى على العدل والقوة هو السلام المستدام.

ولقد ظهر ذلك جليًا فى قمة شرم الشيخ للسلام 2025م، التي جاءت فى ظروف دولية وإقليمية شديدة التعقيد، والتي دعا إليها كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس ترامب، وشاركت فيها أهم الدول الفاعلة تحت رعاية مصرية أمريكية، ووضع المجتمع الدولى ثقته فى دور مصر وحكمة قيادتها السياسية فى هذه المرحلة الحرجة التي أثبتت أن مصر كانت ولا تزال مفتاح الحرب والسلام فى الشرق الأوسط. وقد أسفرت هذه القمة عن وقف الحرب المأساوية فى قطاع غزة وتوقيع «اتفاق شرم الشيخ للسلام». ولطالما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر تمتلك قوة عسكرية، ولكنها قوة رشيدة قادرة على صناعة الحرب العادلة والسلام المستدام فى كل وقت، كما صنعته فى مهد التاريخ.

لا سلام بدون مصر ولا حرب بدون مصر

 

عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز