عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
الإسلام كما أراده اللـه..  لا كمـا يـريـده «الشــيخ رمـــزى»!

الإسلام كما أراده اللـه.. لا كمـا يـريـده «الشــيخ رمـــزى»!

سأل عمر بن الخطاب ابن عباس (رضى الله عنهما) قال: على ماذا يختلف الناس من بعدنا.. ورسولنا واحد.. وقرآننا واحد؟ 



قال ابن عباس: سيأتى قوم من بعدنا يقرأون القرآن، ولا يعرفون فيما نزل، فيؤولونه، ثم يختلفون فيما أوّلوا.. ثم يقتتلون على ما اختلفوا فيه!

والجهاد أكثر المختلف عليه فى الإسلام.. سبب الاختلاف أغراض الدنيا، لا أغراض الدين.

 

لم ينزل الله الإسلام دينًا جهاديًا مقاتلًا؛ إنما أنزله الله رحمه للعالمين. لم يشرع الإسلام الجهاد إلا دفاعًا عن أرض أو وطن أو عرض أو دين. لم يحدث أن شرّع الله قتل الأبرياء، أو نسف الناس فى الشوارع بالقنابل محلية الصنع بلا جريرة ولا سبب كما فعل الإخوان فى مصر.

التطرُّف الإسلامى خلل فى فهم العقيدة، وخلل ظاهر فى فهم مقاصد الدين. استغلت تيارات ما سمى بالإسلام السياسى أفكارًا مغلوطة فسرت بها مفهوم الجهاد الإسلامى، طلبًا للحكم، ورغبة فى الوصول إليه، لذلك غرّروا بالشباب، وخدعوا صغار السن، ودخلوا فى مواجهات مع مجتمعاتهم وأوطانهم.. مع أن هذا ليس من عند الله.

(1) 

تغيَّر مفهوم الجهاد أكثر من مرة على مر التاريخ الإسلامى. فى بداية البعثة المحمدية فى مكة، بدأ مفهوم الجهاد بالصبر على أذى المشركين، قبل أن يتحول معنى الجهاد إلى تنفيذ أوامر ربانية بالهجرة إلى المدينة، وترك المنازل والأموال والأزواج والأبناء فى مكة. 

فى المدينة، أمر الرسول المسلمين بالجهاد بالسيف فى معارك مع المشركين، هدفًا ووصولًا إلى الطريق للعودة إلى مكة وفتحها. كانت أوامر الجهاد بالسيف ذلك الوقت محددة.. ومؤقتة، تنتهى بدخول مكة أو فتحها. لم يكن الجهاد بالسيف أمرًا ربانيًا على إطلاقه، ولا كان فريضة إسلامية ممتدة، بعدما تتغير الظروف، وينتصر المسلمون فى معركة أخرجهم فيها المشركون من بيوتهم فى مكة.

لم يقصر الإسلام الجهاد على السيف أو الحرب. بالعكس.. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال وهو عائد من صلح الحديبية لأصحابه: «عدنا من الجهاد الأصغر (الحرب) إلى الجهاد الأكبر (جهاد النفس). يظهر من كلام النبى «صلى الله عليه وسلم» أن الجهاد أنواع، أقلها جهاد الحرب، وأكبرها جهاد النفس دعمًا لبناء مجتمعات إسلامية منتجة متوازنة.. مسالمة.

لذلك سمى الله سبحانه تعالى (صلح الحديبية) فتحًا، رغم أن صلح الحديبية تم رضاءً لا حربًا، فلم يدخل النبى مع الصحابة فى حرب مع قريش واختار النبى الصلح، ورغم أن أغلب الصحابة استغربوا موافقة النبى (صلى الله عليه وسلم) على شروط مجحفة من كبراء قريش فى حق المسلمين، لدرجة أن سأل عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) بانفعال: ألسنا على حق.. وأليسوا على باطل؟ لماذا نعطى الدنيّة فى ديننا؟ 

كل آيات الجهاد فى القرآن الكريم، كانت محكومة بظروف تنزيل فى وقائع محددة، ومؤقتة بحدث، ومعلقة على شرط. لم يشرع الإسلام القتل عمال على بطال، ولا شرع الله سبحانه، أن تستقل جماعة ما، بأفكار ما، مهما كانت، فتتخذ الحرب وسيلة، بحجة إقرار دين الله، أو أن تتخذ السيف ضد الأوطان، بحجة إقرار شرع الله.

لكن تيارات الإسلام السياسى، كما حرفت مفهوم الجهاد، فقد استغلت فكرة الحرب الدائمة باسم الإسلام، رغبة فى حكومة، وطمعًا فى الوصول للسلطة، وضمانًا للنفاذ بأفكارها بين البسطاء، تحقيقًا لمصلحتها، لا تأكيدًا لمصالح المسلمين.

لذلك تحولت فكرة الجهاد، من طريقة للدفاع عن الأرض والعرض والوطن، إلى درجة من الجنون، يجوز معها خيانة الوطن، وعرض العرض للبيع، وإنزال تراب الوطن فى المزاد العلنى.. باسم الله وباسم سنة رسول الله! 

(2) 

لم ينزل الله سبحانه الإسلام دينًا سلفيًا، ولا أقر سبحانه الخلافة فرضًا من فروض الدين.. ولا قاعدة من قواعده.  مصطلح الخلافة الإسلامية حديث، وهو مصطلح سياسى فى الأساس ليس أمرًا دينيًا؛ حتى الخلافات الراشدة بعد وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم) كانت ظروف دنيا، ليست نصوص دين. 

الإسلام عقيدة، ومعاملات، وعبادات، أنزله الله لصلاح المجتمعات، لم ينزل الله سبحانه الإسلام لائحة لحزب سياسى، أو دستورًا لدولة بالمفهوم الحديث للدول. 

الدين فى التعريف هو دعوة لعبادة خالق واحد مطلق. بينما السياسة فى التعريف هى فن الممكن فى العلاقات بين أصحاب مصالح متضاربة، فى رقعة جغرافية مشتركة. 

وإذا كان الدين سلوكًا روحيًا لعبادة خالق مطلق، فالسياسة نسبية، متغيرة، تخضع لفن الممكنات، والمتاح، وفقًا لمصالح شديدة البراجماتية سهلة التغيُّر، وسريعة التقلبات. 

مصطلح الإسلام «دين ودولة» لا بُد أن يكون واحدًا من أول المفاهيم التي يجب أن تطرح على مائدة تجديد الخطاب الدينى، خصوصًا أن الدول الحديثة، بتركيباتها الحديثة، وتكويناتها الحديثة، شديدة الاختلاف، مع شكل وطبيعة المجتمعات، ونظم الحكم، وأساليبه فى عصور الإسلام الأولى.

لا تدار الدول الحديثة بالفكر الدينى، ولا تدار وفق منطق العشيرة أو القبيلة. تدار الدول الحديثة وفق مفاهيم المواطنة، والسيادة على الأرض، وعلى نُظم الحكم الحديثة، تعلو فيها سلطة القانون، وسطوة مؤسسات الدولة. 

ترويج جماعات الإسلام السياسى لأن الإسلام دين ودولة هو خلل آخر فى الاستدلال، وفساد آخر فى التأويل مثله مثل الاعتقاد فى وجوب الخلافة الإسلامية، لإقامة دولة الإسلام المزعومة.

(3)

يروى أن أحدهم سأل أبا بكر الصديق (رضى الله عنه) قال: هل أنت خليفة رسول الله؟ فأجاب أبوبكر بسرعة: بل إن الخلف من بعده.. لست خليفته. 

فطن أبوبكر للفارق الواسع بين خليفة المسلمين، وبين من يخلف الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى إدارة شؤون المسلمين. الخلف هو من تنتقل له إدارة المسلمين، وفق ما يختاره المسلمون من قواعد، بينما الخليفة هو من تنتقل إليه إدارة شؤون المسلمين، بنفس مميزات ومكانة الرسول (صلى الله عليه وسلم!) 

فى اللغة، الخلف هو التالى فى الزمن، لا التالى فى المرتبة الشرعية. بعد وفاة النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يخلفه أحد فى مرتبته الدينية، وأبوبكر الصديق لما أجاب أنه الخلف لا الخليفة، قصد أنه التالى بعد رسول الله فى إدارة أمور المسلمين وفق الظروف، ليس وفق نص دينى ولا إلزامًا عقيديًا، ودون التمتع بخصائص من خلفه، ولا مميزات من سبقه. 

تنامت فكرة الخلافة الإسلامية مع تنامى التوجيه السياسى للدين بعد مقتل عثمان بن عفان (رضى الله عنه) استغل الأمويون سوء فهم المسلمين الجمعى للفكرة، واستخدموا المصطلح وسيلة لفرض سلطانهم، وطريقًا لبسط نفوذهم. 

استغلالًا للفكرة نفسها، استطاع العباسيون هزيمة الأمويين، معلنين أنفسهم خلفاء على المسلمين، طمعًا فى السلطة وفى الجاه، لا نصرًا للدين كما أشاعوا. وبحجة الخلافة، وعصمة الخليفة تجرأ الأمويون، فسبّوا آل البيت وأمسكوا السيدة عائشة، وأتوا بها فى الأغلال بعد مقتل الحسين (رضى الله عنه) فى كربلاء إلى قصر الخليفة الأموى فى دمشق أسيرة! 

واستغلالًا للخلافة، نبش العباسيون قبور الأمويين، وأخرجوا جثث موتاهم، ورموا بها فى الصحراء، واستولوا على ما تبقى من أموال، وسبوا النساء، وقتلوا الأطفال.. وأرسلوا الأطفال إلى أسواق العبيد فى الهند وآسيا الصغرى!

ووصولًا للحكم، استغل الفاطميون مصطلح الخلافة الإسلامية، مرة ثالثة، لسحب بساط السلطة من العباسيين، فعاثوا الفساد، وقتلوا وشردوا، وعلقوا الجثث على أبواب المدن، وتركوا أجساد المسلمين فى الصحراء للغربان والجوارح.

طوال التاريخ الإسلامى، تكرر أن أعادت السياسة ورغبات الحكم المحمومة، تشكيل مصطلح الخلافة أكثر من مرة، وعلى أكثر من مرحلة تاريخية، وبأكثر من صورة، استباحت القتل، والتفجير، والتآمر، وبيع الأوطان. نقلت السياسة مصطلح الخلافة من مكانه الدنيوى بامتياز، إلى مكانة دينية.. ما أنزل الله بها من سلطان.

 

من مجلة صباح الخير

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز