عاجل
الإثنين 17 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي

كيف تغيّر مفهوم التطوير العقاري في مصر من مبنى إلى مدينة

المهندس الاستشاري/ محمد حسن السيد - رئيس مجلس الإدارة
المهندس الاستشاري/ محمد حسن السيد - رئيس مجلس الإدارة

رحلة التحوّل من الاستثمار في العقار إلى بناء منظومات حياة متكاملة



المهندس الاستشاري/ محمد حسن السيد الرئيس التنفيذي – السديم معماريون واستشاريون (AlSadim Architects & Consultants)

 

لم يعد مفهوم التطوير العقاري في مصر والعالم العربي كما كان قبل عقدين من الزمن، حين كان النجاح يقاس بعدد العمارات التي شُيّدت أو الوحدات التي بيعت. اليوم تغيّر المشهد كليًا، وأصبح التطوير الحقيقي هو قدرة المطور على بناء مجتمع عمراني متكامل — مهما كان حجمه — يقدم أسلوب حياة واضحًا، لا مجرد مبانٍ متجاورة.

هذا التحوّل العميق في الفكر التطويري انتقل بالسوق من منطق الاستثمار في "مبنى" إلى فلسفة إنشاء "تجمع سكني" — سواء كان كومباوند محدود المساحة على خمسة أفدنة أو مدينة سكنية كبرى تمتد لآلاف الأفدنة.

الاختلاف بين الحالتين لا يقف عند الحجم فقط، بل يمتد إلى طريقة التفكير، منهج الإدارة، وتعقيد منظومة التشغيل التي تحكم الحياة داخل هذا التجمع.

 

 

من مبنى محدود إلى نسيج عمراني معقد

في الماضي، كان المطور يركّز على قطعة أرض واحدة: تصميم، إنشاء، بيع، وتسليم.

أما اليوم، فالتطوير لم يعد مشروعًا هندسيًا فقط، بل منظومة متعددة الأبعاد تشمل:

• دراسات الطرق وحركة المرور (Traffic & Roads Studies)

• تصميم أنظمة التوجيه والإرشاد (Wayfinding)

• شبكات البنية التحتية والتكامل الخدمي (Infrastructure Networks)

• تخطيط اللاند سكيب وإدارة الحشود (Landscape & Crowd Control)

• تحليل الأنماط الاجتماعية والسكانية لتوزيع الخدمات (Social & Demographic Studies)

في مشروع مبنى منفصل، لا تُطرح مفاهيم مثل البوابات المتعددة، أو أنظمة الأمن الشامل، أو التحكم في الدخول والخروج، بينما تصبح هذه العناصر أساسية في أي تجمع سكني منظم.

في التجمعات المتكاملة، أنت تتعامل مع مجتمع مصغّر يضم آلاف السكان، طرق داخلية، خدمات، ومرافق، مما يجعل المطور في موقع يشبه إدارة مدينة صغيرة داخل الدولة

 

 

التحدي الحقيقي يبدأ بعد اكتمال البناء

قد يبدو أن المرحلة الأصعب في التطوير هي مرحلة التنفيذ، لكن الحقيقة أن التحدي الحقيقي يبدأ بعد التسليم.

حين يتحوّل المشروع إلى مجتمع سكني مأهول، تبدأ مسؤولية إدارة الحياة اليومية، وهي عملية لا تقل تعقيدًا عن البناء نفسه.

تشمل هذه الإدارة عناصر متعددة مثل:

• إدارة الأمن والصيانة والنظافة

• الإدارة العقارية والتجارية والإدارية

• إدارة محطات الكهرباء والمياه ومعالجة النفايات

• إدارة النوادي الرياضية والمراكز الصحية

• التنسيق مع الجهات الحكومية لتكامل الخدمات العامة

في هذا المستوى من التطوير، لا يكون المطور مجرد مستثمر أو منشئ، بل يصبح مسؤولًا عن جودة حياة آلاف السكان، وضمان استدامة التجربة العمرانية على المدى الطويل.

 

 

التجربة المصرية: من المشاريع المنفصلة إلى المجتمعات المتكاملة

خلال العقد الأخير، بدأت مصر تشهد نقلة نوعية في فكر التطوير العقاري، من بناء عمارات متفرقة إلى إقامة تجمعات سكنية متكاملة تشكل جزءًا من النسيج العمراني للدولة الحديثة.

وتُعد هذه التجربة اليوم واحدة من أبرز التحولات في المنطقة، لأنها لم تقتصر على مشروعات كبرى فقط، بل شملت أيضًا الكومباوندات المتوسطة والصغيرة التي أصبحت نواة لنمط حياة متوازن داخل المدن.

وفي هذا السياق، خاضت شركة السديم معماريون واستشاريون (AlSadim Architects & Consultants) رحلة التحوّل ذاتها مع شركاء النجاح من المطورين العقاريين، فكانت شاهدًا ومشاركًا في تطور الفكر العمراني من النطاق الفردي إلى النطاق المتكامل.

شاركنا في تصميم وإدارة مشروعات تجمعات سكنية متكاملة في العاصمة الإدارية الجديدة، مثل كومباوند "قمري" لشركة نيو إيفنت على مساحة 26 فدانًا، ومشروع Green Highland السكني المتكامل في مدينة نصر على مساحة 107 أفدنة، ومشروع Genova East في الشيخ زايد على مساحة 20 فدانًا، إلى جانب مشروعات أخرى في مراحل القرار الوزاري في الشيخ زايد (Soul Compound) والعاشر من رمضان وقنا الجديدة والتجمع الخامس.

كل مشروع من هذه المشروعات كان يمثل تحديًا فكريًا وهندسيًا مختلفًا، تتداخل فيه دراسات البنية التحتية، تخطيط الطرق، الحركة، اللاند سكيب، والتجربة الحياتية للمستخدمين — في صورة تجعل المعمار أقرب إلى إدارة حياة كاملة لا مجرد تصميم مبنى.

 

 

المطور... صانع الحياة الجديدة

التحول في مفهوم التطوير العقاري في مصر يعكس مرحلة جديدة من الوعي، حيث لم يعد نجاح المطور يُقاس بمساحة الأرض أو عدد الوحدات، بل بمدى تحقيقه لتجربة عمرانية متكاملة ومستدامة.

إنه انتقال من منطق البيع إلى منطق الإدارة، ومن فكرة البناء إلى فكرة الحياة المنظمة.

ومع كل مشروع جديد، يتأكد أن العقار لم يعد سلعة، بل منظومة معيشية.

وأن من يبني تجمعًا سكنيًا، في الحقيقة يبني أسلوب حياة جديدًا داخل المدينة المصرية الحديثة 

تسجيلي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز