عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"تغازي".. مدينة الملح في غرب إفريقيا

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

تقع أطلالُ منطقة "تغازي" (يكتب اسمها أيضا: "تغازة") Taghaza ضمن أراضي دولة موريتانيا حاليًا، وهي تُمثل إحدى المراحل المهمة في "طريق الـذهب" من بـلاد المغرب الأقصى وحتى السودان الغربـي، وتبعد "تغازي" مسيرة 25 يومًا (اليوم أو المرحلة تعادل حوالي 40 كيلومترًا) عن مدينة سجلمـاسة جنوب المغرب حاليًا.



 

 

وكانت منطقة تغـازي تشتهر بوجود "مناجم الملح"، وهو يعتبر من أجود أنواع الملح في غرب إفريقيا، وقـد ظل الملح يستخرج من هذه المنطقة حتـى حقبة القـرن 10هـ/16م. ولم تنل مدينة تغـازي مدح الرحالة ابن بطوطـة (ت: 779هـ/1378م) لما مر بها مع القافلة التجارية التي جاء معها، بل إنه قـدحها أشد القدح في ثنايا روايته عنهـا واشتد في ذمها وذم سكانها، حيث قـال عنها: "وهي قرية لا خير فيهـا..".

 

وكـانت مدينة "تغـازي" تتميز في ذات الـوقت بطراز فـريد لبيوتهـا، فهي مشيدة من حجـارة الملح، كما بنـى مسجدها من ألواح الملح أيضا، أما سقوف البيوت فكانت من جلول الإبل، ومدينة تغـازي منطقة قليل الشجر والمروج، ومن ثم تبدو فيها الصحراء أكثر وضوحـًا وأرضهـا رملية، وكان يوجد بها معدن الملـح.

 

وكـان السكان المحليون يحفرون الأرض الرملية في مدينتهم بحثا عن الملح، ثم إنهم كانوا يجدون ألـواح الملح ضخمة الحجم، وكـانت تبدو وكأنها نحتت في الأرض، وكـان كـل جمل يحمل منها لـوحين.

 

وتُشير بعضُ الروايات إلى أن الغالب علـى السكان في مدينة تغـازي أنهم من عبـيد قبيلـة مسوفـة البربـرية، وهم الـذين كـانوا يقـومون بحفر الأرض بحـثًا عن ألـواح الملح. وكـان أهل تغـازي يقتـاتون علـى ما كـان يـأتي إليهم من وادي درعـة وسجلماسـة، لا سيما التمر، كما كـانوا يأكلون أيضا لحوم الإبل.

 

ولأن تغـازي كانت من أهم المحطات التجارية التي يمر عبرها "طريق الـذهب" الإفريقي بفضل "مناجم الملح"، كانت تأتـى إليها قـوافل التجـارة من أجل الحصول على ألـواح الملح، ولأن الأخير كـان ينـدر وجوده في بـلاد الغرب الإفريقي فإنهم كانوا يقايضونه بالـذهب.

 

ويـذكر المؤرخ القلقشندي في روايته أن الملح لم يكن يـوجد في كـل بـلاد السودان الغربـي (أي غرب إفريقيا) إلا في مدينة اسمها "نكـوا".

 

بينما يـذكر المؤرخ العُمري (749هـ/1348م) في روايته: "أن الملح معدوم في داخل بلاد السودان..."، وهي إشـارات تاريخية مُهمة تـؤكد قلـة الملح وندرتـه في بلاد السودان، ولذلـك كان "تغـازي" تمثل طوق نجـاة.

 

ولأن أهل السودان (غرب إفريقيا) كـانوا يحبون الملح ويقبلون عليه، كانوا يبحثون عنه ويأخذونه في مقابل الـذهب، كما اشتهرت مدينة أودغست أيضًا بإنتاج الملح.

 

وكـان تجار غرب إفريقيا خلال العصر الإسلامي يأتون إلى منطقة "تغـازي" للحصول على ألواح الملح، وهم يحملون معهم الذهب، ثم يقايضون هذا بذاك.

 

 

ويذكر المؤرخون أن حمل الملح كـان يُباع بحوالي عشرة مثاقيل إلى ثمانيـة من الذهب في مدينة ولاتة، وهي مدينة "إيـوالاتن" (تقع أطلالها في دولة مالي حاليًا). أما في مملكة مالي القديمة (596-874هـ) فكان الحمل من الملح في أيام زيارة الرحالة المغربي ابن بطوطة لهذه البلاد- أي حوالي منتصف القرن الثامن الهجري- يباع بحوالي ثلاثين مثقالًا من الذهب، وربما يصل ثمنه إلى أربعين مثقالا، بينما يذكر ابن حوقـل المتوفى سنة 350هـ/961م، أن حمل الملح في مدينة أودغست كان يباع في بـلاد السودان ما بين مائتـي وثلاثمائة دينار.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز