عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
10 ســنوات علــى هــوجـــة ينـــايـر

إجــــلال لشـــهـداء مصــــر فــى عيـــد الشـــــرطـة

10 ســنوات علــى هــوجـــة ينـــايـر

مرت عشر سنوات على يناير 2011، الذكريات أليمة، والدفاتر وما فى الدفاتر أكثرُ إيلامًا. 



بعد عشر سنوات لا بد أن الرؤية أوضح.. والأمور أكثر بيانًا، كانت يناير هوجة ومقتًا وفاحشةً وساء سبيلًا. 

كانت فتنة وقى الله شرها. 

أيام ما يعلم بها إلا ربنا.. لكن ربنا ستر. مهما كانت الأسباب التي  يتعلل بها بعضهم  لقيام الهوجة، ومهما كانت التفاصيل، يظل صعبًا إنكار ما أحدثه عصر يناير من شروخ اجتماعية، وانكسارات بنيوية فى المجتمع وأشخاصه وأفراده، صعب تجاهل ما أسفرت عنه الهوجة من ندبات (على الأقل)  فى وجه التاريخ الاجتماعى للمصريين. 

 

رُبّ ضارةٍ نافعة.. فلولا الهوجة، ما اكتشف الشارع وجوه الأراجوزات، وتجار الأوطان. ولأن الضرر إشارات تبيان أحيانًا.. فقد كانت يناير السيف الذي دخل خاصرة ساسة الشعارات، وأرزقية الائتلافات والاندماجات.  فقد اكتشف الشارع أن رموز التجارة باسم الشارع، كانوا هم الذين تلاعبوا بالشارع وبمعاناة الشارع، وبأحلام الشارع، ثم ذهبوا وأتوا بمن زرع للشارع قنابل محلية الصنع على محطات الأتوبيس! 

 (1) 

أظهرت يناير رموزًا من ورق كارتون.. أكثروا الخطايا وأدمنوا الآثام، تمامًا كما أدمنوا شعارات دفعت فى الطريق إلى ستين داهية. 

خدعت الهوجة بعضهم.. هذا صحيح، لكن لا نُنكر أن آخرين لاحت فى أعينهم  فرص كانت مستحيلة، وكانت النتيجة أن تجددت ظهورات  «تجار الأورنص» كما أيام الإنجليز، وأعادت يناير «قططًا سمان» كما أيام انفتاح السبعينات. 

وكان أيضًا أن أعادت الهوجة وجوهًا جديدة من شيوخ «منسر» على أطراف القاهرة كما أيام المماليك زمان، وخلقت قطاع طرق على طريقة أفلام «عنتر وعبلة»  زمن الأبيض والأسود! 

مهما كانت أسباب الهوجة، ومهما كانت مبررات بعضهم.. فالعبرة فى الذوق السليم بأعراض المرض.. وتداعياته. لدى الهنود مثل شعبي يقول: «عندما تلسعك أفعى.. لن تبحث عن جحرها»!

( 2 ) 

دروس كثيرة مستفادة بعدما اتسعت الرؤية.. وتساقطت الأقنعة. أول دروس الهوجة القاسية أن بناء الدول، لا يبدأ من الهدم، وأن معادلات التغيير الحقيقية لا تبدأ بالحرق والتآمر والاستقواء بالخارج، وأن الطريق للديمقراطية لا يمكن أن يبدأ بالاتفاقات مع الإخوان فى فيرمونت! 

أكبر الدروس أن تجار الشعارات إن لم يكونوا مخادعين، فهم أفاقون، وأن أغلبهم ثار على الفساد طمعًا فى فرصة فساد، وأن أكثر (رموز يناير) خدعوا الشارع، وأن كلهم لعبوا بالكلام، وحاولوا اللعب بالتاريخ،  فكادوا يضيعون الجغرافيا فى جلسات المساء على مقاهى وسط البلد وشارع البورصة! 

أظهرت هوجة يناير وجوهًا صفراء، وجلودًا زرقاء.. فى قائمة بدأت بالبرادعى، وانتهت بحمدين. وفيما بين البرادعى وصباحى، لعب أصحاب المصالح، والمتلونون، والمتململون، وتجار الفرص ومستوردو علب حقوق الإنسان من الولايات المتحدة، ليبيعوها على النواصى فى شارعي محمد محمود، والبستان.. وعلى أسطح عمارات شارع ميريت مقابل المتحف المصري فى التحرير. 

مرة ثانية.. رُبّ ضارةٍ نافعة. فلولا أيامًا - الله لا يعودها -، لما انكشف الغطاء عن أذقانٍ جديدة، وجلابيب قصيرة. ولولاها لم يكن الشارع ليكتشف «تجار مشمع رخيص» ظهروا فى الصحافة، وعلى شاشات التليفزيون.. قبل أن يجمعوا نفسهم بـ«ربطة المعلم» ليُدخِلوا الإخوان قصر الاتحادية. 

فى الاتحادية أكل الإخوان «البط والرز» بالأيدى.. بعدما فرشوا «الرز المعمر» على السجاد الشيرازى فى القصر الجمهورى!! 

(3) 

أقوى خصائصنا وضوحًا أننا مجتمعات تحيا على فكرة المقدس.. وتعيش على مبادئ «الكبير». كبير الأسرة، وكبير القرية، وكبير العائلة. يضرب التاريخ الاجتماعى المصري فى مقتل مع كل سقوط لفكرة الكبير.. وتشب الحرائق لو اهتز مفهوم المقدس. 

لذلك ضربت «هوجة يناير» رصيدنا الاجتماعى فى مقتل، بعدما أسقطت عمدًا (الكبير، المقدس، الرمز) لتداعى بعده مبادئ اجتماعية غارقة فى الأصالة.. والتأثير سقوطًا وراء سقوط . 

اهتزاز صورة «الرمز» هدّد مفهوم الأسرة.. وهدّد سقوطُ المقدسِ تماسُك الشارع. ترنّح المفهوم الجمعى (للأب) أدخلَ بعضَهم فى مواجهة مع الدولة.. ومؤسسات الدولة، بينما نزع من آخرين مبادئ الانتماء والانحياز لتراب وطن.. وتاريخ شعب. 

هدمت يناير.. وأحرقت.. وأغرقت.. هدّدت الهوجة وطنًا بناس وتاريخ وحضارة.  فهل كان متصورًا أن يبدأ التغيير من رماد الحرائق؟ هل كان مُتصورًا أن يبدأ البناء من الهدم.. وأن يستعيد المواطن حقوقه بلا دولة؟ 

أتت الهوجة بالإرهاب إلى حدود القنطرة شرق فى سيناء.. وأتت بالسلاح من السلوم، وأدخلت المتفجرات من على الحدود بعد أبوسمبل. 

أوصلت الهوجة القنابل محلية الصنع لمحطات الأتوبيس فى السيدة زينب، ومواقف الميكروباص فى دير الملاك.. هل كان مُتصورًَا أن تأتى الديمقراطية هدية فى علب المتفجرات؟ 

رفعت يناير على سطح الماء وجوهًا عكرة، طالما تحججوا بعهود قتل الرأى، وحبس الأنفاس، وخنق الحريات، ولما فُتحت لهم الأبواب، سرعان ما اكتشف الشارع أن هؤلاء (باسم الحريات، وباسم التغيير، وباسم الديقراطية) هم الذين  جمعوا ما فى بيوتهم من عباءات وألبسوها الإخوان فى الطريق للديمقراطية! 

هل أتى الإخوان بالديمقراطية؟ بلاش.. هل كان يمكن لعاقل تصور أن يأتى الإخوان بالديمقراطية؟ 

(4) 

للآن، ما زال بعضهم يتحجج بالبرد وحر الصيف.. وما زال بعضهم يمسح «بالخرقة» حد السيف. لكن لا الحجج تنفع، ولا أحاديث المقرمشات تغنى عن حقائق على الأرض وفى الواقع. 

فى عيد الشرطة دعك من يناير، وآثام يناير، وخطايا يناير، خلينا فى عيد الشرطة.. عيد ولاد البلد.. وعيد شهداء البلد. 

هو يومٌ تحتفل فيه مصر بأولاد وطن، فرشوا دماءهم على أرضه، عبورًا من أكبر أزمة كادت أن تعصف بالتاريخ المصري الحديث. يوم القيامة نباهى الأمم بشهداء دفعوا ثمن خطايا آخرين.. وبذلوا نفيسًا التزامًا بالواجب.. واحتسابًا لله. 

ذهب شهداؤنا.. فيما البرادعى يغض الطرف فى قصور فيينا، وأيمن نور يتسوق فى شوارع الشانزليزيه. 

ارتقى خيرة شبابنا.. بينما مخلوقات «زى زوبع وناصر وسوكة وآخرون» ينتقون ملابس مزركشة.. و«بنطلونات جينز آخر موديل» من الأوكازيونات فى نزهة المساء بشوارع تركيا!! 

بذل شهداؤنا أغلى ما لديهم، بينما لا يزال بعضهم للآن يتقن التنظير من الغرف المغلقة شتاءً، والمكيفة صيفًا.. «كلام ابن عم حديث» عن أصول الحكم.. وحلول المشكلات!!

فى عيد الشرطة.. إجلالًا لرجال صدقوا الله ما عاهدوا. فى كل أسرة مصرية شهيد.. وفى كل مدرسة يتيم قدم والده نفسه دفاعًا عن هوية وطن حاول أربابُ يناير بيعَه، وحاول أصحاب الشعارات دفعه لغرف الحقن بـ«السيانور السام» بحجة الديمقراطية وبدعاوى التغيير!! 

دعك من أحاديث الهوجة.. خلّينا فى أحاديث الكرامة والواجب والتضحيات. سلامًا على رجال واجب، حراس أرض، فتحت دماؤهم الأبواب لدولة حقيقية، بخطط تنمية فعلية، وحلول واقعية لأزمات متوارثة.. فى الطريق لأحلام تتحقق. 

الله لا يعودها أيام.. كانت يناير هوجة لكن ربنا ستر. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز