عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
100 يوم من العزلة!

قراءة هادئة لتنبؤات هنرى كيسنجر عن نظام ما بعد كورونا

100 يوم من العزلة!

تجذبنا الإطلالات غير المتوقعة كثيرًا.. تجذبنا إلى حد الانبهار أو الاستهتار (!).. لا يعرف مُعجمنا «شرق الأوسطى» فى كثير من الأحيان ضبط زوايا اللغة (!).. تتساقط على أوراقه الحروف بغتة.. كما تختفى بغتة (!).. إذ نعاود، غالبًا القراءة – بأثر رجعى - بعد أن يتجاوز الأحداثَ الزمنُ (!)



 

لذلك.. جاءت إطلالة «هنرى كيسنجر» (أحد أشهر مهندسى النظام العالمى القائم)، بعد ما يزيد على 100 يوم من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) عالميًّا؛ لتضفى مزيدًا من الأبعاد حول الأزمة.. إذ استقبلناها (عربيًّا) بعيون لاهثة.. لا بنظرات فاحصة (!)

 

 

1 نظام كيسنجر العالمى

كان العنوان الذي أطلَّ من خلاله «كيسنجر»، عبر صفحات «وول استريت جورنال» مباشرًا.. إذ قال إنَّ: «جائحة كورونا ستغير النظام العالمى.. للأبد».. أما كيف؟.. ومتى؟.. ولماذا؟.. فهذا ما كان يستدعى منَّا مزيدًا من الجهد؛ إذ يُمكننا – فى هذا السياق – أن نلخص ما ورد بالمقال فى الآتى: 

 

(أ)- تتماسك الأمم وتزدهر حين يكون بإمكان مؤسساتها أن تتنبأ بالكارثة، وتوقف تأثيرها وتستعيد الاستقرار.. وعندما تنتهى جائحة (كوفيد- 19)، سيتم النظر إلى مؤسسات عديد من البلدان على أنها قد فشلت.. ولا يهم إن جاء هذا الحكم عادلاً وموضوعيًا.. فالحقيقة هى أن العالم لن يكون كما كان بعد الفيروس التاجى.. والجدل السائد - الآن - حول الماضى، يجعل من الصعب القيام بما يجب فعله. (ب)- حتى كتابة هذه السطور (أى: سطور مقال كيسنجر): لا يوجد علاج للجائحة.. فالإمدادات الطبية غير كافية؛ لمواجهة الحالات المتزايدة، ووحدات العناية المركزة على وشك الإغلاق. والفحص غير كافٍ؛ لتحديد حجم العدوى (واسعة النطاق).. أما اللقاح، فيُرجح ألا يكون جاهزًا قبل 12 إلى 18 شهرًا.

 

(ج)- لا ينبغى أن تقوّض جهود مواجهة الأزمة - مهما كانت ضخمة وضرورية - المهمة العاجلة المتمثلة فى إطلاق مشروع موازٍ؛ للانتقال إلى [نظام ما بعد الفيروس التاجى].

 

(د)- يتعامل القادة مع الأزمة على «أساس وطني» (أي: داخل النطاق الجغرافى للدولة) إلى حد كبير، لكن تأثيرات الفيروس، التي تتوغّل فى المجتمع، لا تعترف بالحدود.

 

(هـ)- رُغم أن التهديد لصحة الإنسان سيكون مؤقتًا، فإنه سينتج اضطرابات سياسية واقتصادية قد تستمر لأجيال.. ولا يمكن لأى دولة (بما فى ذلك الولايات المتحدة)، أن تتغلب على الفيروس فى جهد وطني محض.. بل يجب أن تقترن معالجة ضرورات اللحظة فى نهاية المطاف برؤية وبرنامج تعاون عالميين. وإذا لم نتمكن من القيام بالأمرين معًا، فسنواجه الأسوأ.

 

(و)- فى سياق معالجة جراح الاقتصاد العالمى، تعلم قادة العالم دروسًا مهمة من الأزمة المالية بالعام 2008م.. إلا أن الأزمة الاقتصادية الحالية أكثر تعقيدًا.. فالانكماش الذي أطلقه الفيروس التاجى (فى سرعته ونطاقه العالمى)، مختلف عن كل شيء معروف فى التاريخ: تدابير الصحة العامة الضرورية، مثل (التباعد الاجتماعى، وإغلاق المدارس والشركات) تساهم فى زيادة الألم الاقتصادى.. لذا يجب أن تسعى البرامج - أيضًا - إلى مقاربة تداعيات الفوضى الوشيكة على أضعف السكان فى العالم.

 

(ز)- يقول كيسنجر عن «حماية مبادئ النظام العالمى الليبرالى»: إن الأسطورة التأسيسية للحكومة الحديثة هى «مدينة مسوّرة» يحميها حكام أقوياء، وأحيانًا مستبدون، وأحيانًا خيّرون، لكنها مدينة قوية دائمًا بما يكفى لحماية الناس من عدو خارجى، وهو مفهوم أعاد مفكرو التنوير صياغته؛ بحجة أن الغرض من الدولة الشرعية، هو توفير الاحتياجات الأساسية للشعب: (الأمن والنظام والرفاهية الاقتصادية والعدالة)؛ إذ لا يُمكن للأفراد تأمين هذه الأشياء بأنفسهم.. إلا أن هذا الوباء أثار مفارقة تاريخية، وهى إعادة إحياء «المدينة المسوّرة» فى عصر يعتمد فيه الازدهار على التجارة العالمية وحركة الناس.

 



2 تقويم سياسات ترامب

تعامل أغلب التحليلات اللاحقة على مقال كيسنجر – خلال الأيام الماضية - على أنه نوع من التأكيد على حتمية التغيير (المرتقب) فى النظام العالمى القائم.. إذ كان أغلب تلك التحليلات قائمًا، من حيث الأصل، على التمنى أكثر من قيامه على تفكيك بنية خطاب المقال وإعادة تركيبه فى ضوء المتغيرات التي أحدثتها الجائحة.. إذ ننحاز، هنا – وبشكلٍ هادئ – نحو أن المقال كان– فى حقيقته – إعادة توجيه لسياسات «الإدارة الأمريكية» الحالية (إدارة ترامب).

 

.. وفى هذه الطريق، يُمكننا إثبات الآتى: 

 

أولاً: رُغم ثناء «كيسنجر» على تحركات إدارة ترامب فى مواجهة الجائحة (على خلاف وجهة النظر الشائعة أمريكيًّا، الآن)، فإن الثعلب العجوز (96 عامًا) دقَّ جرس إنذار أمام «البيت الأبيض» بضرورة الخروج سريعًا من إطار «المدينة المسورة» - التي باتت تلوح فى الأفق عالميًّا فى زمن ما بعد الجائحة- اعتمادًا على الانتشار العالمى للوباء.. إذ يتعين على واشنطن أن تدشن فى نهاية المطاف رؤية وبرنامجًا للتعاون العالمى، يخرج بها (وبشركائها الحاليين) بعيدًا عن أى سياسات (انغلاقية) مُحتملة تُهدد مكتسبات «النظام العالمى» القائم (النظام الذي لاتزال تتصدره الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وقت أخير).

 

ثانيًّا: رُغم أن سياسات المصلحة ذاتها تُشكل جزءًا رئيسيًا من قناعات «كيسنجر» الشخصية؛ فإنه يضرب – بنفسه – نموذجًا أمام «إدارة ترامب» لإمكانية التغيير المرحلى فى طرح التوجهات البرجماتية، فى مقابل الحفاظ على مكتسبات «النظام العالمى الليبرالى»، الذي ضمن لواشنطن الصدارة خلال سنوات خلت.. خصوصًا بعد أن خسرت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية (استراتيجيًّا) أمام روسيا فى أكثر من بؤرة عالمية.. وأمام الصين نفسها (فى إدارة ملف التعامل مع الوباء عالميَّا).

 

ثالثًا: يبشرنا «كيسنجر» بأن اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد، ربما لن يشهده العالم قبل إبريل من العام 2021م (أى بعد عام)، أو حتى أكتوبر من العام ذاته (أى بعد عام ونصف العام).. وهو ما دفع عددًا من المراقبين الدوليين إلى التذكير بما قاله كيسنجر فى وقت سابق، من أنه: «يجب أن يحتل العمل على تقليص عدد السكان بالعالم الثالث، الأولوية القصوى بالنسبة للسياسة الأمريكية الخارجية».. وأنه (أى كيسنجر) لا يزال – من المرجح – متمسكًا بالتوجه ذاته، خلال طرحه لرؤيته لعالم ما بعد الجائحة (!)

 

رابعًا: قد تتقاطع – إلى حد بعيد - خلاصة توجهات مقال كيسنجر مع تمهيد استباقى (أى قبل أيام مما ذكره الثعلب الأمريكى فى «وول استريت جورنال») لم ينتبه إليه الكثيرون على صفحات «واشنطن بوست».. إذ كتب السياسى الأمريكى «دينيس روس»، يقول: [ليس من المفاجئ ألا تجد حلفاءك إلى جانبك حين تحتاج إليهم بعد أن تكون تعاملت معهم بغلظة.. وبالمثل، ليس من المستغرب أن تملأ دول أخرى الفراغ حين تتخلى الولايات المتحدة عن القيادة. فقد رأينا ذلك فى الشرق الأوسط، وبخاصة سوريا، أن الروس يملأون الفراغ الأمريكى].

 

وتابع «روس»: ما يجب أن يقلقنا هو واقع أنه بعد انتهاء الجائحة، قد تبذل الصين جهودًا إضافية لملء الفراغ فى قيادة العالم. ولن تضرّ أفعالها بمصالح الولايات المتحدة فحسب، بل ستهدد قيم حقوق الإنسان والمجتمعات المنفتحة بشكل عام. وقد يبدو من المستغرب أن نقول ذلك فى الوقت الذي لدينا فى واشنطن إدارة لا تتشارك قيمًا مماثلة فى علاقاتنا مع الآخرين - وأهدرت إلى حد كبير قوتنا الناعمة - قوة الجاذبية.

 

■ ■ ■

 

أى أننا – فى نهاية الأمر – كنا أمام جهد [مدروس] من رجالات الدولة الأمريكية (العميقة)، لإعادة توجيه «إدارة ترامب»، قدر الإمكان؛ لدعم مكتسبات النظام العالمى القائم (فى مواجهة تغيرات محتملة).. أكثر من كونه موافقة ضمنية (كما قد يتصور البعض) على حتمية تغيرات النظام العالمى مستقبلاً.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز