عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
«الجيش» وأول مجلس نواب (2)

«الجيش» وأول مجلس نواب (2)

عندما اجتمع بعض كبار ضباط الجيش بمنزل «أحمد عرابى»  كانوا قد ضاقوا من معاملة ناظر الجهادية «وزير الحربية» وقتذاك الشركسى «عثمان رفقى باشا» للعناصر الوطنية فى الجيش المصرى وخاصة من يتقلدون مراكز عالية، واتفق الضباط المجتمعون على إرسال عريضة إلى «مصطفى رياض باشا» رئيس النظار «رئيس الوزراء» تتضمن شكواهم التى تطالب «بعزل ناظر الجهادية - وتشكيل مجلس نواب فى مصر على الغرار الأوروبى - وزيادة عدد الجيش حتى 18 ألف مقاتل - وتعديل القوانين العسكرية المصرية بما تكفل تطبيق العدل والمساواة بين جميع العسكريين» وقد وقع على هذه العريضة ثلاثة ضباط بالنيابة عن الحاضرين وهم «أحمد عرابى وعلى فهمى وعبدالعال حلمى» وكانت النتيجة وقف الضباط الثلاثة فى ديوان الجهادية بقصر النيل وتقررت محاكمتهم وتم استدعاؤهم بخدعة دبّرها الضابط الأعلى الشركسى «خسرو باشا» حيث انتزعت منهم سيوفهم وزجوا إلى السجن ووضع على حراستهم ضباط شراكسة …



 

 وعندما علم بعض القادة المصريين الوطنيين بذلك انطلقوا مع قواتهم إلى السجن وخلصوا الضباط الثلاثة، وكان لتلك الحادثة صدى كبير فى الجيش وفى البلاط الخديوى وتأزمت الأمور مما جعل «عرابى» يقوم بإنشاء حزب أسماه «الحزب الوطني» جمع فى إطاره كل الضباط الوطنيين فى الجيش، ولما وجدوا أنه لا صدى لمطالبهم التى قدمت فى العريضة قرروا جميعًا أن يسيروا بأفواجهم ومعداتهم إلى ميدان عابدين كى يعرضوا على الخديوى مطالبهم العادلة وحددوا يوم الجمعة 9 سبتمبر 1881. 

 

وكتبوا إلى ناظر الجهادية الذى تغيّر وصار «داوود يكن باشا» ليعلموه بما سيفعلون، وبالفعل نفذوا قرارهم واجتمعوا بميدان عابدين يترأسهم «عرابى» ونزل لهم الخديوى فتقدم عرابى منه وأعلن أمامه مطالبهم السابق ذكرها، ولكن إجابة الخديوى على المطالب أثارت حفيظتهم وذلك عندما قال: «كل هذه الطلبات لا حق لكم فيها، وأنا ورثت ملك هذه البلاد من آبائى وأجدادى، وما أنتم إلا عبيد إحساناتنا» هنا قال عرابى قوله المأثور: «لقد خلقنا الله أحرارًا ولم يخلقنا تراثًا وعقارًا، فوالله الذى لا إله إلا هو أننا سوف لا نُوَرّث ولا نُستعبد بعد اليوم» …

 

اضطر الخديوى للاستجابة لمطالب الجيش  ولكنه قرر أن تكون بالتدريج وأبلغ قادته بذلك وعليه انصرف الجيش عائدًا لثكناته، وتم تنفيذ المطلب الأول وهو إسقاط وزارة «رياض باشا» المستبدة وجاءت وزارة ترأسها «شريف باشا» الذى تعاون مع الضباط الوطنيين ونفذ لهم مطلبهم الأهم وقام بتعيين «محمود سامى البارودى باشا» وزيرًا للجهادية وهو صديق «عرابى» ورفيق جهاد معه، وفى الوقت نفسه قدم شريف باشا بعد تسلمه رئاسة الوزراء بأيام وتحديدًا فى 22 سبتمبر تقريرًا للخديوى يتضمن قوانين الإصلاحات العسكرية للجيش التى طالبوا بها فى ثورتهم يوم 9 سبتمبر … 

 

كان خبر تحرك الجيش وثورته قد ملأ أسماع الدنيا فقررت السلطة العثمانية فى أول أكتوبر 1881 إرسال وفد إلى مصر للتحقيق، وهنا تحركت الفئات الوطنية المصرية كلها متضامنة ومناصرة للجيش ولشد أزره فيما أراده من إصلاح لأجل الوطن، فى الوقت نفسه عيون الدول الأوروبية كانت تراقب بحذر ما يجرى فى مصر من تغييرات على يد الجيش، وهو ما جعل «شريف باشا» يحتاط ورفع تقريرًا للخديوى بشأن إنشاء مجلس نواب مصرى وكان ذلك يوم 4 أكتوبر فتمت الموافقة عليه وصدر فى اليوم نفسه الأمر الأعلى بذلك، وتم انتخاب أول مجلس نواب فى مصر  وافتتح يوم 26 نوفمبر 1881 فاستقبل الجيش تنفيذ مطالبه بالاعتزاز والترحاب …

 

وفى هذه الأثناء بدأت الدولتان الكبيرتان فى ذلك الوقت «إنجلترا وفرنسا» تبحثان طريقة للتدخل فى شؤون مصر متخذتين من تحرك الجيش ذريعة لتدخلهما بحجة حماية الخديوى، فأرسلتا له مذكرة مشتركة تعلنان بها أنهما مستعدتان للتدخل ومساعدته إذا استمر الجيش فى الضغط عليه أو المساس بسلطته، هذا أيضًا أثار الضباط الوطنيين فى الجيش كما أثار مجلس النواب والحكومة واعترض الباب الأعلى عليها، ولم يكن أحد يدرى ما تبيت الأقدار لمصر … 

 

وبسبب الخلاف على بنود الميزانية فى اللائحة الأساسية «الدستور» استقالت وزارة شريف باشا وخلفتها وزارة برئاسة «محمود سامى البارودى باشا» كان فيها عرابى وزيرًا للجهادية والبحرية فى فبراير 1882، مما أثار حفيظة الضباط الشراكسة الذين كانوا يرون سقوط دولتهم وانهيار امتيازاتهم، فتآمروا  لاغتيال عرابى وكل الضباط الوطنيين وجميع الوزراء، وقد اكتشفت مؤامرتهم فأحيلوا إلى المحاكمة وحكم على أكثرهم وعددهم 40 ضابطًا بالنفى والتجريد من الرتب العسكرية والحقوق المدنية، واتخذت الصحف الإنجليزية خاصة «التايمز» ذريعة من هذه المحاكمة لتقوم بحملة عنيفة على الحكومة فى مصر، ورغم ذلك فقد نجح الحزب الوطني «حزب عرابى» في الوصول إلى الحكم وأحدث تغييرًا شاملًا فى سياسة مصر وتمكن من تأليف وزارة وطنية حرة، وكانت الأمور تسير بالحكم الوطني لأحسن حال لولا أن الخديوى «توفيق» الذى كان على اتصال بإنجلترا منذ كان والده إسماعيل فى الحكم والذى لم يتمكن من استلام السلطة فى مصر إلا بموافقة الإنجليز وبعد أن تعهد لهم بأن يكونوا أصحاب الكلمة العليا فى البلاد.

        

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز