عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
نساء " روزاليوسف " 1

نساء " روزاليوسف " 1

لم يختلف  الحكاؤون و الرواة على شيء، مثلما إختلفوا على الست روز اليوسف و مجلتها. فسال حبر كثير عنهما، و كُتب ما كُتب: لامها بعضهم لمعاركها السياسية، و تصّديها لرجالات السياسة في زمانها، و أنصفها بعضهم، و أثنوا عليها، لأنها احتضنت و أطلقت من صاروا، فيما بعد، من مداميك الصحافة المصرية. و الأهم في ذلك كله، إنها إحتضنت، و شجعت، و أطلقت المواهب النسائية، و فتحت صفحات مجلتها لغير شابة، حملت القلم، و كتبت بحرية و جرأة، فبرز العديد منهن، إن في الكتابة أم الإدارة . فمن هن نساء " روز اليوسف " ؟                                                          الست روز                                                مودي حكيم                                     في أعماق نفسي، بقعة يلوح من بهجتها، ما لا يقدر القلم على بيانه، تلك، تذكارات أيامي في « مدرسة مصر الجديدة الثانوية »، فقد كانت تفيض بالتوق للتحصيل، و السعادة بالنجاح فيه. لم تكن علاقتي ب « روز اليوسف » ، المجلة، في هاتيك السنوات، أكثر من إنها كانت مصدرا للأخبار،      و مادة دسمة، أغرف من مَعينها، لبرنامجي الإذاعي اليومي « دنيا الفن »، الذي كنت أعده و أقدمه من إذاعة المدرسة، خلال « فسحة » منتصف النهار. كانت رسومات جمال كامل، تسحرني بخطوطها، و تجذبني في المجلة، خبايا « المخبر المجهول »، و أنتشي حبورًا بقصائد صلاح عبد الصبور، التي كنت ألقيها خلال فترة البث، أما مقالات كامل زهيري الموسوعية، فقد كانت تنير مداركي، و روايات فتحي غانم تأسرني، لينقلني إحسان عبد القدوس، في قصصه، الى مطارح العشق و الحياة. و لطالما منيت النفس، لو أن قلمي يسبح ، يوما، على صفحات تلك المجلة. كنت، على ما أذكر، أبدأ البث، بمقدمة موسيقية تستغرق دقائق ثلاث ، من « أنشودة الفن »، التي لحنها محمد عبد الوهاب، و مطلعها، كما حفظته و لم أزل: الدنيا ليل و النجوم                   طالعة تنورها نجوم تغري النجوم                   من حسن منظرها ياللي إبتدعتوا الفنون               و ف إيدكم أسرارها و أواصل  بعدها بفقرات أنقلها من المجلة المحببة عندي، عن الفنانين و أخبارهم. أما روز اليوسف، الست، فكان يبهرني ما أقرأ عنها، و أسمع ما تتناقله الصفوة عنها، و كم منيت النفس لو عرفتها عن قرب. و تدور الأيام دورتها بي، و تعلو بي السن، فأجد نفسي بعد تخرجي، أعمل في « روز اليوسف » و إبنتها المدللة « صباح الخير »، فأعطيتهما سنوات عشر من عمري المهني، كانت الأغنى، و الأحلى، و الأحبّ،    و الأغلى. و روز اليوسف، الست، و المجلة تتشابهان: الست أخذت من كل ما يحوط بها، أخذ العين من الشعاع، و الأذن من الصوت، فكانت عظيمة الصولة، صارمة القلب، شديدة الإقدام، خوّاضة غمرات.



و المجلة أخذت كل ما تملك الست من تضحيات، و مثابرة، و جَلَد، و عزم و إبداع، فأصبحت اللؤلؤة الفريدة في تاج الصحافة المصرية و العربية. و كان ما كان. ***

ناحت امرأة، ولولت أخرى، حملوا البنت خارج تلك الغرفة المتواضعة. في العشية، كان محي الدين اليوسف، يمشي وراء نعش زوجته جميلة. ما كان يعرف أن القدر سيقسو عليه، سيحرمه من المرأة الوحيدة التي أحب، و حملها مع متاعه من تركيا الى لبنان، بحثا عن حياة لهما أفضل، فاستقر بهما المقام في طرابلس، عاصمة لبنان الثانية، حيث  ولدت إبنته الوحيدة. كان تاجر قماش، يفهم بأصنافه، يجول بها على المحال و البيوت، و على كل من يشتري و يبيع. و ما أن إفتر له ثغر الحياة، فلقي الزاخر من اليسر، جفته الأيام، و أعرضت، فبات في جفوة و عسر، و لفّت حياته سحابة غشاها البؤس الصاخب، و أصبح مهيض الجناح، بعدما ماتت عنه زوجته، و تركت بين يديه طفلة في السابعة من سنيها. فلم يجد بدًا،  بعدما عزم على العودة الى تركيا، لتدبر أمره، من ترك الطفلة في كنف عائلة مسيحية الدين كاثوليكية المذهب ترعاها، ريثما يعود اليها.  لكنه رحل و لم يعد، وعد و لم يف، و لم يَرِف له جفن على ضناه ! فأدركت الطفلة اليُتم من طرف، و هجران أبيها لها من طرف آخر. و لما  إنقطعت أخبار الأب، تبنت تلك العائلة المسيحية البنت، و سموها « روز »، فأخذت تنمو و تترعرع  في كنف تلك الأسرة التي ما بخلت عليها بالرعاية، و العطف، و التعليم، على قدر ما كان يسمح وضع البلاد الخاضعة  لجور و عسف السلطنة العثمانية. و حدث أن مرّ بتلك العائلة أحد أقاربها، مودعًا قبل السفر الى « العالم الجديد »، كما كانوا يطلقون على الولايات المتحدة الأمريكية أيامذاك،  فجال في خاطر رب تلك الأسرة، أن يطلب من قريبه المسافر، ما إذا كان يفسح للصبية روز مجال السفر هي الأخرى الى « العالم الجديد »، علّها تجد لها فيه مستقبلا أفضل من لبنان الذي ينوء تحت ثقل نير الإحتلال العثماني. و عرفت روز لأول مرة، إنها بنت بالتبني، و أن والدها تركي الأصل و المنبت، وعد أن يعود ليحملها معه الى تركيا، إلا إنه لم يف بالوعد، رحل و لم يعد. كانت روز في الرابعة عشرة من سنيها. لم تذق ليلتها كثير غمض، أطرقت تحاول الغوص في أعماقها، لا تريد « العالم الجديد »… كان يغلي رفضها مثل المرجل، فقررت ترك السفينة في أول ميناء يحتضنها. كانت الباخرة  تقترب من الإسكندرية، لترسو في مينائها أياما قبل العودة الى  البحر، و الموج، و…المسافات. حشرت ملابسها في حقيبتها، و في غفلة من الجميع، تركت السفينة الراسية من تعب السفر و صخب          و ثرثرة  البحر، و إندست بين الناس، سلمت نفسها للإسكندرية و لقدرها.          *** لما تنفس الصبح في « الإبراهيمية »، حي وسط الإسكندرية، و بدأ الضوء يمد يديه على الشوارع و الأزقة، إنعجق الحي بالناس. زاغ بصر تلك الصبية الغريبة، و بدت واجفة القلب و هي لفي بعض الطريق بين حي و حي في المدينة، إذ بلمّة من الناس أمام مسرح،  فإندست بين المتجمِعين الملهوفين.

وقف رجل طويل القامة، ضخم البطن، عريض الصدر، دار بعينيه على العيون و الوجوه، و أخذ يجيل  النظر بتمهل، لَفَته وجهها، إقترب منها، تملاها، سألها عن إسمها، أجابت بخفر : « روز». فأعجب باسمها، و بملامح وجهها، فسحبها بيده، و دخلا الصالة، لتنضم الى « كومبارس » الفرقة، و تقف  على خشبة المسرح لأول مرة. لم يرفع إسكندر فرح، مخرج المسرحية، نظره عن البنت القصيرة القامة، النحيلة الجسم في « الكومبارس »، أيقن إنها تملك خامة تحتاج الى صقل، فأخذها تحت جناحيه، علّمها، درّبها على مبادىء التمثيل، و درّبها على الإلقاء، و ركز على مخارج الأحرف و اللكنة. وجدت الصبية روز ضالتها في التمثيل، و جعلها أستاذها إسكندر فرح تستسيغ الوقوف على الخشبة، و شغفت هي في النظر الى الناس و هم يتفرجون على أداء الممثلين، و إستملحت صوت التصفيق، بعد كل فصل و في نهاية العرض.

و تركت الإسكندرية الى المحروسة، و أخذت تتنقل من فرقة الى أخرى، تقف على الخشبة، تقول كلمة أو كلمتين، و قبل أن تُزيل المكياج عن وجهها، كانت تتعجل الخطى الى شباك التذاكر لتحصل على ٥٠ قرشًا، فتخبىء ما جنته في منديل، تخفيه في صدرها.

 و ألح عليها وازع احتراف التمثيل، بعدما أخذت ترى أصحاب المواهب، يتكسبون من خشبات المسارح، و هو ما كانت ترغب به، و أمنيتها أن تسكن « منزل تضع مفتاحه في جيبها »، كما قالت في حوار مع مجلة       « الإذاعة » سنة ١٩٥٨، قبل أربعة أيام من وفاتها.

و ليلة بعد أخرى، كانت تجمع في منديلها ما تجنيه، و عندما وصل ما جمعته الى جنيه، طارت بزهوها، تولاها شعور بالاعتزاز بنفسها، مدّت الخطوات الى « الموسكي »، فكّت عقدة المنديل، و إشترت   « كانون » لبرد الليالي، من حديد لا يصدأ، أو هكذا قيل لها و هي تدفع خمسة قروش ثمنه، و « حلّة » من نحاس، دفعت ثمنها ١٢ قرشا، و من محل آخر، مرتبة، و وسادة، و كرسيًا، و لوازم أخرى، دفعت فيها ما تبقى من الجنيه.

سألت، فدلّوها على بيت في أول « شبرا »، تسكنه عائلة أرمنية، ترغب بتأجير غرفة فيه. قبلت ما طلبه صاحب البيت، و قَبِل هو سُكناها وسط عائلته. ترونق فرحها، حققت ما كانت تتمناه، وضعت مفتاح المنزل في جيبها.

***

مدّت روز بصرها تملأ عينيها بصورة الرجل على عمود، قرب فسحة، مشاع فارغة، حوّلها صاحب الصورة الى مسرح في الهواء الطلق، و الرجل كان عزيز عيد. كان المتفرجون، المعجبون بأدائه المتميز، يحملون كراسيهم معهم لحضور العرض، و يتسابقون لحجز الأماكن. جذبها أداء عزيز عيد، و حركته، و تغير ملامح وجهه تبعًا للحظة الدرامية، ودّت لو تستطيع أن تلقاه، أن تخبره كم هي شغوفة بالتمثيل، و كم تعشق المسرح. و راحت تتردد على تلك الفسحة - المسرح تتمنى أن تراه.

« عماد الدين »، كان شارع الفن في قلب المحروسة، « برودواي » مصر، و صنّو « ويست إند » اللندني و « البولفار » الباريسي، فقد ضمّ هذا الشارع ١٥ مسرحًا، و ١١ صالة عرض سينمائي، إضافة الى المقاهي، و علب الليل. و فيه كانت الفرق…المسرحية تتنافس لجذب المتفرجين: مسرح الريحاني، ينافس مسرح « ماجيستيك » بيت الفنان على الكسار الفني، الذي كان على رمية حجر منه، و« الكوزمو » يناطح « الرونيسانس »، و « الكورسال »، و « بريتانيا » تديره بديعة مصابني ، و تتباهى، و تضع أصابع يدها الخمسة في عين الحسود… في عجقة تلك المسارح، حوّل يوسف وهبي و عزيز عيد، صالة سينما « راديو »، الى مسرح  « رمسيس »،    و افتتحاه سنة ١٩٢٣ ليكون مقرا و بيتًا لفرقة « رمسيس » تؤدي على خشبته عروضها. فكان عزيز عيد المخرج، و المؤلف، و المفكر، و المدرّب على التمثيل، و يوسف وهبي بما يملك ينفق و يمول و يمثّل. لمحها من جديد، قفز وجهها الى ذهنه، عرفها، من مسرح الهواء الطلق، و أعجب بمثابرتها على التسلل ليلا الى المسرح و مشاهدة العروض، و مراقبة الممثلين، و التعلم من أدائهم ، فحقق لها كانت تتمناه : رآها، تحدث اليها.  دار بعينه على ملامح وجهها الدقيقة  و منذ اللحظة الاولى، أدرك عزيز عيد، أنه أمام فتاة غير عادية، فقرر لحظتها أن يجعل منها نجمة… و فعل.

         

  
 

*** رَسَم عزيز عيد على شفتيه إبتسامة خفيفة، لما إنتهت روز، متلعثمة، ما كان حفّظه لها من حوار طويل مترجم عن الفرنسية، إكتشف مواضع الضعف عندها، فأخذ يُدرِبها، و يُلقنها، و يُصحح لها الهفوات، و يُدّلها على مفاتيح فهم الشخصيات التي تجسدها على الخشبة، و كيفية الإنفعال مع اللحظة الدرامية … حتى صَلُب عودها، و أيقن أنها أصبحت تملك الثقة بنفسها التي تمكنها من أداء الأدوار شتى . كانت « فرقة رمسيس » تكتمل تحت إشراف مخرجها عزيز عيد، الذي إختار الممثلين و الممثلات، و قد إنتقى لأول عرض مسرحية « المجنون »، و أسند لتلميذته روز اليوسف الدور  الرئيسي، قبالة يوسف وهبي، المنتج  و صاحب المال و الممثل الأول للفرقة. في العاشر من مارس ١٩٢٣، رُفع الستار عن أول عرض لفرقة رمسيس، و أول مسرحية تؤديها روز اليوسف. و تنطلق روز على خشبة المسرح، تُجيد و تُبدع، و مع كل مسرحية جديدة، دور جديد، كان يصقل موهبتها    و تجربتها، فتزداد تألقًا  و إبداعًا ، و يتهافت الناس للتفرج و التمتع بأدائها، فسأل عن إسمها حبر كثير في الصحف و المجلات… صارت البنت الآتية من لبنان، نجمة يُشار اليها بالبنان. *** إكتسى وجه نجيب الريحاني بغبطة مستقرة، و هو يُبلغ أستاذه عزير عيد ما يصبو اليه  و يتوق ، و هو مسرح محلي مصري خالص، لا يتكل على النصوص المترجمة أو « تمصير » نصوص لمسرحيات أجنبية معروفة. فقد كانت الدنيا فتحت للريحاني ذراعيها، بعدما إستفاد من شخصية « كشكش »، التي إبتدعها عزيز عيد في رواية « الوردة الحمراء »، فلعب عليها في مسرحه و جنى منها ما جعله ميسورا بعد عوز و فاقة. و كان عزيز عيد إلتقى الكاتب التركي محمد تيمور، فطلب منه كتابة رواية « العشرة الطيبة » على شاكلة     « أوبريت »، أسند عيد تلحينها  الى الشيخ سيد درويش، فلم يتردد نجيب الريحاني في تمويلها و إنتاجها، فدفع إيجار مسرح « كازينو دو باري »، لتُقدم على خشبته. بعدما ضمن عزيز عيد الدعم المادي، عكف على إختيار الممثلين، فقفز الى ذهنه وجه روز اليوسف، فأسند الدور الرئيسي لها، و طفق بعد ذلك يضم الممثلين زكي مراد، منسي فهمي، استيفان روستي، مختار عثمان، برلنتة حلمي، و نازلي مزراحي. كتبت الست روز عن تلك الفترة  في مذكراتها ما مفاده: « دفع عزيز عيد غاليا لإصراره على إنجاز العمل، فقد أمضى عشرين يومًا، الى جانب الشيخ سيد درويش، فشارك بشكل أو بآخر بألحان العشرة الطيبة، لما قدمه من ملاحظات و تعديلات حول تلك الألحان ». و قُدمت « العشرة الطيبة » على خشبة مسرح « كازينو دو باري »، و لقيت نجاحًا منقطع  النظير ، تألقت روز و لفتت الأنظار اليها مجددا، و أثبتت أنها قادرة بتألقها و وهجها أن تخفي كل ممثلة تقف أمامها ، فلا يبقى على خشبة المسرح سواها !

   
 

***

هلّت روز عليه بفستان أبيض مزركش، إنتصب عزيز عيد واقفا، صرخ بأعلى صوته: « مارغريت جوتييه … يا الله كنت أنت رائعة ». كان يومها قد أنهى عزيز عيد مراجعة  النص الذي ترجمه  لمسرحية « غادة الكاميليا »La Dame aux Camélias التي كانت قُدِمت على مسرح « فودفيل » في باريس سنة ١٨٥٢ عن الرواية التي تحمل العنوان نفسه، كان كتبها ألكسندر دوما  الإبن Alexandre Dumas سنة ١٧٤٨  ( حولها جوزيبي فيردي الى أوبرا La Traviata فغيّر إسم مارغريت غوتييه الى فيوليتا فاليري). و مارغريت غوتييه إمرأة لعوب، عابثة، خطفت قلب الشاب أرمان دوفال بجمالها و أنوثتها، فما لبثت ان أحبته بدورها، و هجرت عشاقها الأثرياء من أجله، لتعود تضحي به و بِحُبها له من أجل مستقبله و سمعة عائلته الأرستقراطية.

               

 

                                                                   و أخذ عزيز عيد يُلقّن روز الحوار، و يشرح لها أبعاد شخصية مارغريت غوتييه (التي أدتها سارة برنار في باريس و لندن و برودواي)، و إستمكنت روز من تلك الشخصية، و تلبّستها بإتقان أدهش عزيز عيد. خلال التمارين، بدأ الممثلون يتذمرون من طريقة أداء يوسف وهبي لشخصية أرمان دوفال، و أعربوا لعزيز عيد أنه لا يصلح لأداء تلك الشخصية لضخامة صوته، حتى أن زكي طليمات، الذي كان إنضم الى فرقة رمسيس، عاب على يوسف وهبي غلظة الأداء فقال: « يبدو يوسف في أدائه كأنه يتغرغر بالكلمات »! فأخذ عزيز عيد يُدرِب  يوسف وهبي، و يهذب له ألفاظه، و يخفّف من حدة النطق الإنفعالي عنده،  بكل ما أوتي من الحسنى، خوفًا من أن يخسر هذا الممول و الداعم للمشروع الفني، الذي دخل تاريخ المسرح العربي. ولا يُنكر أحد أن يوسف وهبي و روز اليوسف تأثرا بأسلوب عزيز عيد، الذي كان يفرض شخصيته على الذين يعملون معه…  و ظلت روز اليوسف ذكّارة للجميل، و حفظت لعزيز عيد مكانة في وجدانها، و لم تتنكر له كما فعل غيرها، فمضى الرجل مغموط الحق من كل جانب. ففي مذكراتها، التي كتب مقدمتها إبنها إحسان من زوجها الممثل و المغني محمد عبد القدوس، كتبت الست روز:

             

 

          

« لا أعرف ممثلا مصريا ضحى من أجل فنه، مثل عزيز عيد، و تشبث بمبادئه الفنية في جميع الظروف مثله، لم يكن فنانا على المسرح فحسب، بل كان فنانا في حياته الخاصة، و علاقاته مع الناس، فنانا حتى أطراف أصابعه ». في ليلة العرض الأولى لمسرحية « غادة الكاميليا »، كانت روز على المسرح تمثل الحب، كأنها ما عرفت غير العشق و الغرام في حياتها، و تمثل المريضة بالسل، فتجعل المتفرج يتلوى معها، و يتألم و يعيش معها في سكرات الموت، و هي تودع الحياة مضحية بالحب الذي كان كل حياتها. وما أن أُسدل الستار عن الفصل الأخير، حتى بدأ المتفرجون الذين سحرهم أداء الست ، بالتصفيق، و تُرفع الستار مرة  بعد الأخرى، و تنحني روز ترد التحية الناس. و تمضي روز اليوسف متألقة على خشبة المسرح، تتقلب على الأدوار، تُبكيك، تضحكك، تغضب معها ساعة غضبها، و تفرح معها لفرحها، تتملكك منذ اللحظة الأولى التي تسمعها، تتلون حنجرتها بمطارح الإنفعال،       و تراها في إيقاع بصري يعلن نفسه عليك في حركتها على الخشبة.

***

إنتظرت روز، بعد النجاح الباهر في « غادة الكاميليا»  ، أن تؤدي الدور الرئيسي في تراجيديا « الذبائح »، للمحامي و الكاتب اللبناني أنطون يزبك، فإذ بيوسف وهبي يسند الدور الذي إشتهته روز، الى ممثلة ناشئة  مغمورة، إسمها امينة رزق! و كان عتاب و معاتبة، و مشادة إهتز لها الوسط الفني، و سال حولها حبر كثير، و تناقلها كل من بين فكيه لسان.  شعرت روز، التي كانت في الأربعين من سنيها، أن يوسف وهبي تجّنى عليها، و يريد تغييبها عن الناس، و له السطوة فهو صاحب أهم فرقة و أعرق مسرح في مصر.                                    و لأنها تملك شخصية قوية جبارة، تصدّت ليوسف وهبي، تركت مسرحه، و التمثيل، و قررت إصدار مجلة فنية للنيل منه ، فوُلِدت مجلتها التي أسمتها على إسمها، و لم تكن تعرف أنها بدأت رحلة العذاب مع الصحافة.                                                                                                                 مودي حكيم  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز