
وليد إسماعيل .. أخطر رجل في مصر

كتب - أحمد شوقى العطار
(1) سجل حافل من الجرائم
في مطلع يناير من عام 2017 شهدت محافظة الإسكندرية جريمة قتل على الطريقة الداعشية، وذلك عندما كان المواطن يوسف لمعي يجلس أمام محل الخمور الذي يملكه بالإسكندرية ويمارس عمله المعتاد بينما فاجئه أحد الأشخاص من الخلف ماسكا بسكين حاد واقترب منه بحذر ثم قام بذبحه في عرض الشارع، قبل أن يعدو هاربا، تاركا خلفه يوسف لمعي جثة هامدة.
في غضون أيام نجحت الشرطة المصرية في القبض على الإرهابي "عادل عسلية" الذي ذبح يوسف لمعي أمام محله، وفي غضون ساعات كان "عسلية" أمام النيابة يدلي باعترافاته.
وقال "عسلية" ضمن ما قاله أمام النيابة إنه ينتمي للجماعة السلفية وتحديدا لما يسمى بائتلاف "الدفاع عن الصحب وأل البيت" وهو أحد أذرع الدعوة السلفية في مصر ويقوده "وليد إسماعيل"- واحد من أخطر العناصر السلفية المتشددة في مصر- واعترف "عسلية" أنه إلتقى ب "وليد إسماعيل" قبل يومين من تنفيذ عمليته الإرهابية التي راح ضحيتها المواطن المصري المسيحي "يوسف لمعي"، وأن العلاقة بينهما قديمة، وأنه- "عسلية"- متأثر بشدة بفكر "وليد إسماعيل" المناهض للشيعة والمسيحيين وغير المسلمين بشكل عام..
كما أكد أحد الشهود -وهو صديق الإرهابي عادل عسلية - أن الأخير كان يتحدث دائما مع المقربين منه عن كرهه الشديد للمسيحيين والشيعة استنادا لأقوال "الشيخ وليد إسماعيل" ، وقال الشاهد نصا: " عسلية قال لي أنا نفسي أقتل شيعي أو مسيحي عشان أدخل الجنة حدف"، وأنه كان يدلل على كلامه دائما بالقول: "الشيخ وليد إسماعيل قال .. الشيخ وليد إسماعيل أكد.."
اللافت أنه عندما سُأل الشيخ التكفيري وليد إسماعيل عن رأيه فيما إرتكبه "عسلية" قال نصا في تصريحات نشرتها صحيفة بلدنا اليوم "الخمور محرمة في كتاب الله، والتصريح ببيعها لا يجوز، فلماذا نمسك في رد الفعل ونترك الفعل؟، مصر دولة إسلامية يجب أن تكون بلا خمور، وعند وقوع مشكلة من هذا النوع يتم حساب من قام بالمشكلة، لكل فعل رد فعل، فيجب أن نحذف ما يدفع لفعل هذه الأمور، يجب منع الخمور حتي لا تحدث مثل هذه الأمور مرة آخرى".
قبل ذلك بعامين وتحديدا في نهاية سبتمبر 2015 تمكنت أجهزة الأمن المصرية من ضبط خلية داعشية، تضم شقيقتين و4 عناصر آخرين، تورطت في تنفيذ الهجوم على سفارة النيجر بالهرم، والتي أسفرت عن مقتل مجند وإصابة 3 آخرين، وكشفت التحقيقات التي أجرتها السلطات هوية الفتاتين، وأن إحداهن تدعى سارة وتعمل طبيبة نساء والثانية تدعى يارا وهي صيدلانية، وإشتركتا مع آخرين في العديد من العمليات الإرهابية بالجيزة، و تورطتا في حيازة أسلحة نارية ومتفجرات والتخطيط لاستهداف سفارات وهيئات دبلوماسية ومنشآت شرطية ضمن خلية يقودها إرهابي يدعى مجدي البسيوني، ويديرها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
واعترف المتهمون الـ6 خلال التحقيقات بأنهم رصدوا 3 كنائس وأقسام الشرطة داخل مديرية أمن الجيزة، تمهيداً لاستهدافها، من بينها قسم شرطة الهرم وقسم شرطة الجيزة، بالإضافة لسفارات، وذكر المتهمون أن قرارهم بتفجير السفارة كان بمثابة الاعلان عن تواجد التنظيم في القاهرة، موضحين أن أفكارهم كانت تعتمد على إحداث حالة من الفوضى في البلاد لإجبار النظام السياسي على التخلي عن الحكم وفرض الشريعة وتطبيقها بالقوة. كما اعترفوا بأنهم بايعوا أمير "داعش"، أبو بكر البغدادي.
أما البسيوني الذي لقى مصرعه على يد قوات الشرطة،- وهو المتهم الرئيسي في القضية – كشفت التحقيقات أنه سافر سرا إلى سوريا خلال فترات سابقة عبر تركيا، ثم عاد منها إلى مصر أخيرا، وتلقى تدريبات على يد قيادات التنظيم في فك وتركيب المتفجرات وتنفيذ التفجيرات باستخدام الهواتف المحمولة، كما كشفت التحقيقات أيضا أن البسيوني كانت تربطه علاقة قوية بالشيخ وليد إسماعيل المنسق العام لما يسمى بائتلاف "الدفاع عن الصحابة وأل البيت"، وبباقي قادة الإئتلاف.
لم يظهر اسم ائتلاف الدفاع عن الصحابة وأل البيت وقائده وليد إسماعيل في تلك الوقائع فقط ، بل سبق ظهوره خلال التحقيق في عدد من الوقائع الإرهابية الآخرى، لعل أبرزها هي واقعة مقتل المواطن المصري حسن شحاته وشقيقه وأثنين آخرين وجميعهم يعتنقون المذهب الشيعي في مشهد داعشي بإمتياز منتصف عام 2013، وذلك عندما حاصر مئات من أهالي قرية زاوية أبو مسلم في مركز أبو النمرس في محافظة الجيزة (نحو 30 كم جنوب العاصمة) منزل حسن شحاتة (66 عاما) وقاموا بضربه ومن معه حتى الموت ثم سحلوهم "حتى مدخل القرية" معبرين عن شعورهم بالفخر، وكشفت التحقيقات أن تحريض ائتلاف الدفاع عن الصحابة وأل البيت بقيادة وليد إسماعيل ضد الأقلية الشيعية في تلك الفترة كان السبب الرئيسي وراء واقعة مقتل حسن شحاته ورفاقه.
(2) دستور سلفي
على عكس ما يؤكد البعض فأن الظهور الأول لوليد إسماعيل لم يكن في 2012 عقب تأسيس الائتلاف، لكنه كان قبل ذلك بعام، وتحديدا بعد ثورة 25 يناير مباشرة، حينما قام عدد من السلفيين بنشر ما أسموه بالدستور السلفي عبر إيميلات مجهولة، وتداولوه داخل شبكة سلفية على الإنترنت، لتسويقه فيما بعد للجماهير واقناعها بتبنيه كدستور للبلاد بعد الثورة.
الدستور السلفي يتكون في 20 مادة أخطرها على الإطلاق مادة نصت على حظر تداول أي شرائع أو قوانين وضعية وأن من يخالف ذلك يطبق عليه حد الردة والخروج عن الملة، ومادة ثانية تنص على تدريس الشريعة الإسلامية تدريسًا جبريًا علي جميع أهل مصر بما فيهم غير المسلمين، وتضاف إلي المجموع، ومادة ثالثة تلزم أهل مصر بإطلاق اللحية وعف الشارب للرجال والنقاب للنساء وتولي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تطبيق ذلك والإشراف عليه، ومادة آخرى تحظر إنشاء أية أحزاب سياسية، ومواد أخرى تنص على دفع الجزية لغير المسلمين، وتجرم أي مذهب إسلامي أخر بإستثناء المذهب السني.
كان وليد إسماعيل من بين المروجين لذلك الدستور، وقد يكون شارك في صياغته.
(3) ظهور مريب
فى مايو 2012 ظهر فجأة ما يعرف الأن بـ"ائتلاف المسلمين للدفاع عن آل البيت والصحب" رافعا شعار التصدى للفكر الشيعى والحفاظ على الهوية السُنية، دون توضيح مسبق عن مصادر التمويل أو البرنامج أو حجم الائتلاف.
فقط أعلنوا أن على رأس الائتلاف عدد من أبناء التيار السلفى، على رأسهم الشيخ سعيد عبد العظيم، عضو الدعوة السلفية السابق والهارب خارج مصر الأن لتورطه في عدد من الجرائم الإرهابية، وحازم أبو إسماعيل القيادي السلفي المحبوس حاليا، وثلاثة من الصف الثالث داخل الدعوة السلفية هما علاء السعيد، ووليد إسماعيل وناصر رضوان.
في خلال أسابيع انتشرت مقرات الائتلاف فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، وتمثل عمله في بداية الأمر في طباعة الكتب التى تهاجم الشيعة وتكفر المنتمين لهذا الفكر وتحرض ضدهم، وتنظيم اللقاءات الجماهيرية للتحذير من نشر الفكر الشيعى فى مصر، بالإضافة لتدشين قناة تليفزيونية وصفحات رسمية للائتلاف على موقعى «فيس بوك» و«تويتر» لنشر فعاليات الائتلاف وأفكاره المتطرفة، ووصل عدد المتابعين إلى الآلاف فى فترة قليلة.
ورغم أن القانون يمنع جمع التبرعات، إلا من خلال الجمعيات الأهلية، وكذلك بإيصالات تظهر الأموال التى حصلت عليها الجهة التى تقوم بتحصيل التبرع وتحديد ماهية انفاق تلك الأموال، فإن وليد إسماعيل قام بفتح باب التبرع للقناة على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، ضاربًا عرض الحائط بنصوص القانون، حيث أبدى عدد كبير من المتابعين استعدادهم للتبرع لنصرة الدين ومواجهة المد الشيعى الذى أكد وليد علي خطورته وضرورة التصدى له قبل أن يتفشى فى المجتمع.
مع سقوط حكم الإخوان، انتقلت قيادة الائتلاف إلى علاء السعيد، ووليد إسماعيل، وناصر رضوان، واستطاعوا بسط نفوذهم داخله وقاموا بتطوير أسلوب عمل الائتلاف، وتبنوا خطابا حادا ضد المخالفين لهم واتهموا كل من يعارضهم بالتشيع والكفر أحيانا، وبدأوا في التحريض من خلال صفحاتهم وقنواتهم ومنابرهم ضد الشيعة بشكل مباشر وواضح وضد المسيحيين أيضا لكن على استحياء ودون التورط في عبارات تحريضية واضحة خوفا من رد فعل الدولة.
في ذلك التوقيت بدأ يلمع اسم وليد إسماعيل، وبدأ الأنصار يلتفون حوله، واستطاع خوض عدة معارك عدة للسيطرة التامة على الائتلاف ونجح في حسمها جميعا، وكان أهمها معركته حول التمويلات التي تأتي من الخارج دون علمه، وذلك بعد أن حصل ناصر رضوان فى 2014 على تمويل ضخم أثناء زيارته لتركيا لحضور أحد المؤتمرات دون أن يخبر وليد إسماعيل به، مما اضطر الأخير لاستبعاد رضوان نهائيا من الائتلاف مبررا ذلك بأن رضوان وضع التمويل «فى جيبه» ويضحك على عقول البسطاء باسم محاربة التشيع.
لم ينته عام 2014 إلا ووليد إسماعيل يتحكم تماما في الائتلاف غير القانوني وأمواله التي تصل إليه بطرق غير مشروعة.
بدأ إسماعيل منذ عام 2014 في التحرك بشكل مختلف، حيث بدأ بتحريض أنصاره على النزول للشوارع -لاسيما بعد أن نجح تحريضهم السابق في دفع المئات لقتل وسحل حسن شحاتة- والتصدي للشيعة أثناء الاحتفالات بمولد الحسين ومحاصرة مسجد الحسين وإعلان تشكيل لجان حول المسجد لتتبع أى شيعى يحاول دخول الضريح لممارسة شعائره وطرده خارج المسجد، وحرضوا أيضا على مهاجمة المكتبات والمعارض التي تعرض الكتب الشيعية، كما أنهم دعوا أنصارهم للتصدي لبناء الكنائس الجديدة في محافظات مصر.
وتبنى إسماعيل خطابا يؤكد أن الشيعة هم العدو الأول للدعوة السلفية وكل السلفيين بل لكل المسلمين، كونهم يسبون الصحابة، ولا يجوز التعامل معهم، أو الشراء من تجارتهم، أو مجالستهم، أو الدخول معهم في علاقات نسب، أو حتى الابتسام في وجوههم.
وكان لإسماعيل العديد من التصريحات المثيرة في عدد من البرامج التلفزيونية التي ظهر فيها أهمها وأخطرها على الإطلاق تصريحات تتعلق بالإشادة بأفعال تنظيم داعش حين ظهر لأول مرة عام 2013، وتصريحات آخرى تصف ما حدث في 30 يونيو بالانقلاب.
(4) لجان للتحرض
ومع بداية العام 2018 بدأ وليد إسماعيل في عملية شاملة لتطوير آليات الائتلاف التحريضية، وبدأ في خطة موسعة للانتشار في كل ربوع مصر وتأسيس مجموعة قنوات تليفزيونية وتأسيس جمعيات أهلية تبدو أنها جمعيات خيرية أمام الدولة والمجتمع ولا علاقة لها بالائتلاف، لكنها في حقيقة الأمر تتبع الائتلاف وتأتمر بأوامر وليد إسماعيل، وتتلقى منه التمويل مباشرة، وتهدف للتمدد والانتشار داخل المجتمع المصري والتقرب من البسطاء بكل السبل المتاحة لنشر الفكر التكفيري.
ويستعد إسماعيل وائتلافه خلال هذه الفترة -وبمساعدة الدعوة السلفية بالإسكندرية- لتأسيس لجان تكفيرية للرصد والمتابعة تستهدف الشيعة والمسيحيين.
تفاصيل هذه اللجان يذكرها لنا أحد مصادرنا داخل التيار السلفي- والذي رفض ذكر اسمه خوفا من التنكيل به من قادة الائتلاف- حيث أكد أن الائتلاف بصدد تأسيس ثلاث لجان فرعية سرية، اللجنة الأولى تتعلق بالشيعة ومهمتمها رصد أسماء وعناوين وبيانات تفصيلية حول جميع المواطنين الشيعة في مصر، وتتبنى هذه اللجنة مهمة صناعة كوادر سلفية داخل المناطق والتجمعات التي يسكنها شيعة لمواجهتهم بكل السبل المتاحة وتحريض الأهالي ضدهم، أما اللجنة الثانية تتعلق برصد جميع المنازل التي يستخدمها مواطنين مسيحيين لممارسة شعائرهم داخلها، وجميع الأماكن التي تبنى فيها كنائس جديدة وذلك لتحريض أهالي تلك المناطق ضد بناء الكنائس والمساهمة في بناء مساجد في هذه المناطق لمواجهة ما أسموه التبشير بالمسيحية، أما اللجنة الثالثة وظيفتها جمع الأموال والتبرعات بشكل منظم لمواجهة التبشير بالمسيحية والمد الشيعي على حد زعمهم.
الحقيقة أن وليد إسماعيل يزداد قوة يوما بعد يوم، ويكسب أرضا جديدة في كل لحظة يُترك فيها ليمارس عمله بأريحية، ويقترب جدا من اهدافه غير المعلنة وهي إثارة الفتن الطائفية في مصر والتحريض ضد غير المسلمين وتقييد حرية الاعتقاد، ورغم كل ذلك، ورغم كل الاتهامات الموجهة له والحث على الكراهية والعنصرية ضد مواطنين مصريين ورغم مخالفته الواضحة للدستور الذي ينص في مادته رقم 64 على أن حرية الاعتقاد مطلقة.
وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون، إلا أن إسماعيل مستمر في عمله، وائتلافه غير القانوني لا يزال قائما حتى هذه اللحظة، وأنصاره أحرار يمارسون التحريض والطائفية .