عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
فن الدبلوماسية.. (إتيكيت استخدام نبرة الصوت)

فن الدبلوماسية.. (إتيكيت استخدام نبرة الصوت)

إن نبرة الصوت مثل المقطوعة الموسيقية تتكون من مجموعة من النغمات العالية والمنخفضة وكذلك الظواهر الطبيعية على سبيل المثال في هبوب الرياح فهناك العاتية التي يتجنبها الناس بسبب صوتها العالي المخيف والمزعج وهناك الرياح العذبة الهادئة التي تلامس مشاعر الناس بكل معاني الارتياح والاسترخاء وهذا ما ينطبق على نبرة الصوت.



 

نلاحظ أن جميع المعاهد والجهات الأكاديمية الدبلوماسية التي تدرس هذا المفهوم تؤكد أن تكون نبرة الصوت بين المنخفضة إلى المعتدلة في أعلى مراحلها ويسمى هذا الأسلوب أو النمط بأنه الأسلوب (الملكي أو السلطاني) لما له مدلولات على الشخصية الهادئة المشرقة المتعلمة حيث تلعب نبرة الصوت دورًا أساسيًا في بناء أو هدم إي علاقة أو احترام لما له من أثر كبير على نفس المتلقي سواء إيجابيا أو سلبيًا بغض النظر عن نوع الكلام وفي طبيعة الحال فإن الإنسان لا يختار صوته ولكن يستطيع أن يتحكم فيه من حيث حدة الصوت وشدته وهناك عدة مستويات ونبرات ومنها الرخيم والأبح والجهوري والنشاز وغيره، فبعض الأشخاص يتميز بصوت هادئ ودافئ ومريح يلامس مشاعر الناس، والبعض لديه صوت عالي ومستفز يجعل المستمع يتفادى الإنصات إليه.

 

يعتبر إتيكيت نبرة الصوت من أهم المفاهيم الحديثة بفن الدبلوماسية وعلم الاجتماع ولغة الجسد. يقصد بإتيكيت الصوت هي (نبرة ومستوى الصوت لدى الشخص) وكان من أهم الدروس التي تدرس في المدرسة الفرنسية الدبلوماسية في نهاية القرن الثامن عشر هي نبرة الصوت الهادئة والمنخفضة لتدلل على رقي الشخص في أخلاقه وتربيته ومستوى تعليمه، ويعتبر إتيكيت الصوت في السلك الدبلوماسي من أحد أهم الدلائل الإيجابية للدبلوماسي ورقي معلوماته وحنكته وشخصيته خاصة في المحافل الدولية وحضور المناسبات الوطنية في ساحة عملهم. وهذا ما هو مطلوب في كل شرائح المجتمع بدءًا من العائلة والتي هي أصغر مكون أو نواة بالحياة إلى أكبر المجمعات البشرية وهي الأسواق والمولات ومحطات القطارات وصالات المطارات.. الخ ويستثنى من ذلك الجانب العسكري.

 

 

كانت مدرستنا الإسلامية سباقة وهي الأولى في هذا المجال حيث حثت على الصوت الهادئ المنخفض وهناك آيات قرآنية كريمة بهذا الخصوص، واضعين بعين الاعتبار المكانة الاجتماعية والدينية والعلمية والعمرية لكل شخص، وكانت هذه الآية الكريمة ذات دلائل كبيرة في هذا الموضوع حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ... سورة الحجرات آية 2: وهو مثال ودرس رباني راق وكامل علينا الاقتداء والعمل به لنا جمعيا ابتداءً من الأسرة الصغيرة من الابن والوالدين/ الرعية والمسؤول بين الأدنى والأعلى/ الموظف ومديره إلى آخر الأمثلة التي يمكن تطبيقها، لأن الله سبحانه وتعالى خاطب أصحاب الرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم" بعدم رفع صوتهم فوق صوت النبي لمنزلة الرسول الكريم وهو سيد وخاتم الأنبياء وعليه يجب علينا نحن أن نقتدي بهذه الآية الكريمة ونجعل طبيعة تعاملنا مع الآخرين بنفس الأدب الرباني.

 

 

أن إتيكيت الصوت وما يحمله من أدب التعامل يعكس صورة حضارية وراقية وسوف ينظر لك الجميع بكل احترام وتقدير لما له من سمات جميلة وحساسة وهادئة ولا ننسى اختيار الكلمات المناسبة والمتداولة على العكس من الصوت المرتفع والنبرة العالية المستهجنة من أغلبية أفراد المجتمع. حيث قال تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴿١٩ لقمان﴾ وقد أدبنا القرآن الكريم بهذه الآية الكريمة بأن صوت الحمير عالي النبرة ومرتفع الصوت لذلك يكون مكروهًا وغير محبذ عكس الأصوات الجميلة الهادئة. وأكد الخالق أهمية خفض الصوت لما له من هيبة ووقار قال تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ (12 لقمان) وهنا كلمة أغضض بمعنى أخفض الصوت على أن يكون هادئًا وجميلًا. أن هناك تكريمًا من رب العزة الذين يخفضون الصوت أمام الرسول الكريم لذلك فإن الإسلام والقران الكريم يعلمان البشرية لغة الجسد وإتيكيت الصوت لذلك علينا الالتزام والعمل به على مختلف الأزمان والأماكن من العائلة إلى أسرة الموظفين سواء في الوزارة أو الأماكن الرسمية الأخرى بمختلف وأنواعها.

 

 

إن حسن الصوت وهدوء نبرته ووضوح مخارج الأصوات من العلامات التي علمنا إياها رسولنا الكريم "صلى الله عليه وسلم" في حديثه الشريف: (زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة فإن الكلام الحسن يزيد حسنًا وزينة بالصوت الحسن، لذلك نرى الخشوع وحسن الصوت في الترتيل والتجويد لتظهر نعمة الصوت التي وهبها الله لنا لذلك علينا أن نربي أطفالنا وأبناءنا على ذلك بدلًا من أن نلهث خلف المدارس الغربية.

 

 

وفي الختام: علينا الاقتداء والعمل بالأسلوب الهادئ وهو الأسلوب الملكي أو السلطاني ابتداءً من الأسرة الصغيرة/ الرعية والمسؤول بين الأدنى والأعلى/ الموظف ومديره إلى آخر الأمثلة التي يمكن تطبيقها في حياتنا اليومية لما لها من انعكاس على شخصية الإنسان.

 

* دبلوماسي سابق

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز