عاجل
الأحد 7 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
الإسلام«حُر».. شكرًا سيادة الرئيس

الإسلام«حُر».. شكرًا سيادة الرئيس

الإسلام بكينونته الدينية حرٌّ عن أيِّ قيد من قيود الأسماء التي ما أنزل االله بها من سلطان، كالإسلام العلوى، أو السفيانى أو الأشعرى أو الماتريدى أو المعتزلى أو السَّلفى أو الإخوانى أو الصوفى، أو غير ذلك من الأسماء التي تُقيِّدُ سَعَة الإسلام بفقهه المتعدد الذي يستوعب كلَّ مَنْ سَلِم الناسُ من لسانه ويده.



ذلك أنَّ الإسلام الحرَّ قائم على استقلاليَّة المؤمن بإسلام وجهه لله تعالى صدقًا من قلبه، عن حنيفيَّة سمحة فى اعتقاد ما يليق بذات االله المقدسة، منافسًا فى ذلك سائر الخلق على قدر سَعَة كلِّ نفس وما آتاها االله من عقل وفكر وعِلْم وسائر أدوات الكينونة.

 

 

إنَّ عدلَ الله تعالى المطلق - قبل رحمته - قائمٌ على استقلاليَّة الإيمان فى المعتقد، واستقلاليَّة النيَّة فى العمل، واستقلاليَّة الحساب فى الآخرة الذي يقوم على معيار موحَّد يعتمد فيما بين الإنسان وبين ربِّه بسلامة القلب وطمأنينة النفس، ويعتمد فيما بين الإنسان وبين بنى جنسه بالوفاء بالعقود والعهود والأعراف السَّاريَّة.

 

 

بهذا العدل الإلهى الذي يجمع بين حريَّة الإنسان مع ربِّه وبين التزام الإنسان وانضباطه بالعقود والعهود والأعراف مع بنى جنسه تظهر كينونة الإسلام الحرِّ الذي ارتضاه الله للإنسانيَّة دينًا، وأرضاهم به عدلًا فيهم وبينهم. 

 

 

فكلُّ مكلَّف وشأْنُه الدينى مع خالقه، وما على الرَّسول وعلماء الدِّين إلَّا البلاغ والبيان والتَّذكير والنَّصيحة بأصولها المرعيَّة.

 

 

وكلُّ مكلَّف شريك مع سائر المكلَّفين ممَّن يتعامل معهم فى صورة عقود أو عهود أو أعراف تجمعهم على كلمة إنسانيَّة سواء، دون استقواء أحدهم على الآخر بحظوة كهنوتية غيبيَّة، أو بتمييز دينيٍّ طائفي؛ كما قال تعالى: «فلا تزكُّوا أنفسكم هو أعلم بمن اتَّقى» (النجم: 32)، وقال تعالى: «إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إنَّ الله يفصل بينهم يوم القيامة إنَّ الله على كلِّ شيءٍ شهيد» (الحج: 17).

 

 

ولا وجه لادَّعاء أعداءِ الإسلام الحرِّ المغرضين من حدوث الفوضى بالتَّعدديَّة الدينيَّة أو الفقهيَّة، فالأصلُ فى الدِّين هو انفراد كلِّ مكلَّف باختياره؛ كما قال تعالى: «وكلَّ إنسان ألزمناه طائره فى عنقه» (الإسراء: 13)، وانفراد كلِّ مكلَّف بالمحاججة عن نفسه عند الله تعالى؛ كما قال سبحانه: «يوم تأتى كلُّ نفس تجادل عن نفسها وتوفَّى كلُّ نفس ما عملت وهم لا يظلمون» (النحل: 111)، فلن يكون لزعيم دينيٍّ زعامة فى الآخرة؛ كما قال تعالى: «يوم لا تملك نفس لنفس شيئًا والأمر يومئذٍ لله» (الانفطار: 19).

 

 

الفوضى التشريعية

 

إنَّ الفوضى التشريعيَّة تكمن فى عدم التوافق المجتمعى على منظومة تعايش مشترك بين أهلِّ المَحلَّة الواحدة، ولا تكمن فى معتقدات الناس فى ربِّها، فهذه علاقة رأسيَّة إلى السماء يبتغى صاحبُها وجه الله تعالى، ويجبُ أنْ لا تمسَّ بشرًا بسوء، بخلاف المنظومة المجتمعيَّة فإنَّها تجمعُ أهلَ الأفق المشترك على كلمة سواء، كما اجتمع الرسول ﷺ مع أهل المدينة (يثرب سابقًا) بقبائلها المختلفة على وثيقة بيعة العقبة الكبرى قبيل الهجرة بأشهر، وما لحقها من صحيفة المدينة - المعروفة بدستور المدينة - فى السنة الأولى للهجرة التي جمعتْ الطوائف الدينية المختلفة على كلمة سواء، كما اجتمع الرسول ﷺ مع مشركى مكَّة فيما يعرف بصلح الحديبية سنة 6هـ، واجتمع عمر بن الخطاب مع أهل إلياء (القدس) المسيحيين فيما يعرف بالعهدة العمريَّة سنة 16هـ.

 

 

بهذا الإسلام الحرِّ من قيود التَّضييق ابتعث الله تعالى خاتم رسله ﷺ ليلة الحادى والعشرين من شهر رمضان قبل 1460 سنة قمريَّة أو عربيَّة، وبالتحديد يوم العاشر من أغسطس سنة 610م، كما حقَّقه «صفيُّ الرحمن المباركفوى الهندى ت2006م»، فى كتابه «الرَّحيق المختوم فى السيرة النبويَّة».

 

 

وبعد ذهاب الدهشة التي أصابت المذهولين من دعوة النبى الخاتم الناسَ إلى الإسلام الحرِّ بكلمة «لا إله إلَّا الله» رَأَى دخولَ الناس فى دِين الله أفواجًا، ووجد المؤمنون أنفسهم أصحابًا وصحابيَّاتٍ للرسول صلى الله عليه وسلم، وليسوا مريدين أو دراويش أو حاشية أو قطيعًا أو أتباعًا أو جمهورًا له ﷺ.

 

 

ثمَّ طرأت أزمات سياسيَّة مفهومة بعد موت الرسول ﷺ سنة 11هـ، كالحركات الانفصاليَّة باسم الرِّدَّة أو منع الزَّكاة التي واجهها «أبو بكر الصديق» - بكلِّ حسم - بعد ولايته للخلافة، وكخروج السيدة «عائشة» فى جيش إلى «البصرة» لمطالبة «على بن أبى طالب» بدم «عثمان» قصاصًا سنة 36هـ، وكخروج «على بن أبى طالب» سنة 37هـ من «العراق» فى جيش إلى «صفِّين بجوار مدينة الرِّقَّة السوريَّة حاليًّا» لمواجهة «معاوية» طلبًا لإسقاط ولايته على الشام ومصر حتَّى يَعُمَّ نفوذ «على بن أبى طالب» - بصفته الأحقُّ بالإمارة - على كلِّ الولايات التي كانت فى إمارة «عثمان بن عفان».

 

 

حكم الميليشيات

 

كلُّ هذا - مع شِدَّته وقسوته - يُمْكنُ تَفَهُّمه كنزاعات سياسيَّة معتادة فى التَّاريخ الإنسانى، ولكنَّ الذي يحتاجُ إلى وقفة، ويَعْجَز العقلُ الفقهى المسلم عن تَفَهُّمه هو تكوين خلايا تنظيميَّة مُسلَّحة، فى حكم «الميليشيات» تستبيح سفك الدِّماء، وخوض المعارك العسكريَّة الدَّامية، والحكم بالتَّكفير؛ لمجرَّد الاختلاف فى الاجتهادات الفقهيَّة أو الإفتائيَّة فى النصوص الشَّرعيَّة التي يكفلها «الإسلام الحُرِّ» لأصحابها أجرًا للمخطئ، وأجرين للمُصيب، دون أنْ يفتئت أحدٌ على أحد.

 

 

ومن أولى تلك الخلايا الدمويَّة قتلة «عثمان بن عفان» سنة 35هـ، ولم يشفع له عندهم حصانته بصفته أميرًا للمؤمنين، كما لم يشفع له كبر سنِّه البالغ 82 عامًا، أو لقبه الشَّريف بذى النُّورين؛ لمجرَّد أنْ اتَّهموه بالخطأ فى الفتوى - عن فتواهم - والابتداع فى الدِّين، ومن ذلك إفتاؤه بنسخ المصحف خمس نسخ وتوزيعها فى الأمصار؛ لنشره عند الناس بعد أنْ كان محفوظًا فى نسخة وحيدة هى الأصل فى بيت السيدة «عائشة»، ثم فى بيت السيدة «حفصة» مع حرق المصاحف المخالفة لمصحفه الإمام، وإفتاؤه بإنشاء أذان سابق على أذان صلاة الجمعة للتَّذكير بقرب وقتها، وإفتاؤه بإتمام الصلوات الرُّباعيَّة فى «عرفة والمزدلفة»؛ لمنع إساءة تعميم القصر للمقيمين دون اختصاص هذا القصر على الناسك أو المسافر، وإفتاؤه بتوريث المطلقة فى مرض الزوج معاملة له بنقيض قصده الذي يهدف إلى حرمانها من الميراث غالبًا.

 

 

 ومن أوائل تلك الخلايا الدمويَّة - أيضًا - الخوارج من جيش «على بن أبى طالب» الذين حاربوه، ورفعوا فى مواجهته شعار: «لا حكم إلَّا لله»، فكان يجيب عليهم بقوله: «هى كلمة حقٍّ يُرَادُ بها باطل»، ولم يشفع له عندهم حصانته بصفته أميرًا للمؤمنين، أو كونه ابن عمِّ الرَّسول ﷺ والذي نام على فراشه ليلة الهجرة، أو كونه ختن النبى ﷺ بزواجه من فاطمة وأنه والد الحسنين، فحكموا عليه بأنَّه يحكم بغير ما أنزل الله؛ لمجرَّد أنَّه خالفهم فى الفتوى، وكأن فتواهم هى حكم الله، ومَنْ خالفها فقد خالفَ حكم الله. ومن تلك الفتاوى التي خالفهم فيها: إفتاؤه بعدم اغتنام أموال جيش السيدة عائشة من الصحابة والتَّابعين، وعدم استرقاق السيدة «عائشة» أم المؤمنين بعد أسرها فى موقعة الجمل، وإفتاؤه بقبول التَّحكيم بعد موقعة «صفِّين» وتنازله عن صفة «أمير المؤمنين» لإتمام التَّحكيم مع «معاوية».

 

 

إنَّ استحلال الدِّماء واستباحة التَّكفير لمجرَّد الاختلاف المستحق فى الفتاوى معناه استدامة الصراعات الدَّمويَّة والعسكريَّة بين المسلمين أبد الدَّهر؛ لقيام الإسلام الحُرِّ على التَّعدُّديَّة الفقيَّة بديمومة الاجتهاد، وعلى التَّجديد الإفتائى بديمومة المُتغيِّرات، وهذا يستلزم - على منطق الدَّمويين والمُكفِّرين - ديمومة سفك الدماء، وديمومة التَّكفير.

 

 

مواجهة المنطق التكفيرى

 

وقد شغل هذا المنطق الدَّموى والتَّكفيرى أولى الأمر السَّابقين الأوائل، واهتدى بعضهم إلى مواجهته بالحوار، كما فعل ذلك عبد الله بن عباس فى لقائه بستة آلاف من الخوارج الذين تمرَّدوا على «على بن أبى طالب»، بعد أنْ استأذنه فى لقائهم، فرجع منهم ألفان، وقتل «على بن أبى طالب» سائرهم على ضلالة، كما فى رواية «الحاكم» فى «المستدرك»، وانتهى الحوار بهذا الحدث دون استدامة. 

 

 

وكان قتال الخوارج سنة 38هـ فى موقعة «النهروان»، وتفلَّت عدد منهم فى أماكن شتَّى فى بلاد فارس والجزيرة العربية وأجزاء من شمال أفريقيا، وأنشأوا فيها خلايا بهذا الفكر الدموى والتكفيرى، حتَّى إنَّ أحدهم وهو «عبد الرحمن بن ملجم» تربَّص بالإمام «على» فقتله سنة 40هـ، وقامت سلالاتهم الفكرية بعشرات الثورات والفتن الدمويَّة والتكفيريَّة فى شتَّى بقاع المسلمين وأزمنتهم؛ لمجرَّد اختلافات فقهيَّة أو إفتائيَّة، كما سرد ذلك «ابن كثير» فى «البداية والنهاية». 

 

 

ولا يزال هذا البلاء ساريًا فى تنظيمات الإسلام السياسى المعاصر حتَّى يومنا هذا؛ لعدم وجود مواجهة فكريَّة شاملة ومستدامة تَعُمُّ بلاد المسلمين؛ لأنَّ أيَّ خلية من هذا الفكر الدموى والتكفيرى كالسرطان عابر للحدود.

 

 

وفى نقلة فارقة فى عصور المسلمين الوسطى تفتَّقَ ذهنُ أولى الأمر فيهم إلى مغالبة الفكر الدَّموى والتَّكفيرى بالوصاية على عقول المسلمين فى فقه دينهم، فحكموا على عمومهم بالأميَّة الدِّينيَّة، واصطفوا من أهل الثِّقة مَنْ يحتكر الفتوى باسم «ولاية الإفتاء» فى بلاد «الفقه السُّنِّى»، وباسم «ولاية الفقيه» فى بلاد «الفقه الشِّيعى».

 

 

وكان أوَّلُ المُفكِّرين فى احتكار الفتوى من البلاد السُّنيَّة هو «أرطغل بن سليمان شاه» عندما كوفئ من «علاء الدين السَّلجوقى» سنة 1230م بمقاطعات من بلاد الأناضول (تركيا حاليًّا)؛ لإقامة دولته الموالية للسلاجقة، فاستعان «أرطغل» بالشَّيخ الحنفى الصوفى «إده بالى»، وجعل له الفتوى والقضاء دون سائر المسلمين، وأعانه بمساعدين، فنشأت المؤسَّسة الدِّينيَّة لأوَّل مرَّة فى تاريخ المسلمين، وحقَّقَت نجاحًا سياسيًّا لأرطغل؛ حتى إنَّه عندما حضرته الوفاة سنة 1281م اختار أصغر أبنائه «عثمان» المولود 1258م ليكون وليًّا للعهد، وكان مما أوصاه، كما هو مكتوب على قبر «أرطغل» حتى اليوم: «انظر يا بني: يمكنك أنْ تؤذينى ولكنْ لا تؤذ الشيخ إده بالي.. كنْ ضدى ولا تكن ضده.. إنَّ كلماتى ليست من أجل الشيخ إده بالى بل هى من أجلك أنت، ولتعتبر مقالتي هذه وصية لك».

 

 

التزم «عثمان بن أرطغل» بوصية أبيه، وقوَّى شوكة مؤسَّسة الشيخ «إده بالى» الدينية، فحشد الشيخُ الناسَ للأمير الذي انطلق فى احتلال البلاد حوله، ثم أعلن لأوَّل مرَّة استقلاله عن الدولة السلجوقية وإنشاء دولته العثمانيَّة التي أسماها باسمه سنة 1299م، وكان قد تزوج من ابنة الشيخ «إده بالى»، وأنجب منها ابنهما «أورخان»، وهو ثانى أبنائه الذي عهد له الحكم من بعده، وأوصاه عند موته، الذي كان بعد موت شيخه «إده بالى» بقليل سنة 1326م، وكان مما أوصاه: «اعلم يا بني: إنَّه بالجهاد يَعُمُّ نور ديننا كل الآفاق.. وإنَّ نشر الإسلام وهداية الناس إليه وحماية أعراض المسلمين وأموالهم أمانة فى عنقك.. اخدموا الإسلام دائمًا.. اذهبوا بكلمة التوحيد إلى أقصى البلدان بجهادكم فى سبيل الله»، هكذا كان المشروع السياسى للدولة مشروعًا دينيًّا.

 

 

وكان ثانى المفكرين فى احتكار الفتوى من البلاد الفارسيَّة هو «صفى الدين الأردبيلى» الشاعر الصوفى المولود 1252م، والمتوفى سنة 1334م، وكان قد دخل الطَّريقة «الزَّاهديَّة» الصوفيَّة السُّنيَّة وتولَّى رئاستها، فغلب عليها باسمه، وأصبح ت الطريقة «الصَّفويَّة» لأولاده من بعده، وعندما تولَّى حفيده «الخوجة على» سنة 1339م تحوَّل إلى التَّشيُّع على المذهب الإثنى عشرى هو وجميع أبناء الطريقة التي انتشرت فى أرجاء إيران والعراق والشام، إلى أنْ ظهر «إسماعيل شاه» أحد أحفاد الطريقة «الصفويَّة» فأعلن إقامة دولته الصَّفويَّة الشيعيَّة القائمة على احتكار الفتوى باسم «ولاية الفقيه» سنة 1501م.

 

 

هكذا ولدت فكرة احتكار الفتوى فى بلاد السُّنَّة باسم «ولاية الإفتاء»، وفى بلاد الشِّيعة باسم «ولاية الفقيه»، والهدف فيهما خدمة سياسة الدولة بالمتاجرة الدينيَّة، وذلك لمواجهة الفكر الدموى والتكفيرى لمجرَّد الاختلاف الفقهى أو الإفتائى، وليس الهدف منها بناء الإنسان على الاستقلاليَّة والاعتماد على النَّفس.

 

 

الاختلاف فى الفتوى

 

ومع تلك الأفكار الاحتكاريَّة للفتوى، والوصائيَّة على عموم المسلمين فى فقه دينهم، فإنَّ بلادهم - سُنَّةً وشِيعةً - لم تسلم من الإرهاب الدموى والتَّكفيرى المُنظَّم، ولا يزال اختلاف الفتوى مثارًا للفتن الدمويَّة والتكفيريَّة على مدار 1412 سنة هجرية، أو 1369 سنة ميلاديَّة، منذ مقتل «عثمان بن عفَّان» سنة 35هـ ـ 656م إلى عامنا هذا 1447هـ- 2025م؛ وذلك لعدم المواجهة الفكريَّة الشَّاملة المستدامة، ولعدم تحصين المجتمع ببناء الإنسان المستقل المعتمد على ربِّه، ولعدم المكاشفة لحقيقة الفتوى بأنَّها تعبيرٌ عن رأى صاحبها بثقافته البشريَّة الذي يخطئ ويصيب، وليستْ كما يُشيعون تقديسها، فيقولون - بالباطل - إنَّها كاشفة عن مراد الله، وأنَّ المفتى يُوقِّعُ عن الله، حاشاهُ سبحانه؛ فقد قال تعالى: «ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إنَّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون» (النحل: 116)، وأخرج مسلم من حديث بريدة، أنَّ النبى ﷺ كان يقول لمن يؤمِّره على الجيش: «وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تُنزلهم على حكم الله فلا تُنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا».

 

 

وكان يوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025م، الموافق 5 جمادى الآخرة 1447هـ هو الأغرُّ والمشهود فى تاريخ المصريين خاصة، وكل بلاد المسلمين عامَّة التي طالما تشتكى من الفكر الإرهابى الدموى والتكفيري؛ لمجرَّد الاختلاف الفقهى، منذ مقتل «عثمان بن عفان» الذي خالف قَتَلته فى الفتوى، قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، فأرادوا أنْ يُطفئوا نور الحريَّة فى الإسلام الحنيفيِّ السَّمح، الذي أعلن رسوله الكريم لآحاد أصحابه، كما أخرجه أحمد عن وابصة وعن أبى ثعلبة: «استفت قلبك، استفت نفسك، البرُّ ما اطمأنَّ إليه القلب، واطمأنَّت إليه النفس، وإنْ أفتاك الناس وأفتوك.. وإنْ أفتاك المفتون». 

 

 

حتَّى جاء لهذا الزَّمن المنفوح ببركات السماء حاكم مصر، ورئيسها البطل «عبد الفتاح السيسي» الذي لم يخش فى الله لومة لائم، فواجه مؤامرة «الفوضى الخلاقة» وأكذوبة «الرَّبيع العربى» فى 2012م، فحفظ الله مصر على يديه الكريمتين، وعادت إلى أهلها بعد أنْ اختطفتها الفئة الباغية سنة كاملة، ثمَّ واجه حربهم الإرهابية الغاشمة بالقوة التي وصفها - عن عمد - بالغاشمة فدحض إرهابهم وقضى عليه، وكان الله تعالى قد كتب له القبول فى شعبه فاجتمعوا بحبِّه على التَّضحيَّة من أجل الوطن - حتَّى فى ظلِّ جوائح كورونا وحرب أوكرانيا - فتضاعفت القوَّة العسكريَّة للجيش، وتمَّ إحياءُ المؤسَّسات من موات، وأنشِئت العاصمة الجديدة والمدن السَّاحليَّة والسَّكنيَّة والطرق والكبارى، وتوسعت قناة السويس وأنواع وسائل المواصلات الحديثة، وتمَّ إعمارٌ فى الزراعة والصناعة والصحة والتَّعليم وسائر الخدمات، كما تمَّ تجديدُ البنايات الخدمية، وتحديثُ القرى والنجوع، ونشاطًا فى رعاية ذوى الحاجات وذوى الهمم وفى دعم الموهوبين تلاوة وفنًّا ورياضة، ثمَّ تاج المكرمات الإلهيَّة فى إنهاء حرب غزَّة، ومنع تهجير أهلها.

 

 

إنَّ رَجُلًا بهذا الحجم من الإنجازات - فى عشر سنوات فقط - لقادرٌ بفضل الله وعونه وتوفيقه على ما أعلنه فى الأكاديميَّة العسكرية المصريَّة أمام حملة الدكتوراه من أئمَّة وزارة الأوقاف على خوض أشرف معركة وأقدسها فى تاريخ المسلمين، وهى إحياء «الإسلام الحُر»، يعنى الحُرَّ عن أيِّ قيد ينالُ من سَعَته ورحابته، وهو الإسلامُ الذي يبنى الإنسان على الاستقلاليَّة والاعتماد على النفس بالحريَّة المنضبطة التي تقف عند حدود الآخرين.

 

 

انتهى زمن الإسلام السياسى المتاجر بالدِّين، المستعبد أتباعه لصالح مكاسب زعمائه الدنيويَّة، فقد جاءنا نداء الحقِّ من القوى الأمين بإحياء الإسلام الدينى الذي يمتثل لقوله تعالى: «ويكون الدين كله لله» (الأنفال: 39)، وقوله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» (النحل: 125)، وقوله تعالى: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى» (البقرة: 256). 

 

 

أمل المصريين

 

آنِ لأمل المصريين وحلمهم أنْ يتحقَّق، وإن طال زمن انتظارهم، لكنَّهم لم ولنْ ييأسوا من رَوْح الله الذي أقسم بعزَّته وجلاله لينصُرنَّ المظلوم ولو بعد حين، وقد ظُلِم كثيرٌ من المصريِّين بالافتئات عليهم - فى فقههم لدينهم، وفى تغرير شبابهم وفتياتهم بأخذ البيعة أو العهد على زعيم وصف نفسه بالدِّينى استعبدهم بالسَّمع والطاعة، وفى تعاملاتهم البنكيَّة والفنيَّة والسِّياحيَّة الرَّسميَّة، وفى اختيار زيِّ نسائهم اللائق فى أعرافهم - من بعض المُستغليِّن أو المتغوِّلين أو المتغلِّبين أو المُغرضين أو المعقَّدين أو المتاجرين بدين الله، وآن الأوان أن تَهُبَّ نسائم رحمة دين الله القائل: «يريد الله أن يخفِف عنكم وخلق الإنسان ضعيفًا» (النساء: 28)، والقائل: «لا يكلف الله نفسا إلَّا وسعها» (البقرة: 286). 

 

 

شكرًا سيادة الرئيس «عبدالفتاح السيسي» فقد عطَّرتَ المصريِّين بأريج الإسلام الحُرِّ الذي يُرْضى الله، ويُرَضِّى الناسَ عن الله، ويجعل الدِّين لله كما أمر، والحريَّة المنضبطة هى الحقُّ الذي نحرسه للجميع. 

 

 

وكلنا يعلم أنَّ هذا الحلم والأمل سيأْخُذُ وقتًا طويلًا، فلا على فخامتكم وإن أدرك جيل الأبناء أو الأحفاد، فحسبنا حمدًا لله لكم أنْ جعلتم الأكاديمية العسكريَّة المصريَّة ـ بعد الله تعالى ـ كفيلًا قويًا ومُتعهِّدًا مستدامًا.

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز