

مي كرم جبر
ملعب السياسة
كنت قد كتبت الأسبوع الماضي مقالًا عن الوضع المتردي للحياة الحزبية، تحت عنوان "الأحزاب وأمراض الماضي"، تناولت فيه بعض السلبيات، وطرحت حلولا لإنعاش الحياة الحزبية كدمج شخصيات لها ثقلها في المجتمع، ومعاونة الأحزاب للمسؤولين بهدف تقديم أعلى فائدة للمواطن، واهتمام الأحزاب بتقوية نفسها داخليا قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، وشددت على ضرورة جاهزية الأحزاب لهذه الانتخابات حتى تظهر بشكل يليق بتاريخ الحياة السياسية في مصر.
وخلال هذا الأسبوع حدثت تغييرات جوهرية إيذانًا بفتح أبواب الملعب والاستعداد لماتش ممتع تتنافس فيه الأحزاب تنافسًا شريفًا، وتحاول أن تلبي خلاله طموحات المواطنين في تشكيل البرلمان المقبل، حيث قدم أشرف رشاد استقالته من رئاسة حزب مستقبل وطن وتولى هذا المنصب عوضا عنه قامة قضائية لها ثقلها، وهو المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة الدستورية الأسبق، وبالتالي يمكن القول إن حزب مستقبل وطن سيكون جاذبا الفترة المقبلة لشخصيات معروفة في المجتمع قانونية وسياسية ومثقفين، بالإضافة إلى أعماله الخدمية التي تنتشر في المحافظات التي تلمس الجمهور بشكل كبير.
وهذا بالتأكيد سيمنح الحزب فرصة أكبر لإعادة النظر في باقي القيادات بشكل يحسن من ظهور المجهود، الذي يبذله الحزب خلف الكواليس، في المقابل أعلن رجل الأعمال الشاب أحمد أبو هشيمة، قبل حوالي أسبوعين أو أكثر اقتحامه المفاجئ لمعترك السياسة، من خلال انضمامه لحزب الشعب الجمهوري وتولى منصب نائب رئيس الحزب، منذ زمن طويل لم تظهر شخصية شابة مشهورة في الحياة السياسة، ونزول أبو هشيمة لملعب السياسة سيكون جاذبًا جدا لفئة أوسع من الشباب، وربما تنضم فئة جديدة لم تمارس العمل السياسي من قبل، وقد ترى في أبو هشيمة قيادة يمكن الوثوق فيها واتباعها، وقوام أي حزب في نسبة الشباب المنضمين له، لأنهم المحرك لكل فاعليات الحزب والدينامو، الذي يضمن استمرار عمل الحزب وتوهجه، على سياق متصل بدأ يظهر خطاب من عدد من الأحزاب يحمل عبارات إيجابية مثل العمل على تقديم العون والمساعدة للمسؤولين في مجالات مختلفة، وكذلك أظهرت بعض الأحزاب دعمها المتواصل للأحزاب أخرى في سبيل تدعيم الحياة السياسية ككل وهذه درجة عالية من النضج تظهر مدى فطنة رجال السياسة ووعيهم التام بأن مشاركتهم في إنعاش الحياة السياسة سيعم بالخير على كل الأحزاب.
يمكن القول، إن هذا الأسبوع يحمل قدرًا كبيرًا من التفاؤل بالنسبة للانتخابات البرلمانية، وأنها ستظهر بشكل تنافسي شريف وشفاف يبهر العالم مرة أخرى، فالصندوق الانتخابي يعني الممارسة العملية للديمقراطية، ويجب أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة دليلا جديدا على انتصارنا ضد كل محاولات هدم الدولة، التي تعرضنا لها، استقرار وانتعاش للأوضاع السياسية والاقتصادية في وقت قياسي.
أهم مردود لانتعاش الحياة السياسة، هو دحض كل أكاذيب الإخوان وضربها في مقتل، لأن أعظم الرسائل وأكثرها قوة هي الرسائل غير المباشرة، ببساطة شديد يمكن الرد على أكاذيب الإخوان من خلال قوة العمل الحزبي وتنوعه وانتشاره، جماعة الإخوان تروج لنفسها على اعتبار أنها فصيل سياسي له شعبية، وهذا نتيجة خفوت دور الأحزاب حتى من قبل أحداث يناير، لذلك فإن ظهورها بكثافة يعطي رسالة للداخل والخارج أن هناك كيانات حزبية مؤثرة بشكل حقيقي تحترم الدستور وتعمل في إطار القانون بشكل سلس دون أن تصدم لا مع مؤسسات الدولة ولا مع رغبات المواطنين، وقادرة على احتواء أفكار الشباب وطاقاتهم.
وهذا على عكس ما قامت به جماعة الإخوان الإرهابية، لذلك فإن دور الأحزاب خلال الأيام المقبلة، سيسطره التاريخ كدور وطني مشرف وليس مجرد أداء سياسي اعتيادي، والمبشر في الأمر أنه يوجد لدى قيادات الأحزاب القوية المؤثرة إدراك بخطورة تسلل عناصر الإخوان للحياة من جديد، من خلال الاندماج في أحزاب سياسية والعيش تحت مظلتها، هذا الوعي سينجم عنه عملية تطهير ذاتية تقوم بها الأحزاب بشكل قوي ومستمر، وتفضح أمام الجمهور ألاعيب بعض الأحزاب التي قد تسمح بانضمام عناصر من الإخوان، أو أي كيان طفلي يظهر في الظلام ويمنح الإخوان ترياق الحياة، كما فعلت من قبل حركات مثل ٦ إبريل وكفاية، أهل مكة أدرى شعابها والسياسيون الوطنيون أعلم بما يدبره المغرضون، ودورهم هو احترام إرادة الشعب المصري والتعامل معه بأمانة وشفافية كي يجنبوا أنفسهم العودة مرة أخرى للمربع صفر، وفقد ثقة الشارع بخطابهم، فمن يصادق الإخوان الآن يعادي الشعب المصري بأكمله؛ لأن الخلاص منهم كلفنا أرواح طاهرة من أبناء الجيش والشرطة وحتى المدنيون أيضًا.
وهنا لنا وقفة، عندما نتحدث عن الإخوان يجب أن نتحدث عن مراحل ظهورهم وخفوتهم، وهذا المقال قد لا يسعفنا لذكر كل تلك التفاصيل، لذلك سنركز على السيناريو الأقرب، وهو قبل أحداث يناير، حدث الانتشار الأكبر والأخطر في تاريخ الإخوان؛ حيث فُرغت الحياة السياسية من مضمونها وكان الكيان الأكبر والأهم هو الحزب الوطني، والكيان التالي عليه لكنه يعمل في الظلام كان الإخوان المسلمون، وكانت تطرح نفسها كثاني أقوى فصيل سياسي، ومن استعصى عليه الانضمام للحزب الوطني لم يكن لديه بديل آخر غير الإخوان، حتى وصل الأمر من عمل الإخوان وراء ستار إلى الظهور العلن والتبجح والتباهي بأنهم يملكون نفس عدد المنتمين للحزب الوطني، وكان حينها ٣ ملايين فرد لكلٍ منهما، كان يتم هذا الأمر بسذاجة شديدة لم تخدم إلا الإخوان في نهاية الأمر.
فبمجرد طرح فكرة أنه يوجد قوة معادية للدولة المصرية منذ التاريخ تعادل نفس القوة الداعمة للدولة حينها، فهذا نذير شؤم وناقوس خطر، وبالفعل مرت السنوات وتذوقنا جميعًا مرارة الشؤم وكل صنوف الخطر، لكن الشعب المصري عصي على التركيع والإذلال، وكان له كلمته وكتب نهاية الإخوان.
إذا نظرنا لفكرة الأغلبية من منظور الأحزاب، سنجد أنها نظرة ضيقة متواترة لا تنفصل عن حلم استحواذ فصيل بعينه، وهذه الفكرة أصبحت تدعو للتشاؤم لمن يعارضها ولمن كان يعمل تحت مظلتها، لأن النتيجة في النهاية كانت وخيمة أدخلتنا في نفق مظلم أخرجنا الله منه بمعجزة لم تنلها دول عربية أخرى، لذلك من المنطقي جدًا أن يتغير ومفهوم الأغلبية، وأن يحل العمل الجماعي، الذي يخدم الصالح العام محل العمل الذي يخدم فصيلا.
وهذا أقرب سيناريو للواقع الحزبي خلال الفترة المقبلة، مع رغبة الرئيس السيسي في عدم الانضمام لأي حزب وأن يحتفظ بمكانة ذاتها في قلوب المصريين جميعًا على حد سواء، وفي ظل الدستور الجديد الذي فتت فكرة الأغلبية بمفهومها القديم، لا يبقى أمام الأحزاب سوى الائتلافات، وأن يشعر كل حزب بأنه فاعل في الائتلاف الذي يتبعه وليس ضيف جلسات استماع، وهذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة وتحركات الأحزاب للانتخابات البرلمانية، لكن... هل ستقدم لنا الأحزاب نفس نوعية أعضاء مجلس النواب الحاليين؟.. وهذا ما قد نتناوله في مقال جديد.