عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية بلاد "سُفالة الذهب" بشرق إفريقيا

بلاد سفالة الذهب شرق افريقيا
بلاد سفالة الذهب شرق افريقيا

تقع بلاد "سُفالة" Sofala (وتكتب أيضًا: سوفالة، وسوفالا، وسفالا) في أقصى الجنوب من ساحل شرق إفريقيا، وهي المنطقة التي اشتُهرت باسم "أرض الزنج"، ولهذا تقول المصادر عنها: وفي الغالب قامت مملكة صغيرة في (سفالة) أو ما يُشبه الإمارة نظرا لشهرة هذه المدينة التجارية الواسعة إبان العصر الوسيط، حيث صارت (سُفالة) مركزًا رئيسًا لتجارة الـذهب في ممالك شرق إفريقيا. 



 

ولهذا فلم يكن من المستغرب أن توصف بأنها: "سفالة الذهب" كما ينسب لها الذهب الذي اشتهر في شتى بلاد العالم باسم: الذهب السُفالي. 

 

ولم تكن سفالة مجرد مدينة أو ثغر على الساحل الإفريقي، ولكن كانت أشبه بإمارة أو مملكة صغيرة، ولهذا تذكرها بعض المصادر: "بلاد سفالة" حسب ما أورد ذلك المسعودي. 

 

وتذكر المصادر أن السكان المحليين كانوا من جنس السودان، وكانوا بالتحديد من "الزنوج" الذين استقروا على ساحل شرق إفريقيا، هذا إضافة إلى السكان العرب والمسلمين الذين هاجروا إليها بعد أن ذاعت شهرتها بالذهب. 

 

ومن الراجح أن العرب هم من بنوا سفالة، أو أنهم اهتموا بها، وأقاموا الوكالات التجارية هناك، وعن ذهب سُفالة يقول القزويني: "وبها معدن الـذهب، والحكاية عنها أن التُجار يحملون إليها الأمتعة ويضعونها في أرض قريبة منهم ويرجعون..". 

 

ولعل هذا يشير إلى أن تجار (سفالة) كانوا يستخدمون "التجارة الصامتة" في بيع الذهب في شرق إفريقيا، وكان أهل سفالة يأتون ثم يتركون ثمن كل بضاعة بجوارها، ثم كان يأتي أصحاب البضاعة ليأخذوا هذا المال إن كانوا قد رضوا به. 

 

وكان سكان الزنج يذهبون إلى سفالة، يقول المسعودي: "وقطعت الزنج دون الأحابش الخليج المنفصل من أعلى النيل الذي يصب إلى بحر الزنج، فسكنت الزنج في ذلك الصقع، واتصلت مساكنهم إلى بلاد سفالة..".

 

ومن المعروف أن المهاجرين المسلمين الأوائل الذين استقروا في شرق إفريقيا قاموا بتأسيس العديد من المدن والمراكز التجارية التي نالت أهمية كبيرة على ساحل شرق إفريقيا، ومن أهم تلك المدن والمراكز التجارية: سُفالة، وهي المدينة التي ذاع صيتها حيث إن هذا الميناء كان أهم الموانئ على سواحل شرق إفريقيا، ويقول المسعودي: "وكذلك أقاصي بحر الزنج هو بلاد سفالة.. وهي أرض كثيرة الذهب، كثيرة العجائب، خصبة حارة..". 

 

ومن الراجح أن تأسيس "سفالة" كان قد تم قبل تأسـيس السلطنة الشيرازية في "جزيرة كلوة" Kilwa، غير أنه برز دور "سفالة"- بشكل واضح- أيام الشيرازيين تحديدًا، ومن ثم أصبحت بمثابة الميناء الرئيس لتصدير معدن الذهب إلى الأسواق التي توجد خارج ممالك شرق إفريقيا. 

 

وعن الأهمية التي ربطت بين ازدهار (سفالة) من جانب وازدهار سلطنة كلوة بالتحديد من جانب آخر، يقول "ك. ماكفيدي": "وكانت تقوم بتسويق الذهب في مدينة سوفالة (سفالة) التي أنشأهـا العرب الذين كانوا يعيشون في مدينة كيلوا (كلوة) خصيصا كمحطة لتسويق الـذهب، وكانت الأرباح الطائلة- التي تأتي من تجـارة الـذهب- تزيد من ثراء مملكة الشونا في زيمبابوي الكبرى، كما جعلت مدينة كيلوا أهم المدن الـواقعة على الساحل الشرقي الإفريقي، وأكثرها ازدهـارًا..".

 

وهو ما يؤكد أن العرب هم بناة سفالة، وترجع العلاقات التجارية بين "جزيرة العرب" Arabic Peninsula وشرق إفريقيـا لحقب بعيدة. 

 

وربما يعني ذلك أن سكان "جزيـرة العرب" وسواحل فـارس كانوا على درايـة بهذه المنطقة منذ قرون بعيدة قبل الإسلام، ويُحدد بعض الـدارسين ومن بينهم "كولين ماكفيدي" صاحب كتاب Atlas of African History، أن العرب هم من أسسوا "سفالـة". 

 

وكانت مدينة سفالة تتميز بوجود ما يعرف باسم: الحواي، وهو نوع من الطيور، كان يتميز بأنه كان يكرر كل ما يسمع بصوت رقيق وخافت، وكان هذا الطير يكرر ذات الكلام الذي يسمعه أيضًا بكل دقة حتى يوصف ما يكررونه بأنه أصح من الببغاء. 

 

وكان بـ"أرض سفالة" صنوف من الببغاء، فكان منها نوع ذو لون أبيض، ومنها الأحمر، وكذلـك أنواع أخرى منه. 

 

وتذكر الروايات التي أوردهـا بعض الرحالة ممن زاروا "بلاد سفالة" لاسيما من أولئك الرحالة القدامى، والـذين كانوا قد شاهدوا بعض العادات والتقاليد الغريبة لدى سكان تلك البلاد، ومن ثم ذكروا لنا بعضًا مما شاهدوا من صنوف العجائب والغرائب التي كانت بهـا. 

 

ويذكر البعض أن بعض السكان المحليين ممن قطنوا "أرض سفالة" كانوا يأكلون بعض الأنواع من الـذباب، وهم يزعمون، أي سكان سفالة إن تناول مثل هذا الـذباب يحمي الإنسان من بعض الأمراض، لا سيما "الرمد"، ولهذا يزعم البعض ممن زار هذه البلاد أن أهل سفالة كانوا لا يصابون البتة بأمراض الرمد.

 

أستاذ جامعي وباحث في الدراسات الإفريقية  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز