عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

تعيد رسم خارطة مراكز الثقل العسكري في حلف شمال الأطلنطي

واشنطن تتبنى استراتيجية "الاتجاه شرقًا"

جاء الاتفاق الأمريكي البولندي على تمركز القوات الأمريكية العاملة في أوروبا على الأراضي البولندية وسحبها من الأراضي الألمانية؛ ليعيد تشكيل خارطة مراكز الثقل والتموضع العسكري الأمريكي في أوروبا وفق رؤية استراتيجية لسياسات الدفاع وإدارة الصراعات المسلحة في العالم عنوانها "الاتجاه شرقا"، تتبناها واشنطن في إطار منظومة حلف شمال الأطلنطي.



 

فبعد أن كانت العاصمة البولندية "وارسو" هي المقر الأول لحلف يحمل ذات الاسم "حلف وارسو"، في مواجهة حلف شمال الأطلنطي “ناتو” في فترة الحرب الباردة، تغيرت الخارطة العالمية لتصبح وارسو الآن هي القاعدة المتقدمة لحلف شمال الأطلنطي، واستقرار لما يربو على عشرين ألف مقاتل أمريكي.

 

ومنذ العام 2016 دأبت الولايات المتحدة على اتباع أسلوب إعادة التموضع الروتيني النشط لقواتها العاملة في أوروبا، ضمن حلف شمال الأطلنطي، كبديل عن أسلوب التمركز الدائم.

 

ويقول المراقبون إن أسلوب إعادة التموضع الروتيني الذي بدأته واشنطن قبل أربعة أعوام كان بمثابة عملية استكشاف لمناطق جديدة في أوروبا يمكن للجيوش “الأمريكية/ الأطلسية” التموضع فيها، وكان الخيار هو الاتجاه شرقا صوب بولندا، كقاعدة متقدمة في مواجهة ما تبقى من قوى المعسكر الشرقي الدائر حتى الآن في فلك نفوذ وهيمنة روسيا “وريثة الاتحاد السوفيتي السابق”.

 

ويقضى الاتفاق البولندى الأمريكي المبرم مطلع هذا الشهر بنقل 12 الف جندى أمريكي من ألمانيا إلى الأراضي البولندية التي تتواجد فيها حاليا قوات أمريكية قوامها اربعة الاف رجل زادتهم واشنطن في نهاية العام الماضى إلى خمسة الاف وخمسمائة مقاتل.

ويقول المراقبون انه اذا كان قرار نقل القوات الأمريكية من ألمانيا إلى بولندا قد تم اتخاذه، فإن توقيتات تنفيذه لم تبد بعد في الأفق، حيث إنها رهن بسرعة واشنطن في إتمام التجهيزات اللوجستية الخاصة بإقامة وإعاشة قواتها على الأراضي البولندية والتي ستقترب من 20 ألف مقاتل، وكذلك التجهيزات الخاصة بإيواء وتشغيل أسراب الطائرات الأمريكية التي تعمل بدون طيار والمروحيات القتالية والتشكيلات الأمريكية المقاتلة المدرعة ومراكز اعاشة وتدريب قوات العمليات الخاصة الأمريكية والكوماندوز وكذلك الاتفاق مع الجانب البولندي على إجراءات تأمين المنشئات العسكرية الأمريكية بما لا يتعارض مع اعتبارات السيادة الوطنية البولندية.

 

وبحسب دورية “ديفنس نيوز الأمريكية” يأتي القرار الأمريكي بنقل التموضع العسكري إلى بولندا انعكاسا لخيبة أمل واشنطن في وفاء ألمانيا بمتطلبات التمويل التي اقترحتها القيادة العسكرية الأمريكية “البنتاجون” للابقاء على القوات الأمريكية متمركزة في ألمانيا التي اعتبرت متطلبات التمويل الأمريكية مبالغ فيها، ويصل قوام القوات الأمريكية المتمركزة على الأراضي الألمانية في الوقت الراهن إلى أكثر من 36 الف مقاتل يقول الخبراء ان نقلهم من ألمانيا إلى بلدان اخرى قد يستغرق عدة اعوام، وتتمركز هذه القوات بصورة مستقرة في سلسلة قواعد توجد في مدينة شتوتجارت الألمانية منذ العام 1967، حيث كان يقع المقر القديم لقيادة قوات حلف شمال الأطلنطي “ناتو “ وفي اطار هيمنة من جنرالات الجيش الأمريكي على أنشطة الحلف الذي انتقلت قياده قبل عامين إلى مقر جديد تكلف بناؤه مليار دولار في مدينة مونز التاريخية جنوب غرب بلجيكا وهي مدينه يعود تاريخ انشاؤها إلى العام 1515 وتشتهر بقلاعها المنيعة التي شهدت وقائع حروب الاقتتال الأوروبية الطاحنة ما قبل عصر النهضة.

 

ويقول البريجادير جنرال ميريان جيسيكا نائب مدير قيادة قوات الدفاع الصاروخي الأمريكية في أوروبا: إن اتفاق نقل القوات الأمريكية إلى بولندا يتجاوز في أهميته اعتبارات التمويل واتفاقاته مع ألمانيا، فنقل القوات الأمريكية إلى بولندا في حد ذاته يعزز وضع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلنطي من منظور الجغرافيا السياسية على خارطة الأمن الأوروبي، ويعزز أيضا مستوى الأمن الأوروبي، من خلال نقل القوات الأمريكية إلى نقاط متقدمة على الخارطة الأوروبية باتجاه الشرق في مواجهة قوة الروسية ذات النفوذ متعاظم.

 

ومن جانبه قال مارسيز بلاسكزاك، وزير الدفاع في بولندا: إن التعاون العسكري مع الولايات المتحدة لن يقف فقط عن حد قبول بولندا باستقبال قوات أمريكية إضافية إلى أراضيها، بل سيتطور قريبا إلى إبرام اتفاق نهائي بين وارسو وواشنطن للتواجد العسكري المستدام على الأراضي البولندية.

 

وأشار وزير الدفاع البولندي- في مقابلة متلفزة مع التليفزيون البولندي- إلى ان التعاون العسكري البولندي الأمريكي واحتضان بلاده لقوات أمريكية إضافية كاملة التشكيل على أراضيها من شأنه تعزيز مكانة بولندا على خارطة السياسة العالمية كقوة وازنه في حلف شمال الأطلنطي.

 

ووفقا للمصادر الأمريكية فقد تم الاتفاق بين بولندا والولايات المتحدة على أن تكون منطقة "بوزنان" البولندية مقرا لقيادة القوات الأمريكية هناك، وان تقام مراكز التدريب الخاصة بالقوات الأمريكية في منطقة "دراوسكو بروموسكي" القريبة من الحدود البولندية- الألمانية، وهي المنطقة ذاتها التي ستقام عليها كذلك مراكز إيواء كتائب القوات الخاصة الأمريكية، ومركز إدارة عمليات لواء جوى أمريكي مقاتل وكذلك ستقام عليها ثكنات إيواء لواء مدرع مقاتل يتبع الولايات المتحدة.

 

وأعلنت القيادة العسكرية الأمريكية سحب 2000 من القوات الأمريكية من قوة قيادة قوات الاتحاد الأوروبي في شتوتجارت بألمانيا ونقلهم إلى بلجيكا وإيطاليا تمهيدا لنقلهم إلى قواعدهم الجديدة في بولندا والجاري تجهيزها واستكمال استحكاماتها حاليا.

 

وقال مارك اسبر، وزير الدفاع الأمريكي، في مؤتمر صحفي عقده قبل يومين: إن هذا الإجراء يأتي في اطار تعديل هياكل الانتشار العسكري الأمريكي في مناطق العمل الأوروبية في حلف شمال الأطلنطي.

 

وبالإضافة إلى ذلك سيتم نقل لواء المقاتلات "اف– 16" من قواعده في ألمانيا إلى قواعد بديلة في إيطاليا، وكذلك نقل أفراد الفرقة المدرعة الثانية الأمريكية من الأراضي الألمانية واستعادتهم إلى الأراضي الأمريكية تمهيدا لإعادة نشرهم في منطقة البحر الأسود، كما قررت الولايات المتحدة استبقاء قوة إبرار جوي وخدمات جوية معاونة قوامها 2500 مقاتل في قواعد على الأراضي البريطانية بعد أن كان مخططا لهم في السابق الانتقال إلى ألمانيا.

 

ويقدر خبراء البنتاجون فاتورة القيام بتلك الإجراءات بما لا يقل عن 10 مليارات دولار أمريكي لإتمام تلك العملية المعقدة لنقل المعدات والقوات والأطقم المعاونة وتطوير منشآت عسكرية متهالكة في بولندا لاستضافتهم يعود تاريخ بنائها إلى حقبة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية/ حلف وارسو/ والغربية/ حلف الناتو/ في ستينيات القرن الماضي، وهو التطوير الذي يقدر الخبراء ان يتم الانتهاء منه بحلول نهاية العام القادم 2021.

 

ويقول القائمون على عملية نقل القوات الأمريكية انها تتم وفق برنامج زمني مضغوط يستغرق 12 شهرا ويعتبرون ذلك تحديا مرهقا، بل منهم من يعتبر أن نقل القوات الأمريكية التي ألفت التمركز في ألمانيا منذ العام 1967 يعادل في كلفته المالية ومشقته التنفيذية تحريك قوات أمريكية في خمسين دولة أوروبية وشرق أوسطية، لكن مخططي الاستراتيجيات في البنتاجون يرون ان تحريك القوات الأمريكية ونقلها إلى مراكز متقدمة في شرق أوروبا سيفوق في قيمته الجيوستراتيجية أي تكلفة مالية أو أعباء تنفيذية، لأنه سيخدم استراتيجية الأمن الأوروبي الأمريكي المشترك.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز