عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

رحلة إلى الوادي من داخل مقبرة تحتمس الثالث

تمثالا تحتمس الثالث بالمتحف المصرى
تمثالا تحتمس الثالث بالمتحف المصرى

في طريقي إلى القاهرة لم أنل قسط من الراحة ظللت احلم بالرحلة إلى وادي الملوك.



 

ظل هاتف يحدثني سوف تتمتعين وتدخلين إلى عالم الأحياء وليس عالم الموتى.. إنه الوادي.

 

وصلت إلى محطة القطار واستقللت القطار في العاشرة مساء يوم السبت.. الطريق طويل ولكنه ممتع جدا مناظر على الجانبين من بيوت الصعيد الرائعة ولون اخضر مختلط بجمال الجبال وأخيرا ظهر النيل ..وتذكرت أوزوريس تلقائي .. تحمست أكثر للرحلة ووصلت محطة الأقصر متجهة إلى الفندق على موعدي في العاشرة إلى البعثات لإنهاء تصريح التصوير بمقبرة الفاتح تحتمس الثالث.

 

توجهت إلى الوادي وبداخلي خوف رهيب من السلم الصاعد إلى المقبرة وكيفية النزول هل استطيع؟!.. نعم استطيع  إنها المقبرة حلمي رافقني مفتش آثار وقام عامل المقبرة بفتحها لأنها كانت مغلقة تحت الترميم وتم فتحها للدراسة  واستوقفتني كلمات الأجداد.  

 

من كتاب الموتى الفرعوني "برت أم هرو" عن بردية آني:" جهز مكانك في الوادي الحجري ، المقبرة التي سوف تحمى جسدك، مثل الذي يرقدون فى سلام فى مقابرهم، لا لوم عليك فى ذلك، ولكن قم أنت نفسك بإعداده، إن رسول الموت الذي أرسل من أجلك سوف يحضر لاصطحابك، فكن مستعداً، ولا تقل أنني طفل صغير، وإنك تجهل ساعة موتك، إن الموت يأتي ويخطف الطفل الصغير من حجر أمه كما يخطف الرجل المسن".

 

"إن الموتى يقيمون في مقابرهم ويبقون فيها ، أو على شكل أطياف في عالم تحت الأرض ، والأهم أن ذلك الخلود البدائي قد أقتصر على الملوك فقط ، بينما لم يكن للشعب هذا الحق بعد. وإن الاعتقاد البدائي بشأن المصير بعد الموت، كان مسألة شائعة بين شعوب العالم القديم  بشكل عام".

 

ولما كانت المقبرة تمثل صورة مغايرة للعالم السفلى بجميع أجزائه، لذا  فقد صممت هندسياً بشكل سراديب وطرق ضيقة مظلمة ، كي تشبه تلك المضايق والبحيرات التي تسير بها سفينة الشمس بالعالم السفلى.

 

وعن  أصل كلمة المقبرة : (كلمة أمنتي (أمنتا أو إمنتت) التي تترجم عادة بالعالم السفلى إن هذه الكلمة كانت تطلق أساساً على الموضع الذي تغيب فيه الشمس ثم أصبح يطلق على المقابر والمدافن المقامة على الضفة الغربية للنيل أو بمعنى آخر المستقر الأبدي ولم تكن المقبرة لدى المصري نهاية رحله وإنما بداية حياة أو على وجه الدقة استمرار الحياة بصورة ممجدة غير قابلة للفناء ولعل هذا ما جعل المصري يحرص أشد الحرص على وقاية جسده من التحلل أولاً ثم توفير كافة الاحتياطات اللازمة للجسد داخل المقبرة وتأمين الزاد الذي كان يصل للمتوفى من أقاربه أو المقربين إليه في صورة قرابين يقدمها له الكهنة في مختلف المناسبات وعلى هذا لم  تكن ثمة مدينة للأموات بالمعنى الذي نفهمه الآن وإنما كانت مدينة تضج بالحياة والقرابين والصلوات التي لا تنقطع لكن هذا لم يكن كل شئ ..  

 

إن تصور المصري للعالم الآخر شيق وجذاب كان الدافع الذي دفع المصري القديم على أن يصرف كل هذا المجهود الضخم في بناء قبره، هو اعتقاده بأن الوصول إلى الحياة التي يتمناها في العالم الآخر يتوقف على تحقيق غرضين أساسيين أولهما ضرورة حصوله هو وقرينه على ما يحتاجون إليه من أشياء ماديه.

 

ظل هذا الباعث لا يتغير طوال أيام التاريخ المصري ، وكثيراً ما تطرأ تغيرات دينيه في شكل القبر ، وكان ذلك راجعاً إلى نتيجة الخبرة أو تطورات دينيه جديدة ، ولكن الغرض الأساسي من القبر ظل كما هو لم يتغير . 

 

اعتمد المصري على تصوير كتب العالم الآخر على جدران المقابر بوادي الملوك بالدولة الحديثة واعتمد فى بداية الأمر على تصوير كتاب الأمداوات فقط ثم تطور الأمر إلى إدخال كتاب البوابات والليل والنهار وتقطيع الكتب وتوزيعها على مختلف غرف المقبرة فتصبح الغرف كأنها برديات  تحكى الفكر الأسطوري  للمصري القديم.

 

انفرد تحتمس الثالث { من- خبر- رع}  أحد أعاظم رجال الحرب من الفراعنة المصريين بالعرش عام 1468 ق.م . وقد تولى " تحتمس الثالث" عرش الملك غير أن الوصاية بحكم التقاليد و الشرع كانت لابد أن تبقى في يد الملكة " حتشبسوت " ما دام " تحتمس" وزوجه " نفر رع " لم يبلغا الحلم ، وقد حدثنا في ذلك مهندس البناء "اننى" في تاريخ حياته إذ يقول " ثم صعد تحتمس الثاني إلى السماء وأختلط بالآلهة ، ونصب في مكانه ابنه "تحتمس الثالث "ملكاً على الأرضيين ، وقد صار حاكماً " تحتمس الثالث "على عرش من أنجبته ، ولكن أخته (أخت تحتمس الثاني ) الزوجة           تقع مقبرة الفاتح العظيم في واد ضيق منعزل بعيد عند الزاوية الجنوبية الشرقية من الوادي الرئيسي.  ومن زيارتي للمقبرة ودراسة الصور الجدارية بها بغرفة الدفن المصورة لكتاب الإمداوات   " Im–duat بالكامل على جدرانها وكأنها بردية ملصقة على الحائط يغلب عليها اللون الأصفر ، وجدت أن عدد كبير من الساعات والفكرة الأساسية لرحلة المتوفى السفلية كانت بغرض البعث من جديد وبحماية إيزيس ونفتيس وحورس        استبدل تحتمس الثالث بالممرات الهابطة والسلالم حفرة أو بئراً ،وظل البئر معمولاً به كقانون فى هندسة المقبرة الملكية إلى أن اختفى فى نهاية الأسرة التاسعة عشرة، وهذا البئر كان يمنع سيول الصحراء من الوصول إلى غرفة الدفن ومحتوياتها الثمينة  كما كان عقبة فى طريق لصوص المقابر، وقد صممت المقبرة لتتناسب مع المسالك الملتوية فى العالم الآخر تم تنفيذها فى صورة انحنائه رقيقه- ثم التواء حاد  نجدها متمثلة فى تعاقب السلالم والممرات المنحدرة فى أعماق الأرض ونجد أن غرفة الدفن لها شكل بيضاوي يوحى بالنهاية للأمداوات أقدم كتب العالم الآخر. وبداخل حجرة الدفن بالمقبرة يوجد منظر فريد فعلى أحد العمودين فى غرفة دفن تحتمس الثالث يرى ذلك الفرعون فى رسم غير مألوف ، شجرة رمزية تقدم ثديها للفرعون مع عبارة تقول :" انه يرضع من "ثدي" أمه ايزيس ". 

 

ولما كانت الأم الحقيقية لتحتمس هي "إلام الملكية إيزيس" التي ترى وهى تجتاز حقول العالم الآخر فى قارب  بردى على نفس العمود فان ما يتداعى إلى الذهن أن هذا الرسم للملك والشجرة مقصود به تجديد الحياة في القبر ومقبرة تحتمس الثالث هي المقبرة الوحيدة التي تحوى هذا المنظر وهو صورة رمزية لأمومة إيزيس لحور باعتبار الفرعون هو حور كما هو أوزير بعد الموت.

 

وللحديث بقية مع كتاب الامداوات ما هو كائن فى العالم الآخر .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز