عادل عبد المحسن
هل تقبلين التنازل عن طفلك مقابل شيء آخر؟.. "طابا"
31 عامًا مرت على استعادة طابا في مثل هذا اليوم 19 مارس 1989، حيث خاضت الدولة المصرية معركة دبلوماسية وقانونية رائعة قادها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي رحل عن دنيانا يوم 25 فبراير الماضي أي منذ 23 يومًا.
وأثبتت الدولة المصرية أنها لا تفرط في حبة رمل من أرض الوطن حتى عندما سألت مراسلة قناة تليفزيونية أجنبية الرئيس الراحل حسني مبارك هل من الممكن أن تتنازل مصر عن طابا لإسرائيل مقابل أشياء أخرى تحصل عليها مصر، وكان رد الرئيس قاطع وذكيا وألمعيًا عندما قال: وهل تقبلين التنازل عن طفلك مقابل شيء آخر؟
وكانت معركة استرداد طابا قد بدأت في أكتوبر 1981 خلال اجتماع الجانب المصري مع الإسرائيلي لتفعيل انسحاب جيش الاحتلال من سيناء، واتفق الطرفان على كل العلامات الحدودية باستثناء العلامة 91 الخاصة بمدينة طابا، ورفض الوفد الإسرائيلي تنفيذ الانسحاب بشكل كامل وتوسع الخلاف حتى شمل 13 علامة أخرى، وأعلنت مصر في مارس 1982 عن وجود خلاف مع الجانب الإسرائيلي حول بعض العلامات الحدودية، مؤكدة تمسكها بموقفها المدعوم بالوثائق الدولية والخرائط التي تثبت تبعية تلك المناطق للأراضي المصرية.
وعقدت عدة اجتماعات رفيعة المستوى لبحث إيجاد حل للأزمة وتعقدت الأمور بشكل أكبر بعد تعنت الإسرائيليين في إعادة طابا، طالبت مصر باللجوء إلى التحكيم الدولي لحل النزاع كما تنص المادة السابعة من معاهدة السلام بين البلدين نتيجة للرفض الإسرائيلي، وتم تشكيل فريق قانوني مصري ضم أساطين القانون الدستوري من بينهم معارضون للنظام الحاكم مثل الفقيه الدستوري الوفدي وحيد رأفت وحامد سلطان، الذي ترافع أمام المحكمة الدولية حتى أبدى رئيس المحكمة إعجابه بمرافعته، فكان رد سلطان هل أعجبتك حقًا؟ هذه هي طريقي في شرح القانون أمام تلاميذي في كلية الحقوق، واعترض الجانب الإسرائيلي بالإشادة التي تلقاها د. حامد سلطان من رئيس المحكمة.
وفي محاولة للمراوغة والتضليل، ادعت إسرائيل أن اتفاقية ترسيم الحدود الذي جرى بين الأتراك قوة احتلال في فلسطين والإنجليز قوة الاحتلال في مصر آنذاك عام 1906 ويتم على أساسها التفاوض بين مصر وإسرائيل تم تعديلها في 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطاني الشهير بـ"لورانس العرب" الذي كان له دور في الثورات العربية على الدولة العثمانية.
وقامت قوة الاحتلال الإسرائيلي بإزالة العلامة 90 بعد أن تركتها في موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة 91 وأخفت عن عمد ما قامت به من إزالة جزء من هضبة شرق وادي طابا سرا لتشق طريقا يربط طابا بميناء إيلات على الجانب الإسرائيلي من الحدود مع مصر، رغم علم مصر بقيام إسرائيل بشق هذا الطريق وببناء فندق هناك، فهي لم تكن تعلم بمسألة إزالة العلامة.
وكثفت الدبلوماسية المصرية من تحركاتها الدولية لإظهار الحقيقة وتفنيد الرواية الإسرائيلية لسرقة جزء من أراضي سيناء.
وقدمت مصر الوثائق والخرائط التي تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية، مشيرة إلى انسحاب إسرائيل من سيناء - بما فيها طابا- إلى الحدود الدولية عقب عدوان 1956، وردت الحكومة الإسرائيلية بأن موقفها قائم على وجود خطأ في تعليم الحدود وفق اتفاقية 1906 الخاصة بتعيين الحدود بين مصر والدولة العثمانية، وأن موقفها بعد حرب أكتوبر 1973 يسعى لتصحيح هذا الخطأ.
ولعبت الدبلوماسية المصرية دورًا بارزًا في تجميع الأدلة والوثائق التي تدحض الرواية الإسرائيلية، وقدمت وزارة الخارجية 29 خريطة بأحجام مختلفة تثبت الملكية المصرية لطابا، وتمكنت من جمع خرائط ووثائق من الأرشيف المصري والبريطاني والتركي، وقدمت 10 خرائط من الأرشيف الإسرائيلي نفسه تثبت تبعية طابا للأراضي المصرية. وعادت طابا إلى حضن الوطن في مثل هذا اليوم عام 1906 ونجاح الإرادة المصرية في استعادة الأرض فكل مصري لا يضحي بشبر واحد من أرض الوطن فهناك مثل مصري أصيل يحفظه المصريون عن ظهر قلب.. "الأرض عرض".
اقرأ للكاتب أيضًا:
في ذكراه الـ51..عبدالمنعم رياض قائد من "ذهب"
أموت على الجبهة
..وعلى أرضها أموت
جوجل نيوز
