عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مـن شـــرعية الإنقــاذ.. لشــرعيـة الإنجـــاز

مـن شـــرعية الإنقــاذ.. لشــرعيـة الإنجـــاز

فى حياة الشعوب طفرات تاريخية ومراحل مفصلية يجبر فيها زعيما كاريزميا الزَّمَن على مراجعة الحسابات. 



تُعرَف المَراحل المَفصلية فى أدبيات الأمّ بتلك البدايات الضرورية التي تنهى عقودًا شارفت فيها الدولة على الانهيار..  بحتمية تاريخية.. نحو صعود جديد على مُنحنى الحياة فى الطريق لاستعادة الدولة.. والهوية.. والمكان والمكانة. 

 

فى النظرية المادية التاريخية سرعان ما تستفيق الشعوبُ على  مَراحل شديدة الحساسية، شديدة الخصوصية، وشديدة الخطورة، استدعاءً لبطل قومىّ ينفض الغبارَ.. مُحوّلاَ دفة السَّفينة عن الطريق للهاوية.  

وفى مَرحلة مفصلية شديدة الحساسية فى التاريخ المصري الحديث، استدعَى المصريون «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» فى 30 يونيو 2013 للإنقاذ. 

كان أول ما اكتسبه «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» من شرعيات متعددة  لدى الشارع المصري .. هو شرعية الإنقاذ. 

فى المَراحل المفصلية فى تاريخ الشعوب، تختلف المعادلات الكيميائية، وتتغير قوانين الفيزياء، وحساب المثلثات طبقًا للحتمية الكاريزمية للمنقذ الجديد. 

فى أوروبا، على سبيل المثال، فيما بَعد الحرب العالمية، شكّل الزعيمُ الفرنسى «شارل ديجول» نموذجًا فى تاريخ العالم الحديث لتلك المَراحل التي تقلب عَجَلة  الزَّمَن.. وتوقف التاريخ.. وتعيد عكسَ حركة العَجَلة فى الدوران.  

طلب الشارع الفرنسى فى مرحلة شديدة الخطورة، وشديدة الحساسية فى تاريخ بلاده وقتها،  بطلاً منقذًا؛ حيث  كانت الدولة على حافة الهاوية.. وكان  الشارع قد وصل إلى الهاوية.. وكانت أغلب مؤسَّسات الدولة قد دخلت إلى مَا بَعد الهاوية.  

فى المَراحل المفصلية فى تاريخ الشعوب، ينسحق الزمان والمكان، بتحوّلات فى اتجاهات الهواء لم تكن متصورة، وطفرات فى اختلاف المَشاهد.. لم تكن تدخل فى الحسبان . 

فى 30 يونيو 2013 أجبَر «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» حركةَ الزَّمَن على تغيير الاتجاه، مُتحمّلاً شجاعةَ قرار فى مواجهة عدوّ كان فى طريقه بالدولة إلى الجحيم. نزل «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» الميدان.. نزولاً على إرادة المصريين.

وقتها توقّفَ الزَّمَنُ.. فترة من الزَّمَن.. ثم عادت عقارب الساعة بعد فترة لحساب الوقت.. فى توقيت جديد .  

(1) 

أصلت تلك المرحلة المَفصلية لتاريخ جديد فى كتاب أحوال المصريين. على مَرِّ الأزمنة التاريخية، والمَراحل الكبرى فى التاريخ، دخل المصريون فيما بَعد 30 يونيو عقدًا مَرحليًا أول من نوعه، فى الطريق لجمهورية جديدة، أعادت تشكيل الجغرافيا، وأعادت رسم الخرائط، وأعادت حتى توزيع الهضاب والشوارع، وغيرت أماكن  المدن الكبرى على خريطة البلاد. 

لم يكتسب «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» شرعية صناديق الانتخابات بأصوات عام 2014 فقط؛ إنما على مَرّ 8 أعوام، تعددت مكتسبات «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» الشرعية، بدءًا من شرعية الاستدعاء،  ثم  شرعية الإنقاذ، ثم شرعية شجاعة القرار فى 3 يوليو 2013، وصولاً إلى شرعية التفويض.. وانتهاءً بشرعية الإنجاز فى مرحلة التنمية حيثما استعادت الدولةُ.. الدولةَ. 

يصح تلخيص شرعيات الرئيس «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» خليطًا من معادلات تفاعلية فى الطريق لجمهورية جديدة،  فى عقد اجتماعى جديد، وعقود مرحلية فى طريقها، فريداً  بأحفوريات عميقة فى مجرَى التاريخ . 

على مشارف الجمهورية الجديدة  استعادت مصرُ مكانًا ومكانة.. دولة قوية، قادرة تسعى للبناء.. رافعة شعار تنمية حقيقية  شاملة ومتكاملة، بإعادة تموضع مشروع فى أبعاد الإقليم.. وهيمنة مستحقة فى المحيط.. بخطوط حمراء.. وعين حمراء.. وبرغبة رشيدة فى الانفتاح على الجميع. 

 لا أميل إلى  مصطلح الجمهورية الثانية شعارًا للعقود المفصلية التي دخلتها مصر فيما بعد 8  يونيو 2014.

   تقديرى أن مصطلح (الجمهورية الجديدة) هو التعريف الأوقع وهو التعريف الأكثر دلالة  على ما حُفر على حوائط الزَّمَن من أحداث بتحولات، لعل أبرزها تعدد شرعيات البطل القومى الكاريزما  «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى»، التي لم يكتسبها زعيمٌ من قبله. 

أميل إلى مصطلح الجمهورية الجديدة، اتساقًا مع أنواء المرحلة التي تحوَّل فيها التاريخ المصري منذ 2013، فى مواجهة ظروف شديدة التعقيد، لم تمر بالبلاد على هذا الشكل  وبهذا المنوال وفى مواجهة مؤامرات كونية، لم يحدث أن استهدفت الدولة على تلك الصورة. 

(2)

فى المَراحل المفصلية فى تاريخ الأمم، يفرض القائدُ الكاريزما السطوةَ على الدقائق والثوانى، وتفرض سطوته على المحيط إعادة الحسابات وإعادة النظر، وإعادة التصوّرات فى 3 يوليو 2013، أعاد «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» رسمَ الخرائط فى مواجهة عَجَلة نارية كانت قد انطلقت لإعادة ترسيم الشرق الأوسط.. من بقع مختلفة على الخريطة، فى بروفات أولية ما قبل افتتاحية.. فى الطريق إلى مصر. 

بدأ مخطط ما يسمى بالربيع العربى بتفاعلات شيطانية فى معامل عديدة انتشرت على رقعة العالم، من أقصى الغرب لأقصى الشرق. 

فى معامل تسخين الربيع العربى؛ حيث أضيف كثيرٌ من السيانور السام على خلطاته، وأضيف مزيدٌ من غاز الخردل على وصفاته، استهدفت الفكرة الجهنمية إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط  بإعادة ترتيب مقاعد القيادة فى حروب لم يكن متعارفًا عليها ذلك الوقت.. ظهرت بوادرها وتفاصيلها فجأة حيث انفجرت فى وجوه العالم. 

قامت الفكرة الجهنمية على ابتكار تفجير الدول من الداخل، وتفجير أوضاع الشعوب.. وهدم الشعوب.. وإسقاط الشعوب ثم إسقاط الدول..  باستخدام الشعوب نفسها. 

استغرقت معادلات الربيع العربى فى الإعداد فترات، طرأ عليها فيما بعد فكرة إطلاق يد ما يسمى بالتيارات الإسلامية فى تجارب مقننة؛ لاعتلاء قمم القيادة فى الشرق الأوسط.. لأكثر من هدف، ولأكثر من سبب.  

أول الأسباب فكرة ساذجة سطحية، استشرفت أن الحل الأمثل فى مواجهة التيارات الجهادية الإسلامية، بعد صدمة سبتمبر 2001 بالهجوم على بُرجَىْ التجارة فى أمريكا عام 2001،  هو إعادة تسكين تلك التيارات فى دول الشرق الأوسط، وشرعنتها فى دول المنطقة، فى محاولة لإعادة التعامُل مع القابل للتعاون مع الغرب من تلك التيارات.. فى تفاعلات  بدأت فعلاً توضع قيد التنفيذ منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى! 

الفكرة فى مجملها، وبموضوعية شديدة،  كانت أكثر من ساذجة، وأكثر من حمقاء، تسبب فيها إدارات أمريكية اقتنعت، بإمكانية التعاطى المقنن مع جماعات الإسلام الراديكالى (على رأسهم الإخوان الإرهابيون) وفق استراتيچيات جديدة فى الشرق الأوسط!  

سذاجة الفكرة بدت من الطرفين؛ إذ لم يكن الأمريكان يعرفون جيدًا مَن هم الإخوان، إضافة إلى أن الإخوان الإرهابيين أنفسهم لم يكونوا يعرفون ما أدراك ما الأمريكان. 

منذ تسعينيات القرن الماضى، نجحت جماعة الإخوان الإرهابية، بشكل أو بآخر فى طرح نفسها كبديل ممكن التعاطى معه، فى إطار التحولات الجارية المتوقعة فى المنطقة؛ إذ طرحوا أنفسهم بديلاً إسلاميًا (وسطيًا) قادرًا على التعامُل مع الجميع، ومنفتحًا على الجميع .. وقادرًا على استيعاب الجميع!  

فى ذلك التوقيت، كانت عَجَلة نار قد بدأت فى الدوران سريعًا سعى  فيها الغربُ بالتوازى مع اتفاقات تحت الطاولات مع إخوان الإرهاب؛ لاستمالة ما سُمّى فيها بعد بـ«شباب الثورة والتغيير» فى الدول العربية، للعمل فى الخلفية، على أساليب تثوير الشارع، فى خطوط كان لا بُدَّ أن تلتقى مع خطوط سَير الإخوان، على أرض الشارع المصري فى  يناير 2011.. بعد شهور قليلة من انطلاقة فى تونس. 

ليست العوامل الخارجية وحدها؛ إنما فى الداخل المصري، ساعدت عوامل دفع كثيرة وفق حسابات خاطئة على اكتساب الإخوان مساحات، بينما كانت عَجَلة النار قد دارت فى الإقليم؛ حيث اكتسبت قوة دفع رهيبة شديدة السرعة، منذ بدايات الألفية، وحتى قبلها بسنوات، وصولاً إلى عام 2011. 

لما يكن هناك؛ حيث يتم التخطيط  والتدبير، مَن يتصور أن هناك مَن هو قادرٌ على إيقاف تلك العَجَلة، ولا حتى الحد من سرعتها. 

لم يكن حيث تم رسم المخططات وتغليفها وتعليبها وتصديرها مَن يتخيل أن هناك مَن هو قادرٌ على منع الآثار أو الحد من التداعيات.. لذلك كانت الصدمة الكبرى والحدث الجَلل أن خرج الزعيمُ الكاريزمى «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى» مدفوعًا بمَطالب الاستدعاء الشعبى، مشفوعًا بشرعية قرار شجاع؛ ليوقف عَجَلة النار عن الدوران فى 3 يوليو 2013.

وبهت الذين كفروا   

(3)

حسب الشواهد، وطبقًا للرُّؤَى، ومن استعادة لذكريات سنوات فاتت، واستعادة لاستعراضات بهلوانات سياسة ظهروا، وتجار أوطان تواروا بعد ضوء؛ فإن الوصفَ الأمثل للتفكير الغربى فى إدارة استراتيچيات الربيع العربى، على اختلاف أساليبها.. وضغوطها.. ومناوراتها  لم يكن يخلو من سذاجة. 

ليست سذاجة ناتجة فقط عن إغفال التفكير الغربى قدرة الجيش المصري، ومؤسَّسات الدولة العميقة على الحيلولة دون وقوع البلاد فريسة تيارات ظلامية، هى العدو الأول للدولة والشارع منذ ثورة يوليو 52. 

لكن تبدو حماقة الفكرة للوهلة الأولى من افتراض التفكير الغربى أنه يمكن اعتماد جماعات الإسلام الراديكالى بديلاً ممكنًا لتولى الأمور فى شارع مصري ذى طبيعة خاصة، بخصوصية دينية.. تستمد وسطيتها من اعتبارات تاريخية بتفرُّد فقهى. 

خصوصية التدين المصري هى التي جعلت من  المصري البسيط نفسه حائط صد طوال التاريخ، لألوان من التطرف الدينى، ولمحاولات مختلفة لصبغ الشارع بإسلام مُسَيَّس..  أو تطرُّف متخفى.  

على مَرِّ تاريخه، استقل المصري بإسلام عادى .. بلا مبالغة.. ولا تشدد . وقف الشارع المصري بخصوصيته، أكثرَ من مَرّة، وفى أكثر من محطة تاريخية فى مواجهة الراديكالية الدينية.. بأفكارها الضيقة التي تغلق الحياة..  وتقفل الرغبة فيها، وتقدّم الله بصورة خاطئة .. وتتعبّد إلى الله بصورة هى الأخرى خاطئة. 

ناهيك عن ملاعيب تجار الدين، إلاّ أن إسلام الشارع المصري الوسطى، كان عاملاً مُهمًا  وأساسيًا من عوامل استدعاء «عَبدالفَتَّاح السِّيسِى»؛ لتخليص المصريين من إسلام فاشى.. اعتبر أن وصوله للكرسى فى غفلة من الجماهير.. غير قابل للتغيير حتى بعد أن استفاقت الجماهير!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز