عاجل
الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
حبات في عقد التنوير(١): حسين أحمد أمين

حبات في عقد التنوير(١): حسين أحمد أمين

نحن أبناء الصدفة بقدر ما نحن أبناء الاختيار.. أظن أنني مدين لتلك الصدفة التي وقعت في النصف الثاني من الثمانينيات. والتي بمقتضاها قرأت كتابًا كان بمثابة قنبلة نووية حولت مجرى تفكيري.



 

لم أكن أنا بطل الواقعة.. ولكن أخي الأكبر، وهو طبيب كبير يعيش في أمريكا حاليًا.. كان أخي وقتها متدينًا متحمسًا مثل كل الشبان المصريين في ذلك الوقت.. وأظن أن حماسه هذا دفعه- مع حداثة السن- لاقتناء كتاب (دليل المسلم الخزين بمقتضى السلوك في القرن العشرين) للكاتب حسين أحمد أمين.

 

ولأن العنوان مراوغ.. ويبدو إرشاديا ويحمل وعدًا لمن يشتريه بأنه سيقدم له دليلا للسلوك القويم الذي يجب عليه اتباعه.. أطن أن هذا ما دفع أخي لاقتنائه.. لكن الكتاب لم يعجبه بعد أن بدأ في قراءته.. فألقاه ولم يعد إليه مرة أخرى.

 

فتحت الكتاب على سبيل الفضول فلم أتركه إلا بعد أن انتهيت من قراءته.. كانت الطبعة صادرة من دار تقول لي ذاكرتي إنها بغلاف أصفر زاهٍ للفنان حلمي التوني غالبًا.. كان الكتاب يضم مقالات وفصولا متفرقة عن الدين، منها مقال عن الأحاديث التي تم وضعها في أوقات مختلفة لأسباب سياسية.. ومقالا آخر يفسر ولع المصريين بالأولياء، ومقالًا ثالثًا عن آيات القران الكريم وترتيبها.. الخ.

 

وبغض النظر عن محتوى الكتاب فإن أهم ما فيه كان المنهج النقدي والتحليلي في التعامل مع البشر الذين جمعوا الأحاديث أو وضعوها أو زينوها، وإمكان تحليل هذه النصوص ووضعها في سياقها السياسي والاجتماعي المناسب.. كان هذا الكتاب ضمن أسباب أخرى سببًا رئيسيًا في اعتقادي بإمكان التعامل مع الأديان بعقل نقدي يفكر ويمحص ويتساءل، ولا يغفل السياق الاجتماعي والتاريخي الذي تتراكم فيه المعارف الدينية.

 

وقد علمت- فيما بعد- أن الكتاب أثار معارك فكرية وردودًا من الإسلاميين ضد حسين أحمد أمين الذي أحببت كتابته، وأظن أنه ظلم لحساب د. جلال أمين، الذي كان على عكس أخيه مراهنًا كبيرًا على مشاعر الجماهير.. من القومية إلى الدين وما بينهما.

 

رحم الله حسين أحمد أمين الذي قرأته بالصدفة فغيّر حياتي.. ومحبة كبيرة للكتب التي تهدم المفاهيم وتغيرها، لا تلك التي تراهن على ما هو سائد لدى الجمهور فتعيد إنتاجه وتقدمه له مرة بعد مرة، فلا الجمهور يشبع ولا الكاتب يتوقف.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز