عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
سقوط تركي من «بلكونة»  كبرياء وهمي!

سقوط تركي من «بلكونة» كبرياء وهمي!

مهما كانت مبادرات التراجع التركية، ومهما كانت لهجات الغزل السياسى ورسائل الندم، فإن مصر تمارس حقها فى أن  تضع مسالك أنقرة ودعواتها وطلباتها  للسماح تحت مجهر الفحص الدقيق. 



تمارس مصر حقها فى أن تزن التحولات التركية بميزان حساس، وريبة يستحقها نظام أردوغان، وسط أسئلة لا بد أولًا من الإجابة عنها.. والكرة فى ملعب أنقرة. 

هل يمكن أن تكون لرجاءات أنقرة بالمصالحة مصداقية، لمجرد أن أنقرة طلبت المصالحة؟ هل يمكن لنظام أن يتحول بين ليلة وضحاها من عداء جنونى، بتطلعات مهووسة، وطموحات غير واقعية، إلى استفاقة ينزل بها  على الأرض بعد  تحليق خيالى فى السماء.. معلنًا رغبة متكاملة للصفح؟

 

على كلٍ سوف نرى، فإذا كان أردوغان قد استوعب درسًا لن ينساه، فإنه يظل  للقاهرة شروط ومحددات وثوابت.. ومعلوم أن مصر لا تتنازل عن ثوابتها. 

لاتزال مصر ضد الإرهاب، وضد تصديره للخارج، وضد محاولات تركيا التدخل فى الشؤون الليبية، ضد مصالح الأشقاء هناك، وضد أمننا القومى، بينما مازالت تركيا تدعم الإخوان (دعك من الارتباك الأخير فى صفوف فئران الجماعة فى الإعلام التركى)، ومازالت تركيا مع قطر، ومازالت أنقرة تدعم الميليشيات فى ليبيا، ومازال لها مرتزقة فى الغرب الليبى من أيام السرّاج، بينما مازالت مصر تدعم الجيش الوطني الليبى، وتدعم استعادة ليبيا لمؤسساتها، واستعادة الشعب لثرواته، وحقه فى حكومةٍ وبرلمان شرعى. 

مازالت أنقرة تلعب مع الدوحة فى إثيوبيا، لتعقيد قضية سد النهضة، فيما تعلم مصر ما تحت الغطاء، لذلك تقود مصر الأمور بهدوء وروية وتفاوض واثق، لأنه ما من شك أن الأزمة لن تنتهى إلا بحلول ترضاها مصر. 

(1) 

لو كانت أنقرة تناور، فالبادِئ أظلم، ولو كانت تناور فعلاً، فالمعنى أنه مازال لديها مزيد من الوقت لإعلان استسلامٍ كاملٍ بعد كم صفعات على الوجه وعلى القفا، وضربات قاضية وجهتها مصر إليها فى الخاصرة. 

لكن الأقرب حتى الآن أن أنقرة تطلب صفحًا، بعدما استوعبت دروسًا قاسية، تتطلب منها خطوات على الأرض، وأفعالًا لا أقوالًا، والأفعال تحددها القاهرة، وترسمها مصر، وعلى أنقرة أن تنفذها كما يجب أن يكون . 

التكهن الأقرب للواقع، كما يرى محللون، أن صغور أنقرة كان حتميًا، بعد طوق استراتيجى محكم فرضته مصر فى الإقليم، وفى المتوسط، تعديلًا لمعادلات ضرورية  وإقرارًا  لحقوق مشروعة، ووأدًا لطموحات كارتونية لا أحد يعرف من أين استمدت تركيا ثقتها يومًا ما فى إمكانية تحقيقها؟ 

على كلٍ، تظل الرغبات التركية الظاهرة فى المصالحة واحدة من إشارات تفوق استراتيجيات مصرية على مسارات متعددة، كانت فرض إرادتها فى الإقليم، وتأمين حدودها وحقها المشروع فى استغلال ثرواتها واحدة منها. 

(2) 

لا تكفى فى العادة 7 سنوات من عمر الشعوب للحكم بموضوعية على إدارة دولة ونجاحاتها، لكن، وللإنصاف، ما حدث فى مصر من طفرات خلال سنوات سبع، يسهل وصفه بأنه كما غير المعادلات فى الواقع، فإنه فى نفس الوقت،  استطاع تغيير نظريات التقييم. 

تسلّم الرئيس عبد الفتاح السيسي منتصف عام 2014 شبه دولة، كانت  قد تعرضت لهزات عنيفة، ومحن سياسية عظيمة، وظروف اقتصادية اقتربت فيها البلاد من إعلان الإفلاس، إضافة إلى ما تخلله الوضع من موجات إرهابية متصاعدة فى ظل غياب مؤسسات الأمن . 

كانت أغلب توقعات مراكز الأبحاث الغربية قبل 30 يونيو 2014 أن مصر على أعتاب مرحلة الدول الفاشلة، حيث لا تستطيع الدولة أداء وظائفها الأساسية، ولا واجباتها السيادية داخل حدودها أو خارجها. 

فى نظريات السياسة، تعجز الدول الفاشلة عن خدمة المواطن، فى الطريق إلى ما يسمى بالانهيار الحكومى، فى الداخل، وفى الخارج تعجز الدول الفاشلة عن حماية حدودها، وعن أية إجراءات لحماية أمنها القومى بأبعاده الاستراتيجية . 

بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ اليوم الأول لولايته التركيز على استعادة الدولة بمفهومها الشامل من خلال ثلاثة محاور: 

أولًا: استعادة مؤسسات الدولة متكاملة فى الداخل، بمختلف وظائفها وقدراتها على رأسها الأمن.

  ثانيًا: استعادة هيبة الدولة على مستوى الإقليم، ومكانتها على مستوى العالم، بما يتطلبه هذا من مزيدٍ من القوة والقدرة لقواتها المسلحة، ليس فقط لمواجهة الأخطار المحيطة (ومنها رعونة تركية بدأتها منذ عزل مرسى الجاسوس فى 2013)، إنما أيضًا لفرض حقوق مصر المشروعة، وحماية حدودها الاستراتيجية وفق معادلات الأمن القومى والقانون الدولى. 

ثالثًا: عمل عبدالفتاح السيسي على استهداف المواطن المصري بالتنمية الحقيقية، وعمل على استعادة ثقة المواطن فى حكومته، واستعادة يقينه فى أن الدولة الجديدة (فى الطريق للجمهورية الثانية) تعمل لأجله، ووفقًا لاحتياجاته، ببرامج اجتماعية ومبادرات رئاسية، وبطفرات فى العلاج والسكن اللائق، والأمن والمشاريع القومية العملاقة بانعكاسات مباشرة على الاقتصاد. 

فى خطوط متوازية بدأت مصر عبدالفتاح السيسي التوسع فى الاستفادة من مخزونات هائلة من الغاز على حدودها البحرية شرق المتوسط، باتفاقيات لترسيم الحدود وفق القواعد الدولية، ووفق سياسات رشيدة، قادت مصر على أساسها،  وخططت ودشنت منتدى غاز المتوسط فى تحالف استراتيجى جديد، لحماية الثروات المصرية من تحرشات تركية هوجاء. 

فرضت التحركات المصرية فى المتوسط طوقًا حديديًا على أنقرة، انعكس بقلق واضح لدى تركيا خصوصًا بعد استبعادها من تقاسم الغاز شرق المتوسط، بآثار اقتصادية سلبية رهيبة يعانى منها نظام أردوغان للآن. 

كانت تركيا هى التي بدأت اللعب بالنار، وكان لا بد أن يأتى الوقت الذي تشعر فيه بالاحتراق . لكن مكابرات أردوغان هى التي دفعته للتذاكى بمد خط اتفاقات طولى (غير شرعى ولا منطقى) مع حكومة السراج فى غرب ليبيا بتصورات ساذجة باحتمالات أن تنجح  تركيا فى تخطى اتفاقيات الحدود المصرية مع دول المتوسط. 

لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر، لكن أردوغان كابر، ونقل المرتزقة إلى غرب ليبيا فى محاولات يائسة أخرى تصورًا أن بإمكانه تغيير المعادلة  ضد الأمن القومى المصري، وفى مسألة انتهت بحسم مصري، فرض فيه رئيس الدولة المصرية خطوطًا حمراء، لتبدأ التسوية السياسية وفق إعلان القاهرة. 

الأقرب إلى طبيعة الأمور، والواقع، والشواهد،  أنه لا يبدو من تركيا أنها تناور برغبات المصالحة والصفح، إذ إن أنقرة فى الواقع لم يتبق أمامها إلا طلب الصفح. 

الموقف التركى فى شرق المتوسط (اقتصاديًا) فى أسوأ حالاته، واستراتيجية التطويق المصري جعلت المحاولات التركية لفرض أمر واقع فى المنطقة أشبه بأحلام الأطفال، وسط هجوم أوروبى من جهة، وتحالفات مصرية قبرصية يونانية إيطالية من جهة أخرى. 

داخليًا، يعانى نظام أردوغان من انهيار سياسى واقتصادى يتصاعد فى متوالية هندسية بعد خسارته عوائد غاز المتوسط، تلاها خسارته أحلامًا فى نفط ليبيا، إضافة لوضع عسكري، وعزلة استراتيجية تعيشها تركيا أردوغان، ما يهدد أردوغان نفسه، ووسط شواهد على عدم قدرته على الاستمرار بتزايد حدة المعارضة، ومزيد من غضب الشارع التركى. 

تطلب تركيا المصالحة الآن.. لأنه لم يتبق غير المصالحة، فالأتراك يعرفون المثل (مكره أخاك لا بطل).  

سبق وقال الرئيس السيسي إن «كله هيتحاسب».. وها قد جاء وقت الحساب.. هذا وقت الحساب.

 

من مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز