عاجل
الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
اتق شر حرية الصحافة في لبنان!!

الغربة الأولى 22

اتق شر حرية الصحافة في لبنان!!

عندما كنا في مصر نجلس للحديث حول الصحافة اللبنانية, و يقول قائلنا متسائلاً عن أسباب تعلق اللبنانيين بالصحافة, كنا لا نجد التفسير لهذه الظاهرة، و عندما عايشت اللبنانيين, و عرفتهم عن كثب, وجدت أن إنفتاحهم على الشعوب و الثقافات الأجنبية, جعلتهم أوسع شعوب العربية ثقافة.



 

وكنت أعجب, و أستغرب, في آن معاً, فنحن المصريين, على عهد محمد علي “1769- 1849”، إنفتحنا  بدورنا على الأجانب, فاستعنا بالتقنيين الفرنسيين لتطوير الزراعة, و الصناعة, و التربية و التعليم, و حتى في إنشاء جيش و أسطول.

 

و قد أُرسلت بعثات الى فرنسا, و إستقبلت مصر بعثات أوروبية, و خصوصاً ما حملته الحملة الفرنسية في نهاية القرن السابع عشر, من ضروب الثقافة. و مع ذلك كله, إنتظرت مصر اللبنانيين يؤمونها لتأسيس الصحف الخاصة، حتى أن جريدة  Le Moniteur “المراقب”, التي أمر نابوليون بونابرت باصدارها سنة 1800, كانت أول جريدة تصدر باللغة العربية, و يعود الفضل في تحريرها و توضيبها الى مترجمين لبنانيين, إصطحبتهما معها البعثة الفرنسية من روما.

 

لقد وجد اللبنانيون, على كرت السنين و تغير الأزمنة, في الصحافة, الوسيلة المثلى للتعبير عن أفكارهم و آرائهم, و مارسوا من خلالها حرياتهم.

و لما حرموا من حرياتهم تلك في وطنهم, حملوا حقائب السفر و هاجروا, منهم الى أرض الكنانة, و بعضهم الى البلدان الأوروبية و الأمريكية.

 

وقد يختلف اللبنانيون على قضايا سياسية كثيرة, و يتفرقون, كل حسب طائفته و نزعته السياسية و الإيديولوجية, ولكنهم, في جميع الظروف, يجمعون و يتوافقون على شيء واحد, هو إعتبار" الحرية", واحدة من مبررات وجود بلدهم.

 

بين أوراقي, قصاصات من مجلة "الصياد" (العدد 1552 الذي كان صدر في 12 يونيو سنة 1974), حول إستفتاء عن حرية الصحافة, فأظهر ذلك الاستفتاء أن الاكثرية الساحقة من اللبنانيين أيدت حرية الصحافة في لبنان بنسبة 93,7 % . و رداً على ما إذا كانت حرية الصحافة تخدم المصلحة الوطنية،  أجاب 90,7 %  منهم بنعم و 5%بلا.

 

ولأن الصحافة اللبنانية تعكس بشكل أو بآخر صورة لبنان الليبرالي, بصيغته المركبة و المتنوعة, والأكثر إنفتاحا على العالم الأوسع تنوعاً و غنى, فمن الطبيعي أن تنعكس على صفحات الجرائد و المجلات, الإيديولوجيات والسياسات المتعارضة والمتناطحة في المنطقة, فتخلق رأياً عاماً لبنانياً عن القضايا العربية والدولية المطروحة.

 

عندما أخذ الحكام العرب ينكرون ويتنكرون للحرية, وبدأوا يفرضون عليها القيود والحدود, معتبرين, بفهم خاطىء, أن دور الإعلام عموماً و الصحافة خصوصاً, هو "الإشادة" بإنجازاتهم و سياساتهم, فالنقد ممنوع و الإعتراض خطيئة مميتة... إزْوَرَّ  نظرهم تجاه الصحافة اللبنانية. 

 

وقد أربكت الصحافة الحكومات اللبنانية المتعاقبة, في علاقاتها مع عدد من الأنظمة العربية, التي إن كانت تتفهم جوهر تركيبة النظام اللبناني القائمة على الحرية “الحرية في كل شيء :التعبير, و المعتقد, والتربية  والتعليم”, إلا أنها كانت ترفضها…

 

و يختصر الصديق الراحل رياض طه, نقيب الصحافة اللبنانية الأسبق, الأزمة الدائمة بين الصحافة اللبنانية و"الأنظمة العربية", في محاضرة كان ألقاها في "معهد الصحافة" سنة 1969, و ها هنا بعض ما قاله:

 

"لقد اصطدمت صحفنا, غير مرة, بالسلطات, بسبب الشكاوى لدى بعض الدول العربية و الشرقية, لجهل تلك الدول معنى حرية الصحافة اللبنانية, و لكن صحفنا كانت, في كثير من الأحيان, تتخلى عن حقها في النقد الصريح, لتراعي علاقات لبنان الخارجية, على حساب حرية الصحافة".

 

في مجلة "النهار العربي و الدولي" التي كانت تصدر من باريس, وفي عددها رقم 103 الصادر في 23 من إبريل سنة 1979، نُقِلَ كلام عن لسان الرئيس اللبناني الراحل الياس سركيس, كان قاله لأحد اصدقائه, و كانت بينهما متانة وداد: "إن الشكوى من الصحافة اللبنانية بقيت مستمرة , و تسعين بالمئة من الكلام الذي تبودل في قمة الرياض سنة 1976 تناول الصحافة اللبنانية, و دعا غير رئيس الى إسكاتها, أو الحد من حريتها, لأنها مصدر الإزعاج الوحيد, ربما, للأنظمة العربية".

 

و كان من حاول إسكات الصحافة اللبنانية, بالرصاص, و الخطف, و التصفيات, فدفع عدد من الصحافيين اللبنانيين ثمن عدم سكوتهم, و تمسكهم بالحرية, منهم : نسيب المتني, غندور كرم, فؤاد حداد,  كامل مروة, رياض طه, سليم اللوزي, وسيم تقي الدين, محمد حوماني, سمير قصير, جبران تويني…

 

و وجدت بعض الأنظمة أنَّ إتقاء شر حرية الصحافة في لبنان, هو تمويلها, بغية إستمالتها! فراحت تلك الأنظمة تتنافس في بيروت على صحفها و صحافييها. و كان ما كان…

 

 

على الرغم من متعته, لم يكن العمل في "بيروت المساء", سهلاً, هيناً. فكان علي أن أتعامل مع ستة رؤساء تحرير, و سابعهم رئيس التحرير الأصيل. هؤلاء كانوا يتجاذبون المجلة: غالب الكيالي, يواجه مطيع الصفدي    و ليلى الحر, و قبالتهم, الياس سحاب و سمير كلام, إبن "الأهرام" الذي جاء به كامل الزهيري, مسؤولاً عن التحقيقات. وحده كان الشاعر الكردي العراقي بلند الحيدري, خارج تلك التجاذبات, يتولى القسم الثقافي, و نادراً ما كنت أراه في مكاتب المجلة.

 

فما منَّ أحَدٌ على أَحَدٍ, و ما كان تقارب, و ما كان ود. و ما إستطاع أمين الأعور, بوصفه الناشر ورئيس التحرير, ربط أقسام المجلة, و ضبط تصرفات العاملين الرئيسيين فيها. و جلَّ إهتمامه كان إصدار مجلة يسير في خطتها على محاسنة عقيد ليبيا, طلباً للرفعة و المال. ثم خطب ود "الناصريين", و هو في الأصل الشيوعي العتيق... و هذا ضرب من ضروب سياسة الملقة, التي تقضي بممارسة النقيضين, تلمساً لجاه, و سمعة, و... مال.

 

نحي أمين الأعور في كتابة المقال هذا المنحى, فما لفت الأنظار, و لا كان لمقالاته دوي صدى, مثلما كانت افتتاحيات ربيبه اللدود, طلال سلمان, في جريدة "السفير".

 

و يؤخذ على أمين الأعور, فيما يؤخذ, عدم التدبر وسوء الإدارة, فأبعد الناصحين و قرَّبَ المتملقين. وسوء تدبره, جعله بعد صدور 52 عدداً, يتوقف عن الصدور, فقد إستهلك المليون دولار و نيف في السنة الأولى, فكان ينفق من دون حساب, و من دون ميزانية مالية...  فإحتجبت "بيروت المساء" بإنتظار دفعة ثانية من "خيمة" العقيد. و لما وصل الدعم, مليون دولار و نيف أيضاً, عدنا الي مكاتبنا, وعاودنا الصدور.

 

خلافاً لأمين الأعور, عرف طلال سلمان كيف يتدبر الدعم الليبي, وكيف ينفقه بحساب, و من دون عوز و فاقة بعده, بيده المِزْرى يفصل التبن عن القمح... و بعدما أزاحت "السفير" جريدة "المحرر" عن مكانتها, و تربعت مكانها, نصيرة للمقاومة الفلسطينية في لبنان. فَتَحَ ياسر عرفات بيت ماله في "الفاكهاني", و راح يغدق على طلال سلمان و"السفير" ما أغناهما عن العقيد و خيمته, و"كتابه الأخضر"!

 

و في وقت إنتشرت فيه "السفير", لتصبح نداً لجريدة "النهار" العريقة, لم تتمكن "بيروت المساء" من منافسة "الحوادث", "الصياد", "الأسبوع العربي", "الشراع", "الخواطر"... و لا حتى "أسبوع بيروت" , التي كان يصدرها غابي راجي كلما سنح الزمن!

 

و هكذا... عاش أمين الأعور, على قلق في الكتابة, و السياسة, و التقلب في المعاش.  إستمرت "بيروت المساء", تعافر, و تناكف, و... تسعى, الى أن طوّحها الإحتراب الداخلي الدامي, فإحتجبت,   و ما عادت صدرت. 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز