عاجل
الثلاثاء 19 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الكم الاستراتيجى للدولة المصرية والمتغيرات الإقليمية والدولية

الكم الاستراتيجى للدولة المصرية والمتغيرات الإقليمية والدولية

السياسة الدوليّة ساحة صراع يُدار بأساليب وأدوات مختلفة وتتفاعَل دول العالم معه قَدْر معطياتها ومساحة دورها والكم الاستراتيجى الذي تتمتع به.. وهذه المعادلة تخلق مساحات الأدوار والحركة والقدرة على المناورة أيضًا؛ لتحقيق مصالحها وتطلعات شعبها.



 

والنظرة الشاملة لعالم اليوم وخريطة السياسة تؤشر بوتيرة تغيرات متباينة فى اتجاهاتها وفى الوقت نفسه بالغة التأثير  على مستقبل توازنات القوَى الدولية وانعكاسها مباشر على الشرق الأوسط وفى القلب منه المنطقة العربية التي ظلت على مَدار عقود مختبرًا للسياسات الدولية وجزءًا أصيلًا من الصراع العالمى وأحيانًا كثيرة ساحةً لتصفية الحسابات ولعب الأدوار.

وفى تقديرى أنه من المستحيل قراءة أو تناوُل الشأن العام المصري بمعزل عن مجريات منطقتها؛ بل وتفاعلات السياسة الدولية برمّتها دون مبالغة.. الأمْرُ باختصار يخضع لعَدد من العوامل، بعضُها قديم وهو الأهمية الجيواستراتيجية لموقع مصر، الذي جعلها نقطةَ ارتكاز فى العالم القديم والحديث، ثم الكَمّ الاستراتيجى الذي وصلت إليه مصر فى العام 2021 والمتوقّع لها فى عام 2030.

وهو ما يجعلها قوّة حُضور تفرض نفسَها ومن الصعب تجاوزها.. الكَمّ الاستراتيجى لمصر ظل لعقود من الزمن متمثلًا فى كونها الدولة التي تحتضن أهَمَّ شريان ملاحى عالمى وهو قناة السويس، ثم فى عالم ما بَعد الحرب العالمية الثانية أضيف لها قوة التأثير فى قرار العالم الثالث، ثم فى سبعينيات القرن الماضى أصبحت الدولة التي تقود مَسار السلام فى الشرق الأوسط والرقم الأهم فى معادلة استقراره.

ولكن فى السنوات الماضية وتحديدًا منذ تولّى الرئيس «عبدالفتاح السيسي» المسؤولية نجحت مصرُ فى زيادة الكَمّ الاستراتيجى الذي تتمتع به.. بخطوات متسارعة ومفصلية جعلتها تكسب مساحة أرض جديدة مؤثرة فى صياغة القرار الإقليمى والعالمى بما يحفظ مصالحها ويضمن أمنَ وسلامةَ واستقرارَ شعبها.

كيف تضاعَف الكَمُّ الاستراتيجى لمصر؟.

كانت ضربةُ البداية بمشروع (قناة السويس الجديدة)، الذي عَزز من أهمية الشريان الملاحى الأهَمّ عالميّا من عدة جهات؛ إذ ضمن ريادتها كطرف أصيل فى حركة التجارة العالمية، وهى المعركة الدولية الراهنة بين أقوَى اقتصاديات فى العالم، سواء الاقتصاد الأمريكى أو الصينى، وتُعَد قناة السويس نقطةَ ارتكاز فى مبادرة «الحزام والطريق» أهم مشروع استراتيجى للصين.. كذلك وفّرت قناة السويس الجديدة المتطلبات اللازمة لضمان أمن وسلامة المجرَى الملاحى بحركة عبور سريعة منتظمة فى تدفقها.. أمّا البُعد الأهَم من وجهة نظرى أن مشروعَ قناة السويس الجديدة أنهَى على مخططات وأفكار إقليمية كانت تحلم بإنشاء قناة بديلة.. ناهيك عن العائد الاقتصادى المنتظر من محور تنمية قناة السويس، بالإضافة أنه فى فترة تباطؤ حركة التجارة العالمية بفعل «كورونا» ضمنت قناة السويس إيرادَها، ولولا التطويرُ الذي جرَى كان هذا الإيرادُ سيتراجَع لأن باختصار القناة الجديدة وفّرَت الوقتَ الذي تقطعه السُّفُن التجارية العملاقة.

وفى مسار موازٍ.. جرت عملية تحديث غير مسبوقة لقواتنا المسلحة، وهو ما جعل مصرَ الكتلة الصلبة فى الشرق الأوسط المضطرب وفى منطقة جنوب المتوسط التي تمر بحالة سيولة استثنائية.. هذه القدرة التي امتلكتها قواتُنا المسلحة جعلتها تتصدّى لأكبر تهديد عرفته مصرُ منذ آلاف السنين ومنذ عهد الفراعنة دون مبالغة، ويتمثل فى وجُود تهديد على جميع المحاور الاستراتيجية؛ شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا لكى تضمن أمنَ واستقرارَ مصر ومُضيّها فى عملية التنمية، وضمان استقرار مصر والحفاظ على مقدراتها هو مفتاح استقرار المنطقة العربية، وامتد الأفُق المصري إلى مباشرة فعل الدول العظمَى بتأسيس عَدَد من القواعد العسكرية المصرية، وهو تطوُّر نوعى فى الفكر العسكرى والاستراتيجى المصري.

وفى السياق نفسه.. اتجهت مصر بقوة نحو استقلال قرارها الاقتصادى، وهو الباب الأكبر نحو استقلال القرار السياسى للدولة المصرية، ونجحت عملية الإصلاح الاقتصادى ومواجهة العيوب الهيكلية فى الاقتصاد المصري، وهى النقطة التي كان إهمالها عنصرًا رئيسيّا فى أغلب إن لم يكن كل المشكلات التي تعانى منها مصرُ منذ منتصف سبعينيات القرن الماضى.. امتلاك مصر لقرارها الاقتصادى دفعها لمباشرة سياسة إقليمية ودولية متزنة ونشطة على جميع مَحاور اهتمام السياسة الخارجية لمصر والمتصلة بالأمن القومى المصري بمفهومه الشامل وتأسيس ثوابت محكومة فى العلاقة مع القوَى الدولية الفاعلة فى السياسة الدولية لعالم اليوم، بعد تآكل قَدَر من هذه الثوابت بفعل مُخَطط إسقاط الدولة المصرية فى 2011.

أضف إلى ذلك.. قدرة مصر فى حَسْم موقعها من (حرب الطاقة)، الذي تشير العديد من القراءات الدولية أنه كان أحد أهَم عوامل إسقاط الدول الوطنية فى المنطقة العربية للسيطرة على ثرواتها، وأحد مُفَسّرات السلوك الإقليمى للمحور «القَطرى- التركى» بعيدًا عن البُعد الإيديولوجى المتعلق بدعمهم لفكرة الإسلام السياسى، التي تُشكل مُخططا استعماريّا للتمكين من مُقَدّرات الشعوب العربية وثرواتها.. استطاعت مصرُ بقوة وحَسْم وإرادة مستقلة لا تلين ترسيم حدودها البحرية واكتشاف ثرواتها فى شرق المتوسط وامتلاك القدرة على حمايتها، ثم تشكيل السياق الإقليمى والدولى الحاكم للثروة فى شرق المتوسط، وتصبح القاهرة عاصمة مُنتدَى غاز شرق المتوسط مع تفعيل محطات إسالة الغاز لتصبح مصرُ المركزَ الرئيسى للطاقة.

ثم نأتى إلى المخطط الاستراتيجى للتنمية (مصر 2030).. كانت مصرُ بحاجة إلى تحديث شامل يتسق مع طموحها وحق شعبها فى جودة الحياة، وانطلقت حركة التعمير والبناء فى كل أرجاء مصر بلا هوادة؛ لأننا لا نملك رفاهية الوقت ومن قبل كل ذلك لا نملك رفاهية الفشل، وعرفت مصرُ للمَرّة الأولى التخطيط الاستراتيجى بعيد المدَى، وهو تخطيط مُعلن متمثل فى استراتيجية (مصر 2030)، وكل حركة وكل قرار وكل بناء فى مصر هو جزءٌ من تنفيذ هذا التخطيط، ولعل أحدَ أهَمّ أسباب عوار بعض الرُّؤَى التي تصدر إلى الرأى العام أنها لم تبذل جهدًا فى قراءتها ومعرفة أهدافها.. مشاريع عملاقة فى كل المجالات، مدن جديدة، شبكات طرُق، محطات كهرباء، مشاريع مائية.. والقائمة تطول.. يكفى أن تُلقى نظرةً سريعة على خريطة مشروعات مصر لتعرفَ حجمَ العمل الضخم والعزف غير المسبوق للدولة المصرية، الذي انعكس على مُعَدلات نمو الاقتصاد المصري، وارتقَى به بعدما كانت مصرُ على حافّة تصنيفها من الدول الفاشلة عام 2012.

كيف انعكسَ هذا الكَمُّ الاستراتيجى على شخصية الدولة المصرية؟

خُذْ هذه المعطيات السابقة.. استطعمها فى ذهنك.. ثم انظر إلى نشرات الأخبار وصفحات الجرائد.. ستجدها منعكسة على جدول الأعمال المصري بشكل يومى بصفة عامّة، وجدول أعمال الرئيس «عبدالفتاح السيسي» بشكل مباشر، ويمكنك أيضًا أن ترصد صَداها على خصوم الدولة المصرية دون عَناء.

وبالتوقف أمامَ قَدَر يسير من الاجتماعات والمباحثات التي جاءت ضمن نشاط الرئيس «السيسي» على مَدار الأسبوع الماضى، ومن واقع التصريحات الرسمية الصادرة عن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية السفير «بسام راضى» ستجد الآتى:

 فى 18 فبراير كانت مصرُ المحطة الأولى لرئيس الحكومة الليبية الجديدة «عبدالحميد الدُبَيْبَة»، وهى الزيارة التي أكدت قوة الحضور المصري فى دعم الدولة الليبية والشعب الليبى الشقيق، وبرهنت على الغاية المصرية وهى أمن وسلامة واستقرار ليبيا والمضى قُدُمًا فى دَفْع المسار السياسى فى ليبيا الذي ترعاه الأمم المتحدة.

هذه الزيارة واستقبال الرئيس «السيسي» لرئيس الحكومة الليبية الجديدة بحضور الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء، والسيد «عباس كامل» رئيس المخابرات العامّة.. كان لها صدًى إقليمى ودولى لما تُشَكله ليبيا من اعتبارات تتداخَل فيها العديدُ من التقاطعات الإقليمية والدولية، لا سيما ما حَمَلته تصريحات «الدُبَيْبَة» من تطلعه لشراكة شاملة مع مصر واستلهام تجربة مصر التنموية الرائدة.. بَعدَها بساعات ظهرت محاولات إرباك المسار السياسى فى ليبيا، وجاءت محاولة اغتيال «باشاغا» وزير الداخلية الليبى فى حكومة السراج وصاحب هذه المحاولة، وتبعها سعى عدد من الميليشيات المسلحة فى ليبيا للتحرك وإعادة التمركز فى نقاط جديدة.

فى 20 فبراير.. جاءَ تشديدُ الرئيس «السيسي» على مبدأ توطين الصناعة مَحليّا بالتعاون مع الشركات الأجنبية العاملة فى مصر، وذلك خلال اجتماعه مع اللواء «أمير سيد أحمد» مستشار رئيس الجمهورية للتخطيط العمرانى، واللواء أ.ح «إيهاب الفار» رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، واللواء «عصام جلال» مدير إدارة المياه بالهيئة الهندسية، وذلك بحضور رؤساء مجالس إدارة ووكلاء شركات كلٍّ من KSB الألمانية، وجانز المجرية، وسيجما التشيكية، وتروشيما اليابانية.

فِكْر ُ توطين الصناعة مَحليّا هو أحدُ أبعاد استراتيجية (مصر 2030)، لذلك ستجد هذا المصطلح حاضرًا فى العديد من التحركات المصرية، سواء على المستوى الرئاسى أو على المستوى الحكومى وفى مختلف القطاعات؛ لأن الدولة تتحرك باستراتيجية تنمية تجاه كل المحافظات فى وقت واحد، وتوطين الصناعة يدفع بالمزايا الاستثمارية لكل محافظة من جانب ويدعم المنتج المحلى ويجعله قادرًا على المنافسة إقليميّا وعالميّا.

فى سياق لا ينفصل نجد أنه فى 22 فبراير.. وَجَّه الرئيسُ «السيسي» بمواصلة خطة الدولة للنهوض بمنظومة القطن المصري وإعادته إلى سابق عهده واستعادة مكانته العالمية، من خلال التطوير المتكامل لمنظومة القطن بجميع محاورها الزراعية والتجارية والصناعية، إلى جانب زيادة المساحات المنزرعة لتلبية الاحتياجات الصناعية وتعظيم القيمة المضافة للقطن المصري على المستوى الدولى، وكذلك لإقامة صناعات وطنية تعتمد على القطن المصري توفر منتجات قطنية عالية الجودة بأسعار ملائمة للمواطنين.. وذلك خلال اجتماعه مع الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء، والمهندس «شريف إسماعيل» مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، والدكتور «محمد عبدالعاطى» وزير الموارد المائية والرى، و«السيد القصير» وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، و«هشام توفيق» وزير قطاع الأعمال العام، واللواء «مصطفى أمين» مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، واللواء «كامل هلال» رئيس مجلس إدارة الشركة الوطنية المصرية للتصدير والتنمية الصناعية.

أمّا قناة السويس فستجد أنه فى 21 فبراير وَجَّهَ الرئيسُ «السيسي» ببلورة سياسات تسويقية مَرنة لقناة السويس تتناسب مع الظروف الاقتصادية العالمية، وتحقق التوازن بين الحفاظ على معدلات الحركة الملاحية بالقناة والتأثير الناجم عن تداعيات جائحة «كورونا»، وكذلك إدماج عناصر خدمية جاذبة للسُّفُن العابرة، بالتكامُل مع النطاق الجغرافى للقناة الآخذ فى التطور التنموى، الذي يضم عَددًا من الموانئ الحديثة التي باتت تتمتع بها مصرُ على أعلى مستوى؛ خصوصًا بالعين السخنة وشرق بورسعيد وبرنيس، وذلك خلال اجتماعه مع الدكتور «مصطفى مدبولى» رئيس مجلس الوزراء، والمهندس «شريف إسماعيل» مساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، والفريق «أسامة ربيع» رئيس هيئة قناة السويس، والمهندس «محمد يحيى زكى» رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، واللواء «مصطفى أمين» مدير عام جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة.

وفى 22 فبراير علينا أن نتوقف عند قدرة صانع القرار المصري فى صياغة سياسة خارجية قوية ومتزنة تمثل انعكاسًا لما كنا نتحدّث به؛ وهو نجاح مصر فى زيادة الكَمّ الاستراتيجى لها.. فى هذا اليوم استقبلت القاهرة أول مسؤول أمريكى رفيع المستوى منذ تولّى إدارة «بايدن» وهو الفريق أول «كينيث ماكينزى» قائد القيادة المركزية الأمريكية، الذي جاء برسالة تأكيد على العلاقة الاستراتيجية والراسخة بين الولايات المتحدة ومصر.

وفى اليوم نفسه كانت هناك مباحثات هاتفية بين الرئيس «السيسي» ونظيره الصينى «شى جين بينج».. التي شهدت التأكيدَ على قوة الدفع الكبيرة التي اكتسبتها العلاقات «المصرية- الصينية» على مَدار الأعوام الماضية فى إطار شراكة استراتيجية شاملة، وحِرْص مصر المستمر على الارتقاء بمستوى التعاون بين البلدَيْن، وإيجاد آفاق جديدة للعلاقات الثنائية؛ خصوصًا فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الصينية، ونقل التكنولوجيا والخبرات الصينية، فضلًا عن التعاون فى إطار مبادرة «الحزام والطريق»، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدَيْن فى التقدُّم والتنمية.

كما أشاد الرئيسُ «السيسي» بالدعم المتبادل خلال أزمة وباء «كورونا» كدليل على عُمق العلاقات بين البلدَيْن الصديقَيْن، مُعربًا عن التقدير لقرار الصين بإهداء كميات من لقاحات «كورونا» إلى مصر لتطعيم المواطنين، وتتطلع مصرُ فى هذا السياق لتعزيز التعاون والتنسيق فى هذا المجال بين جهات تقديم الرعاية الصحية بالبلدَيْن لنقل الخبرات والإمكانات الصينية.

كيف انعكس تعاظم الكَمّ الاستراتيجى لمصر على خصومها؟

تاريخيّا واستراتيجيّا.. كلما تعاظم الدورُ المصريُّ تراجعت الأدوارُ الإقليمية لخصومها، وتحديدًا الدور التركى.. العلاقة عكسية.. وعَزّز من هذا الأمْر الاتجاه الأيديولوجى لتركيبة الحُكم الراهن فى تركيا بصفته جزءًا من التنظيم الدولى لجماعة الإخوان الإرهابية وأدواتها، ولذلك ستجد:

1 - سعى دائم لتعطيل مسار التنمية فى مصر استخدمت معه جميع الوسائل غير المشروعة وفى مقدمتها الإرهاب. 

2 - محاولات لا تتوقف لمحاصرة المجتمع فى مصر بسيل من الشائعات وإدخاله فى دوامات من التشكيك، وآخرها الحملة المضادة على جهود الدولة لتوعية الشعب بخطر الانفجار السكانى.

3 - تعمّد المتاجرة بمشاهد الفقر للتغطية على الملحمة التي تقودها الدولة فى مشروع «حياة كريمة» الذي يُغير وجْهَ الحياة فى الريف المصري لإفقاده زَخَمه الشعبى. 

4 - إرباك مستمر لمسار التهدئة والحل السياسى فى ليبيا.

5 -  استهداف الداعمين الرئيسين للمشروع الوطني المصري؛ خصوصًا المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

6 - الدعم المباشر وغير المباشر لإثيوبيا فى ملف «سد النهضة» مع تصدير أكاذيب للرأى العام المصري، وكان آخرها الحديث الجاهل الذي تم الترويج له إلكترونيّا وفضائيّا حول الاتفاق الثلاثى علمًا بأن هذا الاتفاق أحد أوراق مصر القانونية لأنه يحمل التزام أديس أبابا بعدم الإضرار بدول المصب.

7 - استخدام بعض الكروت المحسوبة كذبًا على التيار الليبرالى لمخاطبة بعض التيارات داخل الإدارة الأمريكية للإبقاء على فكرة الإسلام السياسى وجماعة الإخوان الإرهابية، علمًا بأن المنطقة تستعد لمرحلة (ما بَعد الإسلام السياسى).

خطف الذهن الجمعى بـ(التريند) 

لا شَكَّ أن شبكات التواصُل الاجتماعى أصبحت جزءًا من واقعنا لا يمكن الاستغناء عنه، ولكنْ المتأمل للحالة المصرية يجد أن هناك محاولة دائمة لخطف الذهن الجمعى المصري من خلال (التريند) الحدَث الفَوّار الذي يُشغل المجتمعَ عن واقعه إن لم يَقُم بتشويه هذا الواقع فهو يُشكك فيه وإن لم يُشكك فيقلب المجتمع وينمطه ويُشعل بداخله صراعات مختلفة.

فى هذا السياق كان (الصعيد) محور حديث (التريند) بَعد خطأ أو سقطة أو جُرم إعلامى فى حق أهلنا الكرام فى صعيد مصر.. سَمِّهِ كما تشاء، وتحرّكت الجهات التنظيمية للإعلام وتم العقابُ.

هذا الحدَث والتريند تم توظيفه واستغلاله من قِبَل القنوات المعادية لمصر على مَدار يومَيْن بهدف إشعال نار الفتنة مجتمعيّا.

الملفت للنظر أن النسق الإعلامى المصري انجرف إلى هذا المنزلق فى الوقت الذي يشهد فيه الصعيدُ تنميةً لم تحدث منذ 100 عام دون مبالغة، ويقع فى بؤرة اهتمام الدولة منذ اللحظة الأولى لتولّى الرئيس «السيسي» للمسؤولية، مشاريع عملاقة فى مختلف محافظات الصعيد، وشبكات طرُق عمومية وداخلية، ومحطات مياه، وشبكات صرف صحى، ومدن جديدة، ثم أضيف إليها دخول قرى الصعيد ضمن مبادرة «حياة كريمة».. وبينما أكتبُ هذه السطورَ يمتد العُمْران فى 67 قرية داخل محافظة سوهاج فقط.. هذا النجاح وهذه الحقائق لا تجد طريقَها لما يُسمَّى بـ(التريند)، وهو ما يؤكد أن الدولة المصرية تسبق إعلامَها.

إعمار ليبيا.. صراع دولى من نوع خاص 

فى تقرير للبنك الدولى تم تقدير مبدئى لفاتورة إعادة إعمار ليبيا بَعد عَقد من الخراب بما يتجاوز 100 مليار دولار، وهو ما يؤشر إلى حَلقة جديدة من الصراع الدولى، سواء فى ليبيا أو غيرها من دول ما سُمّى كذبًا بالربيع العربى، ولكن الوضع الجيواستراتيجى فى ليبيا يُعتَبر أقربَ إلى محطة إعادة الإعمار عن كلّ من سوريا واليمن. وبالتالى فإن الحلقة الأولى لدخول ليبيا مَرحلة إعادة الإعمار هو نجاح المسار السياسى وتحقيق قَدَر من الاستقرار على الأرض، وحل الميليشيات، وبات واضحًا أن هناك مؤشرات دولية بالاتجاه نحو بداية ملف إعادة الإعمار.

وهنا علينا أن نستدعى تصريحات رئيس الحكومة الليبية الجديدة فى القاهرة وحديثه عن تطلعه لشراكة شاملة بين ليبيا ومصر، واستلهام تجربة مصر التنموية.. وهو ما يَجعلنا أيضًا نتحدّث عن الكَمّ الاستراتيجى لمصر، ولكن من زاوية أخرى وهى امتلاك القُدرة.

بمعنى.. أن مصرَ الآن والشركات المصرية أصبحت تملك قدرةَ القيام بالمشروعات العملاقة.. محطات كهرباء ومطارات وشبكات طرُق ومدن سكنية، وهو ما يجعل مصرَ فى طليعة الدول المساهمة فى إعادة إعمار ليبيا، أضف إلى ذلك البنية الأساسية التي أسَّسَتها مصرُ وشبكة الطرُق والمحاور الإقليمية، فضلًا عن الأهمية الكبرى للموانئ المصرية التي تم تحديثها.. وهنا الأمْرُ لا يتعلق بليبيا فقط؛ ولكن أيضًا بالنسبة لسوريا واليمن.. أضف إلى ذلك الجوار الجغرافى المباشر والتداخُل بين الشعبَيْن المصري والليبى، والعلاقات القبلية، وهو ما يجعل حجمَ العمالة المصرية يفوق ما كان عليه قبل 2011، وقد تصل إلى ما يقرب من مليونَى ونصف المليون عامل.

هذه الميزة النسبية الكبرى للحضور المصري تُفسّر سَعْى التنظيم الدولى للإخوان المستميت لإشعال الوضع فى ليبيا، والعمل الدائم على تشويه دور مصر مثلما فعلوا من البداية بمجرد استقرار مصر وتوجُّهها نحو استعادة الدولة الوطنية الليبية ومنع تقسيمها.

تبايُن الرسائل الخارجية لـ«بايدن»

بَعد نحو شهر من تولّى إدارة «جو بايدن» الحُكم فى الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت أكثرُ من رسالة متناقضة فى سياستها الخارجية تجاه عدد من الملفات، وهو الأمْرُ الذي يُفسره فى تقديرى صراع إرادات واتجاهات فكرية بين مجموعات محددة داخل الحزب الديمقراطى، وبدورها تتواجَد فى مواقع مؤثرة على القرار الدبلوماسى الأمريكى؛ وتحديدًا فى مجلس الأمن القومى والبنتاجون والخارجية الأمريكية.. المذهب الأول وهى المدرسة القديمة التي تريد إعادة استنساخ سياسة «أوباما» بتحييد الصراع مع الصين والتعاطى الدبلوماسى مع إيران وانفتاح على الحلفاء الأوروبيين وإعادة دور «الناتو» مع إعلاء عدد من المبادئ الجاذبة للنموذج الأمريكى، مثل حقوق الإنسان والإصلاح بما يضمن التمددَ الذي يُعَوض الانسحابَ الذي جرَى من بعض أماكن التمركز أثناء فترة «ترامب»، وإضعافه لـ«الناتو»، ومن خلفه التأثير السياسى للاتحاد الأوروبى وتحويله إلى نقاط فردية مَثلت ألمانيا قوتها الأهَم.

الفريق الثانى.. متمرد على السياسة الخارجية لـ«أوباما».. ويرى أهمية جدّية التعامُل مع الصين على كونها التحدّى الأعظم، وضرورة التركيز والتواجُد فى مناطق التواجُد الحيوى للصين وتعطيل مشروعها الاستراتيجى «الحزام والطريق»، مع التعامُل بحزم مع إيران وعدم العودة للاتفاق النووى بالصياغة القديمة، لاسيما أنه يضعف بقوة «نتنياهو» فى الداخل الإسرائيلى، ويؤثر على حلفاء واشنطن فى الخليج. 

الفريق الثالث.. واقعى ويرى أن الظرف الأمريكى الداخلى الاقتصادى والاجتماعى غير ملائم لتمدُّد مفتوح المجال، ولكن تمدُّد منضبط يخدم الأهدافَ الاقتصادية والاجتماعية فى الداخل الأمريكى أولًا؛ خصوصًا بَعد وصول حالات الوفاة من «كورونا» إلى نصف مليون أمريكى، منهم مئة ألف فى الشهر الأول للرئيس الجديد، أضف إلى ذلك ضرورة أن يفى «بايدن» بوعوده الانتخابية لما لذلك من تأثير بالغ على وضع الحزب الديمقراطى فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس العام المقبل؛ خصوصًا أنه يُواجه تيارًا شعبويّا بَعد تبرئة «ترامب» من قِبَل الكونجرس.

نقطة الاتفاق الوحيدة بين الفرق الثلاث هو إظهار الإدارة وسياساتها الخارجية أنها تختلف تمامًا عن سياسة «ترامب».. وهذه النقطة حاضرة فى تعاطيها مع الملفات الخارجية والداخلية على حد سواء. 

الرؤية الواضحة للسياسة الخارجية الأمريكية ستظهر عندما يفرض فريق إرادته وعليك أن تراجع، على سبيل المثال ظهور الاتجاهات المتباينة فى ملف واحد وهو اليمن، وانظر إلى موقف البيت الأبيض وموقف الخارجية وموقف البنتاجون.

معظم التقديرات التي تناولت الاستراتيجية الخارجية لهذه الإدارة رَجّحَت أن الشرق الأوسط ليس أولوية الآن بالنسبة للإدارة الجديدة، باستثناء (شمال إفريقيا).. وأن التمدُّد الأمريكى الذي يتطلع إليه فريق داخل الإدارة سيكون فى أغلب الأحوال تحت مظلة حلف (الناتو)؛ خصوصًا بَعد مؤتمر ميونخ الأخير تعززت هذه الوجهة من النظر وإقليميّا، منتظرًا أن يكون أول تطبيق فى العراق بَعد تفجيرات أربيل الأخيرة.

وبالتالى.. ستمضى السياسة الخارجية لـ«بايدن» محيرةً إلى فترة ما.. وفيما يخص العلاقات «المصرية- الأمريكية».. ظنّى أنها ستظل محكومة مؤسَّسيّا لأبعادها الاستراتيجية بالنسبة للجانبَيْن.. تحمل المساحة الكافية للتوافُق والاختلاف، ولكنها ستظل ثابتة بغَض النظر عن بَعض التصريحات التي قد تصدر عن هذا الفريق أو ذاك داخل الإدارة.

أبعاد قرار الأمم المتحدة عن منتدى شباب العالم 

قرار المجلس الاقتصادى والاجتماعى التابع للأمم المتحدة باعتماد منتدى شباب العالم منصة حوارية مَعنية بقضايا الشباب.. يستحق أن نتوقف أمامَه بالكثير من التدقيق، أولًا لأننا أمامَ إجراء من قِبَل أحد الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، وثانيًا لما يتضمنه هذا الإجراء من أبعاد ورسائل.. فى طليعتها أنه يعكس نجاح الدولة المصرية فى إعادة صياغة العلاقة مع شبابها، وقدمت النموذج الأمثل لتعاطى الدول والحكومات مع الشباب، كما أنه يأتى تتويجًا لمسار مصري فريد نحو تمكين الشباب بدأ عام 2016 بإعلانه عام الشباب، ثم انطلاق مؤتمرات الشباب التي لم تكن مجرد حالة حوار استثنائية بين الشباب والمسؤولين أمامَ الرأى العام بحضور ومشاركة رئيس الجمهورية؛ ولكن لكونها أصبحت بنك أفكار وطنية وبرّاقة.. وهذه الأفكارُ لم تجلس حبيسة فى بيانات ختامية لكنها تحولت إلى مشاريع عمل ومؤسَّسات حققت التمكينَ الحقيقى للشباب.. فمن مؤتمرات الشباب خرج البرنامجُ الرئاسى لتأهيل الشباب، ومن مؤتمرات الشباب خرجت الأكاديمية الوطنية لتدريب وتأهيل الشباب على القيادة، ومن مؤتمرات الشباب خرجت تنسيقية شباب الأحزاب.. ومن ثم تم الدفع بالشباب بَعد امتلاكه المعرفة فى الجهاز التنفيذى للدولة وفى البرلمان وفى مختلف أوجه الحياة المصرية.. أمّا منتدى شباب العالم؛ فهو يعكس القوة الناعمة لمصر وقُدرتها على التأثير، كما أنه شَكّلَ أول فكرة إنسانية جامعة تسمو فوق كل شىء وتجعل الإنسانية أولًا بَعد عقود دفع فيها العالمُ ومن خلفه الإنسانية ثمَن أفكار غربية كان فى مقدمتها.. (صِدَام الحضارات).

وفى هذا العَدَد من مجلة «روزاليوسف» ملف خاص (شبابك يا مصر)، نسعى من خلاله إلى توثيق رحلة نجاح مصر فى صياغة العلاقة مع الشباب.

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز