عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الدرس المصري

الدرس المصري

كثيرة هي الدلالات التي تكشف عنها تداعيات وفاة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وهذا التعاطف الكبير على المستويين الرسمي والشعبي، هذه الحالة من الحزن لوفاة الرئيس وهذه الحالة من التقدير الكبير لشخصه وللدور الذي قدمه على مدار سنوات حياته ضابطا في القوات المسلحة المصرية ثم أحد قادتها ثم رئيسا للبلاد على مدار 30 عامًا، كعادتها مصر دائما تعطي الدروس والعبر للآخرين، مصر تؤكد دائما وأبدا أنها حقًا أم الدنيا وهي تستحق ذلك وعن جدارة.



 

 

لا تناقض في المشهد المصري، لا تناقض بين فبراير عام 2011 وبين فبراير عام 2020، لا تناقض حقيقيا بين الغضب والحب، كلاهما مكون أساسي للشخصية المصرية وكلاهما يعبر عن مكنونها وثرائها وتفاعلها وديناميكيتها، لا تناقض بين محاكمة الرئيس الأسبق وكيل الاتهامات له وبين حالة الحب لشخصه التي تجسدت على كل المستويات الرسمية والشعبية وعبر مساحات الإعلام المصري المقروء والمرئي وكل قنواته وفضائياته وكذلك السوشيال ميديا وقنوات التواصل الاجتماعي.

 

 

لا تناقض بين صرخات الغضب التي انطلقت من حناجر الثوار ونهنهة الباكين حزنا على فراقه، الحالة واحده وهذه هي خصوصية مصر التي تميزها عن غيرها، مصر التي تثور وتغضب ومصر التي تغفر وتعفو وتسامح، مصر التي تبحث عن الجديد وعن المستقبل ومصر التي تقدر حجم العطاء الذي قدمه رئيس بحجم مبارك وحجم الدور الذي بذله، مصر التي تثور على الجمود والاحتكار والاستئثار بالسلطة وتبحث عن الحرية والتعددية والانطلاق ومصر التي لا تنسى ولا تنكر ولا تتجاهل.

 

 

مبارك الذي ثار عليه المصريون هو نفسه مبارك الذي بكاه المصريون، وهذا هو موطن الجمال في الشخصية المصرية التي أبهرت العالم في فبراير 2011 وأبهرته أيضا في فبراير 2020، هذا هو موطن الإبداع في المشهد السياسي المصري أو بمعنى أدق في الحالة المصرية التي تنفرد بها مصر عن جميع دول العالم، تقدير على المستوى الرسمي حظي به مبارك عبرت عنه بوضوح الجنازة الرسمية العسكرية المهيبة التي كانت عنوانا على مدى تقدير الدولة المصرية للرئيس مبارك وللدور الذي قدمه، وتقدير على المستوى الشعبي عبر عنه هذا التعاطف وهذه الألسنة التي انطلقت بالدعاء وطلب الرحمة والمغفرة له عبر قنوات الإعلام المصري ومساراته والسوشيال ميديا، كانت الجنازة العسكرية والتعاطف الشعبي عنوانا لمعدن أصيل وقيمة عظمى متأصلة في الفكر السياسي المصري وفي الشخصية المصرية من أدناها إلى أعلاها من أبسط مواطن إلى شخص رئيس الجمهورية وهو معدن الوفاء الذي يقل وجوده حاليا بل يندر وجوده حتى في أكثر دول العالم تحضرا والتي قامت على أرضها حضارات قديمة وحديثة وعبر أزمنة مختلفة.

 

 

الحب الذي أحاط به المصريون مبارك وهم يودعونه إلى مثواه الأخير لم يأتِ من فراغ، فمبارك الذي ثار عليه المصريون بسبب حالة الجمود التي شهدتها مصر خلال آخر دورة رئاسية له وتزييف إرادة الناخب المصري واحتكار الحياة السياسية لحزبه وتجاهل نداءات التغيير والإصلاح فكانت الثورة حقا أصيلا لهذا الشعب ورفضا للخنوع ورغبة جامحة للعبور إلى المستقبل وبناء الدولة المصرية الحديثة، هو نفسه مبارك الذي أعاد بناء القوات الجوية المصرية بعد هزيمة يونيو، خصوصا بعد أن تولى رئاسة الكلية الجوية فقام بإعداد جيل من الطيارين الأكفاء في وقت قياسي، ثم قيادة القوات الجوية قبيل حرب أكتوبر وهو من قاد الضربة الجوية القاسمة الحاسمة التي مهدت لأعظم نصر في تاريخ مصر، النصر الذي أعاد لها كرامتها وأرضها وكبرياءها، وهو من حافظ على كامل التراب المصري ورفض التنازل عن شبر واحد من الأرض المصرية وموقفه من قضية طابا خير مثال وخير دليل على ذلك فكان قراره اللجوء إلى التحكيم الدولي عندما رفضت إسرائيل الانسحاب منها وعندما سألوه ماذا لو لم تلتزم إسرائيل بحكم التحكيم الدولي قال مقولته الشهيرة "لكل مقام مقال".

 

 

ومبارك على مدار 30 عامًا رفض إقامة قاعدة عسكرية واحدة لأمريكا في وقت كانت قواعدها تنتشر في معظم دول المنطقة من تركيا إلى قطر مرورا بالعراق، وهو نفسه الذي رفض أن يهرب من مصر بعد اندلاع ثورة يناير ويستجيب لدعوات من دول خليجية بالإقامة فيها معزز مكرم وقال "عشت على أرض مصر وسأموت على أرضها" ولم يهرب كالذين هربوا ولم يناور كالذين ناوروا، وهو نفسه الذي حافظ على استقلالية وحيادية المؤسسة العسكرية وهي واحدة من أعظم ما تتميز به الحالة المصرية فلم يدخل الجيش المصري في صراعات سياسية ولم يدخله مبارك في تحزبات أو صدام مع الشعب المصري كما فعل غيره من الزعماء العرب مثل الرئيس اليمنى الراحل على عبد الله صالح والرئيس السوري بشار الأسد، محافظا على ولاء الجيش المصري الأول للدولة المصرية وللشعب المصري.

 

 

تنازل مبارك عن السلطة طواعية حقنا لدماء المصريين وسلمها للمجلس العسكري الجهة الوحيدة التي تستطيع الحفاظ على مصر وتحفظ أمنها وسلامها واستقرارها فظلت مصر آمنة موحدة مستقرة في وقت كان الخراب والدمار والدم من نصيب دول مثل سوريا واليمن وليبيا بعد أن أكلت الحرب httpsة فيها الأخضر واليابس.

 

 

مبارك الرئيس الذي أخطأ في حق مصر والمصريين في سنوات حكمه الأخيرة فثار عليه المصريون هو نفسه مبارك المقاتل والرئيس والإنسان الذي حافظ على مصر قوية موحدة مستقرة، وهو من حقن دماء المصريين فكانت الثورة وكان الحب وهذا هو الدرس المصري الذي تقدمه مصر للعالم وهذه هي خصوصية مصر وهذه هي عبقرية الشعب المصري.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز