عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ستظل محظورة

ستظل محظورة

أظن أن الممثل المغمور يمر الآن بأسوأ أيام حياته حاليًا، بعد الهجمة الشرسة، التي طالته إثر وصفه استشهاد د. فرج فودة بالنفوق، لن أفصّل في هذا الأمر، فقد ناله من الهجوم ما يكفي لإنهاء مستقبله الفني قبل أن يبدأ، لكن ما لفت انتباهي هو أننا نتعامل مع جيل شديد الخطورة من المتطرفين فكريًا، وهذا الأمر ليس وليد هذه الأيام، لأن بوادره الحقيقية ظهرت قبل أحداث يناير بسنوات، وقت أن أيقنت جماعة الإخوان المسلمين، أنه لا سبيل للتوسع السياسي سوى الاندماج في المجتمع، أو بمعنى أدق خداع المجتمع.



 

سار "الإخوان" على عدة محاور توسعية خطرة، بعضها اخترق قاعدة المجتمع، والبعض الآخر حدد أهدافه من بين رموز الصفوة السياسية، وما كان يقلق فى الأمر هو انفتاح الإخوان على معارضيهم، ففى مثل هذه الأيام الرمضانية المباركة التي نعيشها الآن، كان الإخوان يقيمون مأدبة إفطار فاخرة لحوالي ١٥٠٠ مدعو، في أحد الفنادق الكبرى، وكانوا يدعون المعارض لفكرهم قبل المؤيد، والغريب فى الأمر أن دعوة الإخوان كانت تلقى قبولًا من بعض اليساريين وحتى الأقباط، وشخصيات عامة كثيرة، وكنت قد ذكرت في مقالي، "ملعب السياسة"، أن المجتمع السياسي فى ذلك الوقت كان يعيش حالة من الخداع الذاتي، أفضت لترسخ اعتقادًا سامًا، وهو أن الساحة السياسية ملك فريقين فقط، هما الحزب الوطني، وجماعة الإخوان المسلمون، ومن يفوته الانضمام للحزب، يتمرمغ في تراب الإخوان.

 

عام ٢٠٠٧ وعلى مأدبة إفطار الإخوان، كان يجلس  المرشد العام، مهدي عاكف، وأثناء انشغال المدعوين بالتهام ما لذ وطاب، التقط هو المايك، وأخذ  يصرخ "الحرية للمعتقلين، قانون الطوارئ هو انقلاب على الدستور"، وحوّل الإفطار إلى مؤتمر نضالي يهاجم فيه الدولة المصرية، يعلن رؤية الجماعة للإصلاح السياسي، وتحركات نواب المحظورة داخل البرلمان، بعد أن نالوا غنيمة في الانتخابات البرلمانية لعام ٢٠٠٥، وهى حصولهم على٢٠٪ من المقاعد.. وهذا البريق الخادع قد يدفع أي سياسي هش للعق أحذية الإخوان المسلمين، كي يحقق المكاسب الواهية من ورائهم.  

 

على نطاق أشد خطورة انتشر الإخوان المسلمين بين الشباب، وهنا لن تأخذني الشفقة، والتمس الأعذار للشباب المغيب، فلا تغييب في ظل تنوع مصادر المعرفة، ولا أؤمن بأن الله خلق العقول على التغييب، ولكن يوجد شباب هش هو الآخر، ولا يتقبل نفسيًا المعادلة الطبيعية للحياة، وهي المشقة مقابل النجاح، والمزيد من المشقة في مقابل التميز، وعند أول موجة عنيفة ترتطم به، يتبعثر كيانه الداخلي، ويظن أنه على شفا حفرة من النار، فيأتي من خلفية المشهد خطيب في زواية أو داعية شاب، يقنعه أن ما يعانيه هو جزاء ضلال سعيه في الدنيا، وأن التدين هو الحل، فينخرط الشاب في عالم الروحانيات، ويصبح ذلك الشيخ الهادي بالنسبة للشاب خليفة الله على الأرض، لدرجة أنه على استعداد تام، لأن يعادي والديه إذا أقنعه الشيخ أنهما على ضلال، وبعد وقت قصير يصدق الشاب أن الدولة التي يعيش في رعايتها هي دولة كافرة لا تطبق الشريعة، ويتحول شعار "التدين هو الحل" إلى "الإسلام هو الحل"، ثم يجد نفسه فجأة بين أحضان جماعة الإخوان  المسلمين.. فهل يصح أن نطلق على هذا العبث تغييبًا متعمدًا؟ لا يصح، فهذا ليس إلا عبثًا، يجد تربة خصبة فى عقول رديئة الجودة، لم تستطع أن تواجه الدنيا، فسعت إلى المكوث في منطقة خمول ظهرها روحاني، لذلك لا عجب إطلاقًا أن تجد كل عناصر الإخوان فشلة في مجالاتهم الأصلية، لأنهم جميعًا لهم نفس التركيبة الذهنية المهترئة.

 

حدث فى تلك الفترة الزمنية من عمر السياسة أمر جلل، يمكن أن نطلق عليه فضيحة كبرى تكتمها الأفواه، وتظاهرت الأعين بعدم رؤيتها، وهي زيجات تمت بين أبناء قيادات الأغلبية وأبناء الإخوان المسلمين، وكان هذا مخطط تسلل كاملًا مرسومًا من الجماعة بلا ذرة شك، فتزاوج الجماعة بقيادات تقارب السلطة، هو أمر يثقل من موازينها، ويعطي انطباعًا بأن الإخوان هم جناح سياسي أقوى من جناح السلطة، أولًا لأنه يطبق الشريعة كما يدعي، ثانيًا أنه مقبول ليس بمقاعد البرلمان وحدها بل بالتزاوج أيضًا، وفي التراث القديم، الذي يملأ مثل هذه العقول، كان يتم استغلال الزواج  بهدف إقامة التصالح بين الأطراف المتناحرة، والتقارب السياسي، وكان الأمر حينها فاجعة على رموز الأغلبية، فبعيدًا عن السياسة، كان لهذه الزيجات إحساس بالهزيمة في نفوس الآباء يحني الهامات، مهما حاولوا إظهار عكس ذلك كي يحافظوا على بقاء العلاقة مستمرة بينهم وبين أبنائهم، والغريب فى الأمر هو التباين الشديد في المستويات الثقافية والاجتماعية بين العائلتين، الذي يجعل عِشرة الزوجين أشبه بمزج الزيت بالماء، لكن "هوجة" التدين المدعى، التي قادها عمرو خالد والدعاة حينها، جعلت بعض الشباب ينقلبون على آبائهم ويتهمونهم بالضلال، ويرتمون في أحضان الإخوان المسلمين، لأنهم يملكون مفتاح الجنة.

 

كان واضحًا أن الجماعة سئمت التحرك وسط الطبقات الدنيا، وزاد طموحها بالتوسع داخل الفئات الأقرب لواجهة المجتمع في ذلك الوقت، لأن العربة الأولى من القطار، هي التي تحدد مساره، وإذا تأخونت الواجهة، سيتأخون المجتمع كله بالتبعية. 

 

لذلك تروق لي جدًا حالة الوعي الجماهيري، حاليًا، ضد تسلل عناصر الإخوان الملثمة اجتماعيًا، وأتوقع أن يستنفر هذا الوعي ضد شباب سياسيين، قابعين تحت مظلات أحزاب كبرى، وأناس يتمسحون بالفن والثقافة تمامًا، كما حدث مع الفنان المغمور، وحفنة من كُتاب المقالات، يمطروننا ليل نهار بأفكار التصالح مع الإرهاب. 

 

وأهم سمة تكشف الإخواني الملثم اجتماعيًا، هو تأكيده المستمر على معارضة فكر الإخوان، بمناسبة وبدون مناسبة، ورفضه التواصل معهم.

 

والسؤال هنا، هل يتجرأ الإخوان أو ذيولهم على اقتحام حرم أحد معارضيهم بالتواصل أو الاتصال؟ أو هل هو في حاجة لنفي الأخونة عن فكره؟!

 الإجابة البديهية، بالقطع  لا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز