عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الذين قرروا الحياة الأبدية والوعي العام

الذين قرروا الحياة الأبدية والوعي العام

نعم الحياة قرار، والموت قرار، هناك من قرروا الحياة بلا موت، وهناك من ماتوا وهم يظنون أنهم أحياء.



 

أثبت التاريخ أن ذكرى الشهداء أبقى، وحياتهم أطول من أن تنتهي، وانتقالهم من دار الفناء إلى دار البقاء، حياة بلا انقطاع.

 

ألم يقل الله- سبحانه وتعالى- في كتابه الحكيم: «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، صدق الله العظيم.

 

الشهادة تضحية بالفناء لكسب البقاء، ولا ينالها إلا الصادقون المخلصون، في دفاعهم عن وطنهم، وأرضهم، وشعوبهم، وقطعًا دينهم، فحب الأوطان من الإيمان.

 

في يوم الشهيد ٩ مارس من كل عام، تجسيد لمعانٍ عظيمة، تحتاج منا للتأمل لسبر أغوارها، واستخلاص معانيها، والنهل من قيمها، والسير على درب صانعيها.

 

في ذلك اليوم المشهود ٩ مارس ١٩٦٩، كان الجنرال الذهبي، على الجبهة، وسط الضباط والجنود، يتفقد التجهيزات القتالية، والخطوط الدفاعية، فهو أحد أهم من بذل جهدًا لاستعادة بناء الجيش لقدراته، بعد نكسة ١٩٦٧.

 

كان الفريق عبد المنعم رياض، بين الجنود، يواصل المتابعة من الجبهة، عندما تعرض الموقع لنيران معادية، فأصابت قذيفة مدفعية موقعه، فصعدت روحه إلى السماء، شهيدًا، متأثرًا بجراحه.

 

المعاني كثيرة، فهو القائد على الجبهة في مقدمة الصفوف، وهكذا قادة خير أجناد الأرض، بينما الصهاينة لا يقاتلون إلا من وراء جُدر، وحصون، فلا تحميهم حصونهم، ولم يمنع خط برليف المنيع، أسود مصر من تحرير أرضهم.

 

المعاني كثيرة، فعيد الشهيد الذي تحتفي به القوات المسلحة سنويًا، ومصر كلها في ذلك اليوم، يبعث برسالة، مفادها أن قواتنا المسلحة ومصر، مؤسسات وشعبًا، تنحني إجلالًا وتقديرًا، لتضحيات الشهداء، وأرواحهم الخالدة، في الحياة الأبدية.

 

المعاني كثيرة، فالشهداء أحياء عند ربهم، وفي ذاكرة شعوبهم وأوطانهم، بينما الخونة أموات وهم في الأرض، قبل أن تصعد أرواحهم للسماء، ليحكم الله.

 

المعاني كثيرة، فشهداء حرب التحرير في أكتوبر ١٩٧٣، وما سبقها من معارك، دفاعًا عن الأرض والعرض، أحفادهم يسطرون بدمائهم ملاحم البطولة والفداء، في معركة تطهير سيناء من دنس الإرهاب، ومعركة البناء والتعمير.

 

في الثامن من مارس، كان اليوم العالمي للمرأة، وفي اليوم التالي عيد الشهيد، فليس هناك امرأة تستحق التكريم أكثر من الأم والزوجة المصرية، التي استشهد ابنها، أو زوجها، وتقف صامدة، بل تقابل جثمانه بالزغاريد، احتفاءً بما قدم لوطنه، وما ينتظره من حياة ورزق عند ربه.

 

تلك الأم التي فاق في قلبها حب الوطن، ما يعتصره من ألم الفراق، التي تقدم فلذة كبدها لوطنها، راضية مرضية، رابطة الجأش، ثابتة اليقين، مؤمنة بربها ووطنها.

 

وتلك الزوجة التي تواصل حمل الأمانة، تربي أبناء الشهيد، تغرس في عقولهم ونفوسهم قيم حب الوطن والفداء، تصنع أجيالًا جديدة من الأبطال، السائرين على دروب أجدادهم وآبائهم العظماء المخلصين.

 

شتان بين من صعدت روحه إلى السماء، مدافعًا عن الأرض والعرض، وصحيح الدين، ومن سار على درب الجهلاء التكفيريين، أعداء الدين، وإن ظنوا أنهم يحسنون صنعًا.

 

في هذا اليوم، تحية إلى شهداء مصر، سادتها، حماتها، أحيائها الباقين في ذاكرة أجيالها، وإلى أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم، وإخوانهم وأخواتهم، وذويهم ومحبيهم.

 

تكريم الشهداء، تخليد ذكراهم، قضاء حوائج أسرهم، إشعار كل من آلمه فراقهم من أسرهم وذويهم، أنهم مصدر الفخر لهم؛ واجب على كل مصري شريف، بما يستطيع.

 

أقترح على قواتنا المسلحة، إطلاق مشروع «أحياء في ضمير الوطن»، بهدف تخليد قصص التضحيات، بوسائط عدة، سلسلة كتيبات تحوي قصص الأبطال، وسيرًا ذاتية، وسلسلة أفلام وثائقية، وموقع إلكتروني، يحوي المرئي والمكتوب.

 

مثل هذا المشروع تكريم للتضحيات، وخلق قيمة وقدوة للأجيال الحالية والقادمة، التي شهد بناؤها العقلي تشوهات، جعلت من مقدمي أغاني المهرجانات قدوة لهم.

 

نُريد أن نجعل من الأبطال قدوة، ومن العلماء نموذجًا يحتذى، ومن الوطنية قيمة عليا، نذكّر الأحفاد بما سطره الأجداد بالأمس، وما يسطره الآباء والأشقاء اليوم.

 

نعرّف بما يواجهنا من تحديات وأخطار، والثمن الباهظ الذي أنفق من الدماء، لتحظى مصر بهذا الأمن، الذي رزقها.

نريد لتلك المطبوعات والوثائقيات، التي تعظم البطولة، وتخلد ذكرى صناعها، أن تتاح لطلاب المدارس والجامعات، وتتصدر الفعاليات، وتوضع في الاعتبار ضمن منهج تثقيفي، لأجيالنا وأبنائنا، تلك البطولات التي سطرها جنودنا بالجيش والشرطة، أمثال عبد المنعم رياض، وأحمد المنسي، واللواء نبيل فراج، وغيرهم من القادة والجنود البواسل.

 

وعلماء مصر العباقرة، الذين قضوا نحبهم في ظروف غامضة، أمثال الدكاترة جمال حمدان، وعلي مشرفة وسميرة موسى، ويحيى المشد، شهداء جبهات القتال، وجبهات العلم.

 

مصر عظيمة، بشهدائها، عظيمة بشعبها، عبقرية المكان وعظمة الإنسان.

 

حفظ الله مصر وعظّم أجر أسر الشهداء.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز