عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

400 سنة لم يجرؤ فيها سلطان عثماني واحد على أداء فريضة الحج

تسع قرون كاملة من تاريخ الإسلام، كانت شاهدة على مشهد مألوف تكرر مرات كثيرة، كان فيه خلفاء الإسلام من بني أمية وبني العباس يسيرون إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج وسط عموم رعاياهم من المسلمين.



 

وحتى بعد سقوط الخلافة العباسية بيد المغول (1258/ 656هـ)، تابع العديد من سلاطين المماليك تلك العادة وحجوا بأنفسهم إلى البيت الحرام، في برهنة على أن لقب خادم الحرمين الشريفين، لم يكتسبوه فقط بحفر الآبار وإقامة الخانقاوات لخدمة الحجيج، أو بإرسال كسوة الكعبة كل عام في موعد الموسم، وإنما اكتسبوه كذلك من مشاركتهم سائر الناس في تحمل مشقة الحج، ومعاينة أول بيت وضع للناس.

 

اعتاد المسلمون رؤية خلفائهم وسلاطينهم في ملابس الإحرام عبر تلك القرون المتطاولة، حتى انقطع ذلك أخيرًا بسقوط العالم العربي في قبضة العثمانيين، إذ قضت السلطنة العثمانية أربعمائة عامًا كاملة تحكم مكة المكرمة حكمًا مطلقًا، كما حمل سلاطينها لقب خادم الحرمين الشريفين بعد أن ورثوه من المماليك، ورغم ذلك لم يجسر سلطان عثماني واحد على أداء الحج. 

فى هذا التقرير يفضح موقع "تركيا الآن"، جشع السلاطين العثمانيبن وتفضيل العرش على طلب المغفرة ودخول الجنة.

وكانت مسألة عدم ذهاب السلاطين العثمانيين للحج واحدة من التهم التي وجهها المصلحون الإسلاميون في الربع الأخير من القرن الـ19 إلى الدولة العثمانية، باعتبار أن ذلك أنهى العلاقة المباشرة التي جمعت في الزمن القديم بين الخلفاء وجميع الشعوب المسلمة على اختلاف أعراقها وألسنتها، واستبدلها بوحشة بين العثمانيين والمسلمين من غير المتحدثين بالتركية، فإن ثمة كليشيهات يستخدمها الأتراك حتى اليوم لرد تلك التهمة عن سلاطينهم، ولكنها ردود كانت من الوهن بمكان بحيث لم تنجح في إخفاء السبب الأصلي لعدم ذهاب آل عثمان لأداء الحج.

 

يمكن تتبع تلك الكليشيهات مثلا في كتابات واحد من مؤرخي العثمانيين الجدد، وهو المؤرخ التركي محمد مقصود أوغلو، والذي يقول مثلا إن آل عثمان أحجموا عن الحج إلى مكة بسبب بعد المسافة بين الأخيرة وإسطنبول!. ثم يردف أن طريق الحج كانت تمر بالأراضي المملوكية، والتي لم تكن مستقرة وغير آمنة، وبالتالي كان في ذلك خطر على حياة السلاطين العثمانيين. 

 

إذا وافقنا مقصود أوغلو على أن طرق الحج في العصر المملوكي لم تكن آمنة، وهو غير صحيح على إطلاقه، فماذا عن طرق الحج فيما بعد سقوط دولة المماليك في مصر والشام بأيدي السلطان العثماني سليم الأول؟!. لقد انتزع سليم لقب خادم الحرمين الشريفين من المماليك، وأعلن بذلك أنه كافل طرق الحج ومؤمنها برجاله، ورغم ذلك لم يذهب للحج أيضا، لا هو ولا كل خلفائه حتى سقوط الدولة العثمانية في الربع الأول من القرن العشرين. 

 

نفس الأمر ينطبق على الدافع الثاني الذي يورده مقصود أوغلو لعدم حج السلاطين، والمتعلق بالتهديدات البرتغالية للمدينتين المقدستين، مكة المكرمة والمدينة المنورة. وهذا أيضا تبرير عبثي، لأن ظهور العثمانيين في البحر الأحمر نجح بالفعل في إبعاد الخطر البرتغالي عن الحرمين الشريفين، ونقله بعيدًا عنها إلى سواحل اليمن وعمان والخليج العربي، إضافة بالطبع إلى المحيط الهندي. وقد انتهى هذا الصراع العثماني البرتغالي على أية حال بحلول القرن السابع عشر الميلادي، وبالتالي فلم يكن مبررًا لإحجام السلاطين العثمانيين عن الحج. 

 

إذا كان الأمر كذلك، فما السبب الحقيقي وراء عدم حج العثمانيين؟!..

إنه ببساطة خوفهم على العرش. فالصراعات الدامية التي شهدتها الدولة العثمانية بين أبناء سلالتها الحاكمة على السلطة، وبلغت إلى درجة تشريع قوانين تتيح قتل السلطان الجديد لجميع إخوته من الذكور، كانت هي المحرك الرئيس للرفض العثماني الذهاب إلى الحرم المكي، حيث كان كل سلطان يخشى من أن يدبر انقلاب ضده أثناء سفرته الطويلة إلى مكة. 

والطريف أن آل عثمان كانوا يستشعرون الحرج من ذلك، لأنه ينقص من سلطتهم الشرعية في نظر رعاياهم. لذلك تراهم يعمدون إلى شيوخ الإسلام، المنصب الذي استحدثه العثمانيون أنفسهم لشرعنة قراراتهم دينيا، للبحث عن مخرج شرعي لتلك الأزمة. وكعادة مشايخ الإسلام في إسطنبول، فإنهم لم يخذلوا سادتهم، فأصدروا فتوى تبيح للسلطان العثماني توكيل أحد رجاله لأداء فريضة الحج بدلا عنه. واستمر هذا التوكيل حتى نهاية السلطنة. 

 

وقد كان من عادة السلاطين من آل عثمان أن يقصوا شعورهم ويرسلون بها رفقة وكيلهم في الحج كي يطوف بها البيت الحرام، ثم يقوم بدفنها إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة.

 

وحتى عندما أتيحت الفرصة لسلطان عثماني هو السلطان عبد العزيز الذهاب إلى مصر في إبريل 1863، ما جعله شديد القرب من الحجاز، مع تغير الظروف في ذلك العصر عن صراعات العرش على النمط القديم، فإن عبد العزيز رفض الذهاب إلى مكة، واكتفى بكتابة رسالة فحواها السلام والدعاء لتقرأ على قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. 

 

ولكن هل أغنى الشعر أو المكاتيب عن آل عثمان شيئا أمام عموم المسلمين، والذين فرض عليهم الخضوع أربعمائة عاما كاملة لحكام لم يروهم أبدا عن قرب، ولا حتى في موسم الحج الذي يتساوى فيه المسلمون جميعا أمام الله؟!

وحتى عندما أتيحت الفرصة لسلطان عثماني هو السلطان عبد العزيز الذهاب إلى مصر في إبريل 1863، ما جعله شديد القرب من الحجاز، مع تغير الظروف في ذلك العصر عن صراعات العرش على النمط القديم، فإن عبد العزيز رفض الذهاب إلى مكة، واكتفى بكتابة رسالة فحواها السلام والدعاء لتقرأ على قبر النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة. 

ولكن هل أغنى الشعر أو المكاتيب عن آل عثمان شيئا أمام عموم المسلمين، والذين فرض عليهم الخضوع أربعمائة عاما كاملة لحكام لم يروهم أبدا عن قرب، ولا حتى في موسم الحج الذي يتساوى فيه المسلمون جميعا أمام الله؟!.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز