عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

توارثتها الأجيال من عهد الفراعنة.. سر صناعة البردي في "القرامواص"

نبات البردي
نبات البردي

يعد المصريون القدماء هم أول من اكتشفوا نبات البردي ووثقوا عليه تاريخهم، واستخدموه في كتابة عن الموتي الذي يوجد بجوارهم بالمقابر والمعابد يحتوي على بعض الأدعية والصلوات، ومعرفة تاريخ مصر خلال العصور الفرعونية، وللبرديات دور كبير عند القدماء المصريين في مدى تطور علم الطب وصناعة العقاقير، ليعود من جديد في عصرنا هذا من يقومون بإحياء التراث، حيث تنفرد قرية القرامواص التابعة لمركز ومدينة أبو كبير بمحافظة الشرقية بزراعة وصناعة نبات البردي في جمهورية مصر العربية، حيث إنه يوجد في المجاري المائية وعلى ضفاف نهر النيل.



ويعتبر هذا النبات هو العائد المادي الوحيد الذي يعتمد عليه نسبة كبيرة من أهل القرية في تربية أبنائهم وتعليمهم وتزويج بناتهن، ورغم الصعاب التي عاصروها عشرات المرات من خلال عدة أزمات مرت بها البلاد، منها في عام 2011 أثناء ثورة 25 يناير ومنذ أكثر من عام مع ظهور جائحة فيروس كورونا أدت إلي أن بعض المزارعين قاموا بإقتلاع النبات من الأراضي بعد تعرضه للإهمال وزراعة محاصيل أخرى تدر دخلاً بدلاً من الخسائر المتوالية التي تعرضوا لها خلال العام إلا أن قلة منهم مازال لديهم يقين بالفرج القريب و مستمرون في تلك الصناعة رغم توقف حركة البيع والطلب يقوموا بتجهيزه وتخزينه لحين عودة السياحة مرة أخري بدلاً من الخسائر الفادحة التي كادت أن تلحق بهم و لإحياء التراث والحفاظ عليه من الإندثار، فضلاً عن أصحاب المطابع التي تعاني من الخسائر التي لحقت بهم وتراكم الاتربة علي إسطمبات طباعة الورق التي ملأت أرجاء المكان، وتآكل الصدأ للمكابس، ويبلغ التعداد السكاني بها 33 ألف نسمة ولها 10 توابع.

سعيد طرخان يكشف لمراسلتنا سر الصنعة
سعيد طرخان يكشف لمراسلتنا سر الصنعة

وسرد سعيد طرخان، في العقد السادس، موظف بمديرية الطرق، يقطن بذات القرية، تعود قصة نبات البردي إلي السبعينات منذ أكثر من 40 عاماً  جلب أحد أبناء القرية وهو نجل عمتي " رحمة الله عليه" الدكتور أنس مصطفي أستاذ بقسم التصوير بكلية الفنون الجميلة، أول شتلة من نبات البردي من علي ضفاف نهر النيل ليتم غرسها بإحدي الأراضي الزراعية، وهو نبات عشبي صيفي من الفصيلة السومارية، ومع مرور الأيام والشهور تتفرع وتكبر وتملئ أرجاء الأرض من حولها لتصبح علي هيئة مجموعات من العيدان لتعم بالخير علي أهل القرية، ومع مرور الوقت تصبح مصدر دخلهما يعتمدون عليه للعيش منه مدي حياتهما، حيث أن نسبة كبيرة من الفتيات والسيدات يعملن بها لتزويج أنفُسهن و مساعدة أزواجهُن من داخل المنزل، مضيفاً الأعمال الشاقة مثل جمع النبات وتقطيعه يقوم بها الرجال وإرساله للسيدات في بيوتهُن والعمل عليه حتي الحصول علي ورقة خام فمنهُن من يقوم  بالتلوين او الطباعة او الرسم يدوياً مشيراً أن العمل قائم علي السيدات بنسبة 90%.

نبات البريدى
نبات البريدى

 

وإستكمل ، دعا الدكتور أنس مصطفي آنذاك أساتذة من الجامعات المصرية من كلية الفنون الجميلة والفنون التطبيقية، إلي القرية لتعليمنا و تعريفنا بكيفية الإمساك بالفرشاه والرسم والتلوين والطباعة وعمل التصميمات ، من خلال إسطمبات، فبعض الصور مطبوعة وبعضها الأخر مرسوم وملون يدوياً، وتبلغ تكلفة الورقة الخام من متر × 70 سم 50 جنيهاً، لافتاً مصادري في المعرفة من متخصصين مثل زاهي حواس عالم المصريات والدكتور وسيم السيسي الباحث التاريخي،  من خلال القراءة والاستماع لهم والتعلم منهم، تمكنت من معرفة أشياء كثيرة.

معدة لصاعنة البردي
معدة لصاعنة البردي

 

ومنذ أكثر من 20 عاماً كانت القرية الوحيدة التي لا يوجد بها عاطل، بل كانت عنصر جذب للعمالة من القري المحيطة وأطلقوا عليها "ليبيا الصغيرة" وكانت المساحة المنزرعة منذ عدة سنوات تبلغ حوالي 100فداناً ولكن تقلصت الأن إلي 20% ومع عدم وجود طلب وتعرضنا في 2011 لأزمة اقتصادية أصبح المعروض أكثر من المطلوب، مما أدي إلي عزوف بعض المزارعين عن زراعته واللجوء لإقتلاع نبات البردي من الأرض وزراعة محاصيل أخري تدير دخلاً لهما ، ومع تراجع السياحة مرة أخري، في تنهيده قصيره.

وقال :" تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن " فمنذ مايقرب من عام مع ظهور فيروس كورونا وفرض القيود علي مختلف دول العالم منها وقف حركة الطيران والسياحة و عمليات التصدير، للتصدي لاحتواء انتشار الفيروس، أدي ذلك إلي إنكماش في حركة البيع وقلة الطلب علي المنتجات، وأصبحت القرية تعاني من حالة ركود تام، لافتاً أننا نعتمد علي قطاع السياحة  بنسبة100%، لما له من مردود اقتصادي جيد ، مشيراً عند ضيق الحال بسبب الجائحة " فكرنا نخرج برا الصندوق" والقيام بتصنيع أشكال غير تقليدية تساعد في جذب المستهلكين بغرض الترويج للسياحة وتنشيطها ، مثل عمل تذاكر دخول المتاحف والمطارات، مضيفاً قبل ظهور الجائحة مباشرة قام أحد اليابانيين بزيارة القرية وتم الإتفاق علي عمل مجموعة من النماذج الفرعونية ، وتم إرسال العينات ، ونالت إعجابهما كثيراً وأثناء ظهور "كوفيد19" تراجعوا وتم وقف العمل.

واستكمل، أثناء زيارة الدكتور مصطفي مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إلي الشرقية العام الماضي، و تفقده لمعرض تراثنا ، تحدثت معه عن القرية ونبات البردي و زراعته وكيفية تصنيعه والأيدي العاملة التي تعيش عليه ، قائلاً : "ألا تستحق القرية رعاية دولة رئيس الوزراء" ، وعلي الفور وافق ، وقام بتشكيل لجنة تسمي "لجنة الصون العاجل للحفاظ علي حرفة البردي" وكان يتم عمل اجتماع دوري بديوان عام محافظة الشرقية للعاملين في هذه المهنه بحضور ممثلين عن وزارة الثقافة والسياحة والمحليات لمناقشة الأوضاع التي تحدث ، وسط تحديات عديدة للحفاظ علي التراث، ومع ظهور الجائحة وتوقف التجمعات توقف كل شئ حتي وقتنا هذا.

وتابع : نعتمد في عملية البيع علي السياحة من خلال معارض أو أماكن مخصصة في المحافظات السياحية لعرض منتجاتنا مثل " خان الخليلي والحسين والقلعة والهرم والأقصر وأسوان والغردقة وشرم الشيخ ونسوق منها للبازارات، والمكاتب المتخصصة في التوزيع والمطابع والمراسم سواء ورق خام او طباعة أو مرسوم عليه رسومات فرعونية،  مشيراً في أثناء تواجدنا بعرض المنتجات بمنطقة دهب قمنا بطباعة الوصايا العشر لليهود علي نبات البردي بناءاً علي طلب أحد السائحين.

وناشد سعيد طرخان ، الحكومة المصرية أو أحد رجال الأعمال بمقترح   وهو عمل شراكة ، من خلال توريد المنتج ودفع الضرائب والمصروفات المستحقة، مقابل نسبة يتم تحديدها، موضحاً أن هذه الصناعة لها مردود اقتصادي عالي يفوق ال 200% من هامش الربح ،و حتي يصبح الوضع قانونياً بدلاً من عرض المنتجات للسماسرة، أو تذليل كافة العقبات التي تواجهنا للنهوض بتلك الصناعة وإحياء التراث خشية عليه من الإندثار من خلال توفير أماكن او منافذ عرض مناسبة وتعريف العالم بأهمية القيمة الفنية التي نقوم بتصنيعها، مضيفاً " أن المسؤولين لا أحد منهما يرانا او يهتم بنا ولا يقدرو قيمة هذا التراث التي لاتقدر بثمن".

كما أتمني أن نتمتع بوجود ملحق ثقافي في سفارات دول العالم لتسويق التاريخ من خلال مساحات عرض، مضيفاً ، في يقين منه بالفرج، نحن لدينا عقيدة ثابته وهي" ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج"

من جانبه قال، أشرف الشحات في العقد الرابع، أحد أبناء القرية ويعمل في زراعة وصناعة نبات البردي منذ مايقرب من 20 عاماً،: هذه الصناعة تعتبر هي دخل 90 % من أهل القرية وتوارثناها عن أبائنا، لافتاً إلي أن العائد المادي منها جيد في وقت الطلب والسياحة أما في هذا التوقيت فهي تعود علينا بالخسائر، فمنذ عامين ونحن نعاني بسبب وقف العمل، ونقوم بجمع النبات من الأرض وتجهيزه وتخزينه أملاً في عودة الحياة لطبيعتها مرة أخري بدلاً تركه للخسائر التي قد تلحق به، وفي حين عودة الطلب عليه نقوم ببيعه لأحد التجار، مضيفاً قمت بإستئجار نصف فدان وزراعته وتراوحت تكلفته حوالي 10 آلاف جنيه من مياه وأسمدة ورعاية ولكن المردود الاقتصادي في ظل الأزمة التي يعيشها العالم تحت الصفر، بعض العاملين الذين توارثو هذه الصناعة  لجئوا للعمل بحرف مختلفة باليومية في أعمال البناء والحداده والسباكة وغيرها من الحرف.

وأوضح حسام رمضان، 37 عاماً ، مزارع وتاجر ورق البردي وأحد قاطني القرية، لدينا كميات كبيرة من الإنتاج متراكمة وفي إنتظار عودة السياحة وتحسين الأوضاع، مشيراً أن معظم المواطنين اخذت فكرة خاطئة عن صناعة نبات البردي بسبب إستخدام البعض للكلور والبطاس في صناعته ، وهذا لم يحدث ابداً الا عند طلب بعض التجار الورق بهذه الإمكانيات وبكميات محدودة  حيث ان تكلفته تكون أقل من الورقه الطبيعية، وهذه الشائعات غرضها طمس هوية التاريخ التي نشأنا عليها طوال حياتنا وتهدد أرزاقنا.

وأشار إلي أن الورق الأبيض الذي يميل لونه للذهبي يكون مضاف إليه مواد كيميائية واللون البني هو الطبيعي بنسبة 90%، مضيفاً تكلفة الورقه مقاس متر في متر من خلال المزارع  يتراوح ثمنها من 8 إلي 10 جنيهات أما الورقة المطبوعة تبلغ حوالي 200جنيه في البازارات، وعن الورقة التي يتم رسمها يدوياً فيكون سعرها أعلي بكثير عن غيرها ويتحدد ثمنها حسب المكان والمستهلك أو المشتري.

ويضيف علاء أبو العز، صاحب مطبعة لأوراق البردي يقطن بذات القرية، أن البردي من أقدم الصناعات في مصر وسجل عليه القدماء المصريين التاريخ المصري القديم ، منذ ظهور جائحة "كوفيد19" والأوضاع بالقرية أصبحت متردية للغاية، موجهاً رسالة إلي المسؤولين بتوفير كافة التسهيلات التي تعمل علي جذب السائح حتي تعود عجلة البيع والشراء مرة أخري ، مع ظهور الأزمة التي مر بها العالم لم ينظر أحداً من المسؤولين إلي القطاع السياحي مشيراً ان هذه الصناعة يعيشون عليها الكثير من الأهالي ويعمل بها الشباب وخريجي الجامعات، مناشداً الحكومة المصرية بالتعاقد معهم علي توريد أوراق البردي لهم من خلال طباعة المحررات الحكومية وشهادات التخرج والتقدير حتي يتم تسويق وترويج الصناعة، مع ضرورة توفير معارض خارج مصر والتسويق من خلالها.

مراحل الزراعة والتصنيع: 

نبات البردي هو محصول صيفي، يتم زراعته مع بداية فصل الصيف وهو عبارة عن شتلات علي شكل مجموعات يتم غرسها حتي تصبح عيدان ممشوقه تأخد شكل مثلث لها  هامة بها حشائش، وغلافها الخارجي صلب بداخله نسيج رخو ، و يتم تركها تنمو لمدة عام حتي تصل للطول والحجم المرغوب فيه ، ويتراوح طولها من 2 إلي 4 أمتار، فكلما حصدت منه تضاعف فضلاً عن استمرارها في الأرض لأكثر من 5 أعوام لانها تتوسع أفقياً حسب المساحة الفضاء  المتوفره حول النبات، ويتم جمعه في الوقت المناسب لإستخدامه ثم يتم قطع الجذوع و الأطراف العلوية من خلال إستخدام ألة حادة مخصصة للتقطيع يدوياً وتقيسيم العيدان حسب المقاسات المطلوبة ، يتم نزع الغلاف الأخضر الخارجي.

تخفيف أوراق البردي
تخفيف أوراق البردي

 

وتأتي بعد ذلك  مرحلة التشريح من خلال إستخدام خيط بلاستيكي حاد وعقده بأحد الجدران  والإمساك بالطرف الأخر ويتم نزع القشرة الخضراء الخارجية من العود وتشريح الجزء الداخلي بسمك متناسق ومتساوي، ثم يتم دق الشرائح بمطارق خشبية علي سطح خشبي متساوي، ويتم غمس الشرائح بأحواض ممتلئة بالماء ثم تدخل مرحلة الغليان لمدة ثلاث ساعات حتي تصبح لزجة ولينه يمكن تشكيلها وفي مرحلة أخري يمكن تركها بالماء لمدة تصل من 6 إلي 10 أيام، وبعدها يتم ترتيب الشرائح طولاً وشرائح أخري فوقها عرضاً وتغطيتها بقطعة من القماش لعدم الإلتصاق وتكرارها فوق بعضهما بالترتيب، يتم وضع قطع من الكرتون بين كل واحدة والأخرى لإمتصاص المياه، ويتم تغييره علي فترات لمدة 5 أيام حتي يتم تجفيفها تماماً، وتأتي بعد ذلك المرحلة النهائية وهي الكبس من خلال مكبس حديدي الذي يمكن من خلاله خروج ورقه خام مجففه يمكن تشكيلها حسب الحاجة، مثل تابلوهات مطبوعة او مرسومة يدوياً او عمل " إسكتشات، صواني للتقديم، ألعاب علي شكل قوارب وديكورات ، أحبال ،محفظة ،صور " وغيرها.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز