عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

علي موسى يكتب: البروفيسور العراقي عبد الجبار عبد الله.. أسرار الفيزياء الذرية ورياضيات الجو

قصاصاته الحبرية المُعتقة، أبحرت بيّ نحو ساعة الزمن الفاخرة، وحملتني بجناحيّ الماضي الذي كان يشبه مزمارًا بشريًا نفخت فيه الروح ليتشكل على هيئةِ كتاب، فبين رفوف هذه المكتبة القديمة التي تجولت بداخلها فتعبقت بكلِ هذا العطر، استنشقت رائحة العالم العراقي الفذّ عبد الجبار عبد الله (عالم الفيزياء والفلك) وكأن رفوفه كانت تحكي قصص وذكريات الغائبِ عنها بنيابة الحضور حينما يفتح لهم بهدوء نافذة روحه، جعلتني أتمايل معها كما الموج وأرست بي سفنها المؤرشفة نحو حقبةِ "التأريخ" هذه الرواية التي كُتبت بروح إنسانية وجودية، ونُسجت بلغة مرهفة من حرير، كانت فاتنة بما يكفي لتدفعنا نحو قراءتها بشغف، فهي التي رافقته وتركت عليه أثرا ملموسا منذ طفولته بوصفها الكامل كحياة موازية، وأيضا كان يتوسد تلك الرفوف دفاتر ذكريات مركونة بحاجة لمن يمسح الغبار عن جبينها، وأيضا تغفو بين هذا وذاك لوحات وتحف تعكس ملامح الثقافة والحضارة في العراق وبعض الصور القديمة الباهتة الألوان واليتيمة المعالم التي اجتاحتها بلا رحمة رياح الشوق واستولت على ما تبقى منها لدرجة وجدت نفسي محشورًا بين تلك الرفوف القديمة، أحاول بصعوبة أن أرتب ذاكرتي وذاتي معها كلما راودني الشعور النادر أن السطور تتنفس وتتحدث وتصرخ ثم تصمت وتتأمل كل هذا الخراب الجميل.



 

عبد الجبار عبد الله (1911– 1969) عالم فيزياء عالمي وفلكي عراقي عالمي، وثاني رئيس لـجامعة بغداد، ولد في قلعة صالح بمحافظة ميسان (العمارة) لعائلة عراقية من الطائفة المندائية وتوفى خارج العراق وهو في الثامنة والخمسين من عمره، أكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في العمارة ثم انتقل إلى بغداد ليواصل دراسته في الإعدادية المركزية عامي (1928– 1930) ثم انتقل إلى بيروت والولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الجامعية وحصل هناك على شهادة D.Ss في الفيزياء من معهد MIT وهي شهادة علمية لا تمنح إلا للعلماء العظماء، عاد إلى العراق وشغل منصب رئيس هيئة الطاقة الذرية العراقية عام 1958 ثم أصبح رئيسا لجامعة بغداد مابين عام 1959 إلى عام 1963، حيث أقيل من منصبه واعتقل، ثم غادر العراق إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد مضايقات له واتهامه بالانتماء إلى تيارات يسارية وهو ما كان محظورًا آنذاك.

 

وبالنظر إلى مستوى عبد الجبار عبد الله العلمي المتفوق تعاقدت معه الجامعة الأمريكية التي تخرج فيها ليكون أحد تدريسيّها في قسم الأرصاد الجوي للسنوات 1946 حتى 1949، وبمرتبة أستاذ مساعد، ثم اشترك مع العالم الألماني (فون براون) في اكتشاف أسرار القنبلة الذرية في منتصف أربعينيات القرن الماضي، وتطوير علم وهندسة الصواريخ، وما يؤكد ذلك اختياره مع خمسة من المتميزين خلال مدة الدراسة العليا في الولايات المتحدة للعمل في مكان سري للغاية لمدة سنة ونصف السنة، أثناء الحرب العالمية الثانية، وكان نتيجة ذلك أن الرئيس الأمريكي (هاري ترومان) قلده بـ(مفتاح العلم) الذي كان يمنح لكبار العلماء المتميزين في عطاءاتهم العلمية.

 

احتل العالم الكبير عبد الجبار عبد الله مكانته الطبيعية بين مشاهير العلماء في العالم، ودخل اسمه في أكبر المعاجم العلمية العالمية، كرس كل حياته وطاقاته الإبداعية ومؤهلاته الأكاديمية وسمعته العلمية العالية النادرة في سبيل رقي شعبه ورفع اسم وطنه الذي نبذه وأجبره أن يرحل بعيدا عنه، كان يملك كل أدوات تخاطب الشعوب لغويًا، حيث يجيد- إضافة إلى العربية والآرامية- اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، له العديد من النظريات العلمية، خصوصًا في مجال الأنواء الجوية، حيث ينسب له الفضل الكبير في العديد من الأعمال الخاصة بفرع الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو، علمًا بأن إنجازاته العلمية والثقافية كبيرة في حقل اختصاصه، حيث جمع بين فيزياء الجو والرياضيات العالية جدا.

 

نشر أكثر من ثلاثين بحثًا عالميًا في المجلات العلمية الكبرى المرموقة في أمريكا وأوروبا باللغة الإنجليزية، وله العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم باللغة العربية، توفي عبد الجبار عبد الله في اليوم التاسع من تموز عام 1969 في الولايات المتحدة الأمريكية، وتم نقل جثمانه إلى العراق، وفي 13 يوليو/ تموز جرى له تشييع مهيب إلى مثواه الأخير في مقبرة عائلته في أبي غريب، بناء على وصيته.

 

نعاه صديقه وقريبة الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد بقصيدة، قال فيها:

قالوا وأنت تموتُ كـانت مقلتاك تُرفـرفانِ كحمامتين غريقتينِ عن العمـارة تبحثـانِ وبقيتَ حتى آخرِ الأنفاسِ تلهج في حــنانِ لو نسمةٌ هبت بقلعـةِ صالـحٍ لك بالأمـان! لو نهرُها ناداك آخرَ مرةِ والشّـاطئانِ لو طوقاكَ فنمت في حُضنيهما والفجـرُ دانٍ فترى إلى شمسِ العراقِ ومقلتاك تحـدرانِ مشوبة هي في المياهِ وأنتَ مشوبُ المحـاني.

 

النرويج/ الموسوي 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز